يحبُّ البعضُ أن يذهب إلى أوروبا، وأحب أن أذهب إلى أفريقيا.. ويحب البعض أن يذهب إلى الساحل الشمالى، وأحب أن أذهب إلى الصعيد.. أنا واحد من أهل الجنوب.. أميل إلى القاعدة أكثر من ميلى إلى القمة والسلطة.. هل جربت أن تقضى «الويك إند» في الصعيد؟.. أنا ذهبت إلى المنيا، في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس للسفر إلى ألمانيا.. بين الاثنتين بونٌ شديد.. لكن المنيا تكسب في نهاية المطاف!
في شرفة غرفتى بفندق القوات المسلحة أطلُّ على «أجمل فيو» في الدنيا.. لا يقل في روعته عن «فيو» منطقة الفنادق بالقاهرة.. الميريديان وفورسيزونز وسميراميس، وكوبرى قصر النيل، وبرج القاهرة.. النيل أروع ما يكون في صفائه.. الناس أيضاً تتمتع بصفاء نادر، لا يقل عن صفاء النيل، كلما توجهت إلى الجنوب.. لا أظن أن مقر إقامة الرئيس في ألمانيا يصل إلى عبقرية مقر إقامتى بأى حال!
هنا كان إخناتون يدعو إلى التوحيد.. وهنا أيضاً أمثال عاصم عبدالماجد يدعون إلى التكفير.. نفرتيتى من هنا.. هنا ثراء شديد في المدينة، وفقر أشد في النجوع.. هنا مليونيرات في المدينة.. من يملك شقة فهو مليونير.. أسعار العقارات رهيبة.. قد تتفوق على مثيلتها في القاهرة.. وفى النجوع ناس أشد فقراً.. لا أعرف لماذا يتكومون هنا حول شريط بسيط محدود بين النهر الخالد والسكة الحديد؟!
مرّ عامٌ تقريباً على تولى الرئيس.. لم يزُر أي مدينة في الصعيد حتى الآن.. أدعوه أن يزور المنيا، كبداية لزيارة الصعيد.. مهم أن يتوجه جنوباً.. على الأقل مرة كل شهر.. لماذا لا ينعقد مجلس الوزراء في الصعيد؟.. الناس هنا تشعر بتجاهل شديد.. عندها أوجاع حقيقية تنوء بحملها الجبال.. بعضها يتعلق بالتعليم والصحة.. وبعضها يتعلق بالإسكان والتوسع العمرانى.. أعطوهم ظهيراً صحراوياً للمحافظة!
اصطحبنى صديقى الدكتور وجدى النجدى إلى مدينة المنيا الجديدة.. مررنا في طريق طه حسين وتوفيق الحكيم.. توقفنا أمام المولات.. تفقدنا بعض محلات الجملة.. لا تختلف عنها في القاهرة والجيزة.. لم أتصور أن يستورد الصعيد كل شىء من العاصمة.. أين القرى المنتجة؟.. ماذا جرى لنا؟.. كيف نأكل الخبز الإفرنجى في الصعيد؟.. ينبغى أن تعود القرية المنتجة.. ينبغى أن نعود ثانية للزمن الجميل!
أعتبر نفسى رجلاً من الجنوب.. سواء من أفريقيا، أو من الصعيد.. أصلنا وعمقنا.. لا أدرى إن كانت طبيعة عروس الصعيد، أم أنها طبيعة الناس؟.. هنا حالة من التسامح لا تخطئها العين.. تتجلى روعتها في بناء مسجد السيدة العذراء.. تبرع به آل النجدى.. يضربون مثلاً في المحبة والتسامح.. اسم عبقرى.. يعبر عن شخصية مصر الحقيقية، كما يصفها العبقرى جمال حمدان في موسوعته الأشهر!
جرّبوا قضاء «الويك إند» في الصعيد.. جرّبوا عقد اجتماعات مجلس الوزراء هنا، مرة كل شهر.. استمتعوا بالطبيعة الخلابة والنهر الخالد.. تخفيف العبء عن القاهرة يبدأ من هنا.. اذهبوا إليهم قبل أن يأتوا إليكم.. يومها لن تناموا الليل.. الصعيد كنزٌ لم نكتشفه حتى الآن.. للأسف نعتبره عبئاً على قاهرة المعز!