x

يوسف معاطي من قلب الصحراء..الطريق إلى الحاج محمد يوسف معاطي الجمعة 29-05-2015 20:50


لماذا نترك الموضوع الأساسى الذي نتكلم فيه.. ونخرج منه تماماً لنضرب أمثالاً شعبية وأمثلة توضيحية كثيرة وتفصيلية تأخذنا بعيداً إلى مواضيع أخرى.. وتتفرع بنا في تفريعات كثيرة وفى النهاية يضيع الموضوع الأصلى الذي كنا بصدد أن نناقشه!!

كان الموضوع الذي لفت انتباهى.. عن علاقة البورصة وتأثيرها على الاقتصاد في مصر، ولأننى لست بورصاوياً وعلاقتى بالبورصة لا تتعدى أن أقرأ على ذلك الشريط الذي يمر أسفل الشاشة من أن البورصة ربحت كذا مليار.. والجملة توحى بأن الخبر كويس.. ولكنى لا أشعر بتلك الكواسة في حياتى.. أو أن أقرأ أن البورصة خسرت كذا مليار.. مما يعنى أن الخبر مهبب ولكنى أيضاً لا أشعر بذلك الهباب على أرض الواقع.. ويحاول الإعلام دائماً- كتر خيره- أن يناقش هذه الأمور المهمة ببساطة وشعبية بحجة أنه يخاطب «الحاج محمد» رجل الشارع، والذى يجب أن ننزل له بمستوى الحوار إلى أدنى مستوى ممكن لأنه مش فاهم أي حاجة، وبالإضافة لذلك.. فهو سمعه تقيل كمان.. مما أدى إلى ظهور نوعية جديدة من المذيعين الذين يصرخون ويزعقون وتعلو أصواتهم عمّال على بطّال من أجل نصرة رجل الشارع وهؤلاء يمكن أن نطلق عليهم «المذيعيق!!».

- يا دكتور.. أرجوك.. إحنا عاوزين نكلم رجل الشارع الغلبان.. كلمنا بالبلدى كده الله يبارك لك.. واحدة واحدة كده مع الحاج محمد.

وبالرغم من الهدف النبيل والنية الحسنة التي تتوفر لدى المذيع ورغبته في أن يصل إلى رجل الشارع.. إنما هو في الواقع فضحه وجرّسه وطلّعه حمار قدام الدنيا كلها.. هذا بصرف النظر عما إذا كان موضوع البورصة والاقتصاد يهم الحاج محمد أصلاً.

ابتسم الخبير الاقتصادى والسياسى لملاحظة المذيع الذكية، رغم استيائه الذي لم يظهره طبعاً بعد أن شعر بأن المذيع يزايد عليه ويضعه في برج عاجى بعيداً عن الحاج محمد اللى واقف تحت.. وقرر الخبير أن يزايد هو الآخر على المذيع ويهبط هبوطاً كبيراً مفاجئاً وقال:

- علـى فكــرة يــا أستـاذنا.. أنا أساساً من قلعة الكبش والناس اللى بتتكلم عليهم دول أهلى وولاد منطقتى.. الدكتوراه دى حتة شهادة معلقها.. إنما أنا اتعلمت منهم ولسه باتعلم منهم.

ابتسم المذيع سعيداً وشعر بأنه انتصر على ضيفه الخبير.. وجابه لمس أكتاف ونزل به إلى أسفل سافلين.. وهتف منتشياً:

- الله يا دكتور.. هوه ده الكلام.. فهّمنا بقى وقول للحاج محمد.. إيه علاقة البورصة بالاقتصاد.

قال الخبير..

- ببساطة كده يا أستاذنا.. مش كل من صف الأوانى قال أنا حلوانى.. مظبوط.

- مظبوط يا دكتور.

- الموضوع سهل خالص.. إنما المشكلة في إيه.. البقره بتولد والثور بيحزأ ليه؟. قال أهو تحميل جمايل.. واللى ياكل الضرب مش زى اللى يعده.

- الله يا دكتور.. هوه ده الكلام.. بس يا ريت نوضح أكتر عشان الحاج محمد.

- حاضر يا سيدى.. الست أم عيشة مربية فراخ فوق السطوح.. ماشى!

ابتسم المذيع سعيداً ببساطة المثل الذي يضربه الخبير وامتنّ لدخول أم عيشة في الموضوع ونظر إلى الكاميرا وقال:

- خللى بالك يا أم عيشه.. ركزى يا أم عيشة.

وعاد الخبير (الفرارجى) يكمل نظرته الاقتصادية العميقة..

- طول ما الفراخ بتبيض والبيض بيفقس.. العشة بتكبر.. والكتكوت بقى شمورد والفرخة بقت عتقية.. والديوك طايحة في العشة واللى يخاف م العرسة مايربيش كتاكيت.. إنت معايا يا أستاذنا.

- معاك يا دكتور.. فاهمك.

- تيجى أم عيشة بقى كل يوم والتانى تطلع تدبح لها جوز ولا اتنين عشان قال إيه العيال تاكل.. يبقى إيه اللى ح يحصل.

- فاهمك.. فاهمك يا دكتور.. بس بعد إذنك ح نطلع فاصل إجبارى.

وهكذا يستمر هذا الحوار الداجن حول الفراخ والديوك.. والبيض دون أن نسمع كلمة واحدة عن الموضوع الأساسى.. موضوع البورصة الذي غاب تماماً عن الذهن.. وهنيئاً للحاج محمد والست أم عيشة.. المشكلة أننى لم أفهم شيئاً.. لكن وماله.. لنتراجع نحن النخبة قليلاً ونترك الطليعة لرجل الشارع.. ألم تقم ثورة في بلدنا!! وموضوع البورصة بالتأكيد سيثار في برنامج آخر.. أهوه.. أنا ابن حلال والله.. ما أنا ضغطت على الريموت حتى وجدت مذيعاً آخر يحاور أحد المفكرين السياسيين.. ولحسُن الحظ كان مكتوباً على الشاشة موضوع الحلقة.. البورصة وتأثيرها على الاقتصاد.. كان المفكر السياسى يقول:

- خلينا نخش في الموضوع علطول.. ح نقعد نلف وندور مش ح نوصل لحاجة.. ح نبقى عاملين زى إيه؟! بالبلدى كده.. مكسح يجر مكسح ويقول له ياللا نتفسح.. وعلى رأى المثل.. يا مدارى عماص الناس دارى انت عماصك.

ورد عليه المذيع بحماس:

- أيوه يا دكتور.. إحنا فعلاً عاوزين نقرب من الناس الغلابة زى ما سعادتك بتعمل.

وبعد أن أكد الدكتور أنه أساساً من بركة الفيل.. وأنه راجل مدقدق وابن بلد عاد يقول:

- أيوه.. قلت لى يا سيدى.. البورصة والاقتصاد!! العملية بسيطة قوى.. إنت راكب عربية.. عربية قديمة آه.. بس موتورها عفى.. تبقى المشكلة في إيه؟ في عفشتها.. إنما في الآخر هي اللى ح توصلك المشوار.. حمارتك العرجة إيه؟.. أحسن من سؤال اللئيم.

- الله يا دكتور.. هوه ده الكلام!!

- إنت معاك شوية بنزين يادوب يوصلوك للمشوار اللى إنت رايحه.. ابتدت العربية تقطع وتسقف منك.. إنت واخد بالك.

ويرد المذيع بفتاكة ساخره:

- ما هي عمّاله تقطع وتسقف علطول ياريس.. طيب والحل.

قال المفكر السياسى في سعادة مفتعلة بالسؤال:

- والحاااااااال؟! مفيش غير إنك تقف تشفط لها.. وحد يكرك لها.. أنت معايا.

- معاك طبعاً يا دكتور.. فاهم قصد حضرتك.

وهكذا يظل المفكر السياسى والإعلامى يسبحان معاً في ذلك الحوار الميكانيكى عن السيارة والكاربيراتير وزيت الفرامل والبوجيهات، وقد ضاع موضوع البورصة تماماً وأصبح الحوار يتناسب أكثر مع- مدينة الحرفيين- ولم أفهم أي شىء.. ربما يكون الحاج محمد قد فهم ما يرمى إليه مفكرنا السياسى العظيم الذي يخاطب رجل الشارع.. بينما أنا الذي وقعت في المحظور وظللت أنظر في بلاهة لما يقال أمامى دون أن أفهم تلك اللغة الجديدة التي يستخدمها النخبة في مخاطبة رجل الشارع.

في المساء جاء لى صديقى عرفة.. ولحسن الحظ هو أيضاً بورصاوى عتيد يطلقون عليه عفريت البورصة، وحينما شكوت له من عجزى وقلة حيلتى في أن أفهم علاقة البورصة بالاقتصاد انفجر ضاحكاً.. وقال:

- معقولة.. إنت يا جو!! لا أنت بتهزر.. إنت مش عايش في البلد ولا إيه؟ البلد بقى فيها وعى اقتصادى رهيب.. ده إنت لو سألت الحاج محمد البواب ح يقولك.. الموضوع غاية في البساطة.. اربط الحمار جنب رفيقه إن ما اتعلم من شهيقه يتعلم من نهيقه!!

هنا لم أطق صبراً وصرخت فيه:

- مش عاوز أمثال، الله يخرب بيت أمك.. خش في الموضوع.. السؤال واضح.. البورصة بتأثر على الاقتصاد إزاى!! وانجز في الإجابة.. عشان أنا عندى السكر.

ابتسم عرفة بحنان.. وربت على كتفى وقال:

- اهدأ.. اهدأ يا أبوحجاج.. أصل انت مشكلتك إنك معتزل الناس وقاعد بعيد علطول في الصحراوى.. وما يضايق الزريبة إلا إيه.. إلا النعجة الغريبة.

بعد أن ألقى بالمثل الأخير في وجهى.. خلعت فردة من حذائى.. مهدداً ومتوعداً.

فقال عرفه ضاحكاً:

- خلاص.. خلاص ح اخش في الموضوع علطول.. بس في الأول لازم تعرف هي إيه البورصة.. عشان أفهمك إزاى بتأثر على الاقتصاد.

تنفست الصعداء أخيراً حينما دخل في الموضوع وقلت له مشجعاً:

- دخول موفق.. ومنطقى.. اتفضل يا عرفه بيه.

أخذ عرفه نفساً طويلاً من سيجارته ليرتب أفكاره.. وقال:

- انت راجل مثلاً يعنى.. متجوز أربع نسوان.. واحدة تخينة إنما طيبة وحنينة.. وواحدة مزة بس خايبة ما تعرفش تعمل حاجة.. وواحدة عفشة إنما طبيخها محصلش.. وواحدة يعنى جمالها متوسط بس إيه نغشة.. طيب انت بأه ح تعدل بينهم إزاى.. ما تصحى معايا.

صرخت فيه وأنا أكز على أسنانى وأكاد أنفجر من الغيظ مذكراً إياه بالموضوع:

- البورصة يا عرفة.. خش ع البورصة يا عرفة.. أنا مش ناقصك أنا مالى بأربع نسوان ومزة وعفشة.. أنا مش ناقص توهان يا عرفة.

ابتسم عرفه في هدوء بارد مقيت.. وقال:

- ما هي دى البورصة يا عم.. مش لغز ولا فزورة يعنى.. واضحة أهيه.. ادينى فرصة بس أكمل لك الفكرة.. لو انت جيت طلقت التلاته وخليت واحدة.. دى اللى انت بأه حاطط عليها كل آمالك.. وهوب عملت معاك الدنيئة وخلعتك يبأه انت إيه؟.

قلت له بحسم:

- بس يا عرفة فهمت.. أقولك أنا أبأه إيه.. أنا أبأة ابن كلب لو سألت حد عن البورصة تانى..

وعلى رأى المثل يا عرفة.. أم قويق عملت شاعرة في الأيام الواعرة.

* تليفونى زى ما هوه.. ما اتغيرش

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية