أرجوك ألا تنزعج يا عزيزى من ظاهرة التنصت والتسجيلات والتسريبات التى تفشت فى العالم كله.. فهذه نتيجة طبيعية للتطور التكنولوجى الذى يزهو به القرن الواحد والعشرون، ورغم تعارض تلك الظاهرة مع حقوق الإنسان، فإنها صارت أمراً طبيعياً تمارسه الدول، ويمارسه الأشخاص ببساطة ودون أى إحساس بالذنب.. وكما قال الدكتور طه حسين فى القرن الماضى إن العلم كالماء والهواء، ولا يجب أن يحرم منه إنسان.. أقول لكم اليوم إن التسريبات كالشهيق والزفير، صارت عملية طبيعية تتم فى كل لحظة.. دعونا نقبل الأمر الواقع بكل أريحية.. وأرجوك أن تعتبر نفسك أيها المواطن على الهواء مباشرة وبصفة دائمة.. وركز فيما تقوله جيداً فى التليفون واضعاً فى اعتبارك أن كل كلمة قلتها قد سجلت.. ولن يؤخذ رأيك فى مسألة «نذيع ولا ما نذيعش!!» فهذا قانون «الكاميرا الخفية».. أما قانون التسريبات، فلا يشتمل على هذا البند!!
وإنى لأتذكر الآن كل المكالمات التى عملتها فى حياتى قبل ظاهرة التسريبات لأكتشف أنها لو كانت قد سجلت، وأذيعت لكنت الآن إما مخلوعاً أو مسجوناً أو مصاباً بعاهة مستديمة أو نزيلاً فى مستشفى الأمراض العقلية!!. ولأضرب لكم مثلاً.. فى فيلم الوسادة الخالية كلنا يذكر تلك المكالمة العاطفية الطويلة بين صلاح وسميحة (عبدالحليم حافظ ولبنى عبدالعزيز) لو كان صلاح سجلها.. وأرسلها عبر الأستاذ عبدالرحيم على لعمر الحريرى ما كان قد قبل أن يتزوج سميحة!! وما كان عبدالحليم تزوج زهرة العلا.. ولتغيرت الدراما، وتحول مسار الفيلم تماماً.
ولا تقتصر التسريبات على المكالمات التليفونية فقط، فقد أصبح ذلك لعب عيال.. لقد تطورنا أكثر من ذلك بكثير.. ولم نعد فى حاجة إلى زرع كاميرات أو مسجلات صوت.. إنما هى مجرد ذرة لا ترى بالعين المجردة بها شحنة كهرومغناطيسية.. ستطلق خلف الشخص المرصود.. ولن تفارقه أبداً.. فى البيت.. فى أوضة النوم.. فى الحمام.. تحت الأرض وفوق السطوح.. ودائماً هى خلفه تصور، وتسجل له كل هفوة، وكل نفس يخرج منه.. إن حياتك كلها بعد الآن يمكن أن تحتفظ بها فى فلاشة.. المشكلة أنك لم تتعود بعد على ذلك.. وكثيراً ما تتصور أنك غير مراقب، وتتوهم أنك صرت فى مأمن من العيون، وتستطيع أن تعمل ما يحلو لك.. تتلفت حولك يمنة ويسرة لتمسح بعينيك المنطقة المحيطة بالعمارة.. بعد أن ركنت سيارتك فى الشارع اللى ورا فى حارة مزنوقة لم يلفت نظرك طبعاً تلك الجرادة الواقفة على فرع شجرة.. والتى هى ليست بجرادة وإنما هى كاميرا متطورة جداً.. ستضع النظارة السوداء على عينيك والأيس كاب على راسك، وستطلع مسرعاً إلى تلك الشقة المفروشة التى أستأجرتها فى السر دون أن يعلم أحد.. حيث تلتقى فيها بمدام X ذلك اللقاء الحار الذى يجلجل فيه صوت أم كلثوم برائعتها.. دى ليلة حب حلوة.. بألف ليلة وليلة.. وبعد النظرات تأتى مرحلة الصمت الرهيب.. ثم تخرج حضرتك شنطة بلاستيك.. وتقدمها لها فى حركة استعراضية فتهتف مدام X ببجاحة:
- إيه ده؟! إنت جايب لى هدية؟! إوعى تكون ما جيبتش الفلوس اللى قلت لك عليها.
- لأ.. الهدية دى مش علشانك يا صايعة.. دى عشانى أنا.
تفتح مدام إكس الشنطة فى فضول، وتخرج ما بها:
- إيه ده!! بدلة رقص؟! دا إنت طلعت مصيبة!!
- نفسى أشوفك بترقصيلى بيها.. ح أقطعك النهارده!
- طيب غمض عينيك.. ما تبصش!!
طبعاً أنا أعلم جيداً أنك مش ح تقدر تغمض عينيك.. ومدام X ترقص أمامك رقصتها الحاسمة بالبدلة الحمراء وأم كلثوم تشدو «إزاى إزاى إزاى.. أوصف لك يا حبيبى إزاى.. قبل ما أحبك كنت إزاى؟!»، وتتذكر باسماً تلك الخناقة الأخيرة التى كادت تطيح بالعلاقة، حينما أبديت إعجاباً خاطفاً أمامها بصافينار وهى ترقص فى أحد الأفلام.. وكانت ليلة سودة.. وبعد أن تصافيتما.. ها هى ترقص الآن أمامك وفى عينيها نظرة عتاب أُنثوى جميل.. وترددان معاً: «ونقول للشمس تعالى تعالى بعد سنة.. مش قبل سنة !!»، ولن يخلو الحديث طبعاً من بعض الكلمات الخارجة التى تناسب الموقف.. وربما تقف حضرتك فى لحظة نشوة ما بعدها نشوة.. لترقص أنت أيضاً بعد أن غيرت مدام X الأغنية، ووضعت بدلاً منها أغنية الليثى.. والنبى يامه.. يامااااه.. شكلك وأنت ترقص بهذا البوكسر الفوسفورى الغريب يفطس من الضحك.. إنما.. هكذا هى السعادة لا ندركها إلا إذا كان شكلنا يفطس من الضحك.. ولكن ما الذى سيعكر صفو هذه السعادة؟!. ويفسد تلك اللحظات الحلوة؟! أن تجد ذلك كله منشوراً ومذاعاً فى اليوم التالى على اليوتيوب.. وملايين اللايكات.. والمانشيتات فى الجرائد.. لتبدأ أشرس معركة دخلتها فى حياتك فى أكثر من جبهة.. جبهة مراتك.. جبهة زملائك.. جبهة الرأى العام.. خصوصاً لو كنت معروفاً.. وبصرف النظر عن الدوافع التى ستفتح كل هذه الجبهات ضدك.. فالدافع الرئيسى لاغتيالك معنوى.. هو الحسد والنبر عليك لأنهم يستكثرون عليك امرأة بقامة وقيمة وقومة مدام X التى بدت فى بذلة الرقص كتمثال من المرمر لإلهة من آلهة الجمال عند الإغريق.. ذلك بالضبط عكس ما تراه جبهة زوجتك التى خلعتك وهى تؤكد لصديقاتها فى النادى أنك رمرام ومعفن وماكنتش تستاهل غير الأشكال الزبالة دى!! أما الجبهة التى لن تستطيع أن تواجهها.. هى نفسك.. وأنت تنظر إلى المشهد على اليوتيوب.. وتهتف فى ضيق وخجل.. إيه البوكسر الزبالة اللى أنا لابسه ده؟!
أعزائى، أنا لا أريد أن أضيع وقتكم فى تلك الأسئلة التى لا تسمن، ولا تغنى من جوع، مثل هل القانون يجيز مثل هذه التسريبات.. وما هو البُعد الأخلاقى لنشرها على الرأى العام؟! ومن الذى صورها أو سجلها؟! ومن الذى نشرها؟! وأين دور الدولة؟! وهل الدولة بتسرب برضه وعاملة نفسها ما بتسربش؟!
كل هذه الأسئلة لا معنى لها الآن.. بعد أن ظهر الرجل الذى عاش عمره كله محترماً بهذا البوكسر الفوسفورى أمام ملايين المتابعين.. إن هذه الأسئلة تشبه ذلك السؤال المقيت الذى أسمعه فى كل عزاء أحضره.. حينما يهتف أحدهم للجالس بجواره بأسى.. هوه المرحوم مات ازاى؟! لندخل فى لب القضية.. وصلب الموضوع.. أنت مراقب يا عزيزى.. اعتبرها حقيقة واقعة.. «فاكت».. ولذلك فأنا أدعوك أن تتعامل معها بذكاء وفطنة.
لا أريدك أن تغير شيئاً فى نظام حياتك إطلاقاً.. كل شىء سيتم كما تريد.. ستقابل مدام X فى الشقة المفروشة التى استأجرتها سراً.. وسترقص لك يا سيدى.. وسيحدث كل شىء.. فقط أنا لى بعض الملحوظات البسيطة التى لو سمعت كلامى، وعملتها ستنزل بمستوى الفضيحة كثيراً، وستتفادى كل هذه الدوشة التى انفجرت بعد نزول التسريب.. أولاً بالنسبة لبذلة الرقص.. أنصحك ألا تحضر لها مثل هذه البذلة الخليعة.. وإنما يمكنك أن تشترى بذلة أكثر احتشاماً.. مقفولة بعض الشىء، مثل تلك البذلة التى كانت ترتديها الرائعة فريدة فهمى فى أيام مجد فرقة رضا.. ولا داعى وأنت تطلب منها أن ترقص لك.. أن تكلمها بهذا الابتذال.. وح أقطعك يا صايعة والحاجات دى.. حاول أن تكون راقياً أكثر من ذلك.. خصوصاً بعد أن تأكدت أن كل شىء مسجل الآن.. قل لها بوقار.. أنا بيعجبنى الكريوجرافى بتاعك وتناسق حركة إيديكى مع رجليكى.. يا ريت تفرجينى على رقصة «الأقصر بلدنا بلد سواح» لو أمكن؟! لو نزل هذا على اليوتيوب لن يجرؤ كلب أن يقول لك تلت التلاتة كام!! كما أريدك أيضاً ان تنبه على مدام X أن تمسك لسانها قليلاً.. ألفاظها خادشة قوى يا أخى.. وجارحة.. لقد ظللت أكثر من ساعة أتفرج عليكما على اليوتيوب، ولم أسمع منها كلمة بحبك.. أو وحشتنى.. يا حياتى.. أبداً.. كله كلام سافل كده!! أنا أعلم أن هذا يعجبك أحياناً، إنما لا بد أن تتخلى عنه خصوصاً بعد «التسريبات».. تخيل مثلاً لو كانت مدام X تقول لك فى التسريب الذى قلب اليوتيوب جملاً من نوعية أنا كل يوم بيزيد احترامى ليك!! أرجوك تقرا لى المقال الأخير اللى كتبته!! وماذا لو أتحفتك بقصيدة مثل «نعم أنا مشتاق وعندى لوعة.. ولكن مثلى لا يذاع له سرُ!!»، وليه لأ.. إن هذا من شأنه أن يحبط الذين يسجلون لك، ويراقبونك.. ولن ينشروه بالطبع فتسريب مثل هذا من شأنه أن يزيد من شعبيتك واحترامك ويجعل كيدهم فى نحرهم، وإذا كنت تريد أن تكيدهم أكثر.. خد الكبيرة.. اتجوز مدام X.. أهو ده القفا اللى ح تسكعهولهم صح.. وبعد ما ينزل التسريب تقوم إنت نازل بالمستند.. الورقة أهيه يا ولاد الـ...
أنا أعرف أنك تعترض على كلامى لأنك طبعاً لا تريد أن تتزوج مدام X.. لأنها مجرد نزوة بالنسبة لك.. ويأتى إليك غيرها مدام Z ومدام W ولا بد أنك تقول لنفسك إيه الراجل العبيط ده؟! هوه أنا كل واحدة أجيبها الشقة حاتجوزها؟!. يا سيدى اسمعنى.. هى مجرد ورقة.. ستقطع فوراً بعد أن تنتهى المصلحة وينتهى كل شىء.. تماماً كرخصة القيادة مرمية فى التابلوه.. إذا أوقفتك لجنة.. وجاء لك الظابط.. وقالك.. الرخصة لو سمحت!! ستخرجها بكل بساطة.. وتحطها فى عينه.. يقدر يعمل لك حاجة!! أنا أعلم إنك غاوى تركب وتغير عربيات كتير.. ما قولناش حاجة.. إنما لما تمشى ورخصتك فى جيبك.. تبأه فى المضمون.
شىء آخر أحب أن أنبهك له.. وأرجو ألا تؤاخذنى فى صراحتى معك.. ما ترقصش فى تسريبات تانى أبوس إيدك!! شكلك وانت بترقص عبيط جداً!! ده محمود الليثى وهو بيرقص شكله محترم عنك يا راجل.. راجل فى وزنك.. وكل يوم طالع فى الإعلام لما يرقص.. لازم يبآله شخصية برضه.. اطلع على «عاطف عوض».. أحسن مصمم رقصات فى مصر كلها.. يديلك كام خطوة.. كام حركة كده.. أتفرج على رشدى أباظة، وهو بيرقص بالعصاية فى فيلم الزوجة 13.. باشا بيرقص!! مش الهبل اللى انت كنت عمال تعمله ده.. فيه نقطة تانية.. ما كنتش ناوى أتطرق ليها، إنما إنت عارف إنك غالى عليا.. وكلنا فى الهوا سوا.. الأيام دى الرجالة هما اللى بيتفضحوا يا معلم!! ودى آخر نقطة عشان أنا عارف إنك مخنوق ومش طايق تسمع حد.. بالنسبة للبوكسر الفوسفورى اللى كنت لابسه.. أرجوك.. ولع فيه.. أديك شايف الناس سابت التسريب واللى فيه.. والبلاوى اللى إنت عملتها مع مدام X.. وماسكين فى البوكسر!!
أعزائى، أرجوكم لا تقلقوا، فظاهرة التسريبات لها جوانب إيجابية مضيئة.. فبعد أن تأكدنا أننا مراقبون تماماً.. وأن كل ما نقوله يسجل، ويذاع.. هذا سيجعلنا أكثر احتراساً وتدقيقاً فى كل كلمة تخرج من أفواهنا.. وسيجعل لغتنا أكثر رقياً.. وتعبيراتنا أكثر أدباً.. وحتى يعنى إذا كنا أحياناً.. نتكلم فى أمور جنسية أو سياسية أو نتحدث عن ناس نكرههم، فاسمحوا لى أن أبشركم أننا خلاص لم نعد نستعمل تلك الألفاظ القذرة التى اعتدنا أن نستعملها.. بل صرنا نستخدم تعبيرات مستترة تبلغ المعنى دون أن تجرح الأذن، وأعود لصديقى صاحب فيديو مدام X.. لأذكره أن تليفونه الذى سبق لقاءه مع مدام X والذى كان يتواعد معها فيه على اللقاء فى الشقة المفروشة.. كان رخيصاً ومبتذلاً وعمال تقول لها فى التليفون مش عارف ح أعمل إيه، ونسوى إيه، وح نهد الدنيا.. وهذا التليفون وحده كانت فضيحته أكبر من فضيحة الفيديو نفسه.. ماذا لو كنت قلت لها مثلاً:
- ما رأيك يا مدام X فى أن نفتح حواراً بيننا.. أيوه أيوه.. فى نفس المقر المشكلة فى أزمة الميه «فى إشارة خفية لها أن تحضر معها زجاجة ويسكى».. ما لاحظتيش إن اللون الأحمر بدأ يتوغل فى الحياة السياسية «فى إشارة إلى لون قميص النوم الذى يريدها أن تلبسه».. لو فعلت ذلك، لكنت قد بلغت المراد، وما وقعت فى المحظور.