x

يوسف معاطي من قلب الصحراوي مليون سنة قبل الميلاد يوسف معاطي الأربعاء 27-05-2015 21:42


كانت أول مرة ألتقى فيها بديناصور فى مطلع السبعينيات من القرن الماضى فى فيلم شهير حقق نجاحاً ساحقاً فى تلك الأيام والفيلم اسمه.. «مليون سنه قبل الميلاد».. وذلك قبل أن أرى بعينى هياكلها العظمية العملاقة فى متحف التاريخ الطبيعى فى باريس فى العام الماضى ووقفت أتأملها وظللت ألف وأدور حولها مندهشاً من حجمها الخرافى المهول وقد تملكتنى حالة من النشوة العارمة من أننى مازلت باقياً أصول وأجول على ظهر الأرض بينما انقرضت تلك الحيوانات الهائلة ولم تترك لنا من سلالتها غير بعض الأبراص والسحالى التى تفر مذعورة من أمامنا ونحن نلاحقها بالشباشب.. وابتسمت متشفياً فى شماتة وأنا أتحسس قدم الديناصور التى يزيد طولها على طولى أنا شخصياً.. فإذا بيد قوية تهبط على كتفى وصوت غليظ يهتف بى بلهجة آمرة.. ممنوع اللمس.. والتفتت لأرى الحارس الواقف بجوار الهيكل العظمى كان ضخماً فارع القوام عريض المنكبين وكان طوله ضعف طولى تقريباً.. ولم تخفنى نظرته الوحشية فأزحت ذراعه عن كتفى وقلت له متوعداً.. اتكلم من غير ما تمد إيدك.. وظل الحارس الذى ينحدر بالتأكيد من سلالة الديناصورات يردد نفس الجملة التى يبدو أنه لا يعرف غيرها.. ممنوع اللمس.. ممنوع اللمس.. كان مفتوناً بضخامته وهو ينظر نحوى- من أعلى الى أسفل- فى حالة من الازدراء والاستهزاء.. فصرخت فيه بجرأة لا أعلم من أين أتت وقلت له..

- يا أخى ده الديناصورات انقرضت.. أنتوا ما بتنقرضوش ليه؟!.

وانفجر الحارس العملاق فى ضحكة مدوية.. وكانت أول مرة أرى فيها ديناصوراً يضحك وقد أثارت ضحكته المفاجئة حالة من الود بيننا فطلبت منه أن ألتقط معه صورة «سيلفى» ولم يمانع صديقى الديناصور إطلاقاً.. المشكلة أننى إذا أخذت السيلفى وأنا واقف إلى جواره سيكون سيلفى مع ركبته التى هى فى نفس مستوى وجهى تقريباً.. فحملنى صديقى الديناصور بمنتهى اللطف بذراع واحدة.. ورفعنى إلى فوق.. وابتسمنا وأخذنا السيلفى.

وفيلم «مليون سنة قبل الميلاد» يحكى عن ذلك الصراع الذى نشأ فى بداية الخليقة بين الديناصورات وبين الإنسان الأول.. جدى.. الذى كان يقضى حياته جارياً من هنا إلى هناك بغريزة البحث عن الطعام بينما كانت الديناصورات هى الأخرى تقضى حياتها من هنا إلى هناك بغريزة البحث عن جدى..

وكانت أول حيلة تفتق عنها ذهن جدى ليتفادى شر هذه الكائنات المهولة هى أن يسكن الكهوف ذات المداخل الضيقة التى لن تسمح بالطبع لديناصور هائل طوله 17 متراً ووزنه 90 طنا أن يدخل له الكهف.. فكان جدى يلم حريمه وأفراد قبيلته ويحتمى داخل الكهف.. وهذا يثبت علمياً أن الإنسان عرف العشوائيات منذ بداية الخليقة وما إن يقترب الديناصور من الكهف حتى يبدأ جدى فى الصراخ والولولة واللطم على خده.. والقبيلة كلها تردد وراءه هذا النواح الهيستيرى مما يؤكد أن الإنسان الأول عرف «اللطم» قبل أن يعرف الكلام.

نتوقف هنا بأة عند بطلة الفيلم ممثلة الإغراء الرائعة «راكيل ولش» والتى ظهرت فى الفيلم فأثارت ضجة كبيرة فى الدنيا كلها.. وأضاعت جيلاً بأكمله.. وكانت نتيجة الشهادة الإعدادية فى مدرستنا بعد ظهور راكيل ولش «لم ينجح أحد» كانت تتهادى فى الفيلم.. فارعة القوام ناهدة الصدر يتطاير شعرها الذهبى على بشرتها البيضاء الناعمة المخملية.. وقد ألبسها المخرج قطعتين صغيرتين فقط من جلد الماعز.. وتجىء بهما طوال الفيلم دون أن يتزحزحا ملليمتراً واحداً يخفيان بالكاد ما يلزم إخفاؤه بحكم قانون الرقابة على المصنفات.. وهى سقطة فنية للمخرج.. فلم تكن الرقابة على المصنفات الفنية قد أنشئت من مليون سنة قبل الميلاد.. ولكن هذا يؤكد أن البنت كانت من البنات الملتزمة فى تلك الحقبة السحيقة من بداية الخليقة.. وأنها لو عاشت إلى أيامنا هذه لرفضت بقوة عرض شريف الشوباشى للنساء بالخروج فى مليونية خلع الحجاب.

وقد بدأ الصراع الدرامى فى الفيلم حينما كان «التيرانوصور» ومعناها الطاغية.. يتمشى فى جبروت واستعلاء متململاً زهقاناً ويشعر ببعض الانتفاخ فى معدته بعد أن لهط له نصف قبيلة من هؤلاء الأوغاد البشر الذين لا يكفون عن النواح والصراخ أبداً.. ونظر التيرانوصور أمامه.. فوجدها بلحمها وشحمها وأشيائها: راكيل ولش!!. خارجة من الماء حيث كانت تستحم فى بحيرة خلابة وقطرات الماء تتناثر على جسدها المرمرى وكأنها تتمسك بها.. وتهتف لها فى ود رايحة فين يا راكيل.. خليكى فى الميه شوية.. ما أنتى مآنسانا.. كانت راكيل ترتدى قطعتى الجلد سالفتى الذكر.. وهى سقطة فنية ثانية للمخرج فليس منطقياً أن تستحم بطلتنا بهدومها.. إلا إذا كانت هناك خلايا إخوانية نائمة من مليون سنة قبل الميلاد.. نظر التيرانوصور نحوها وقد تدلى لسانه فى إعجاب وبدأ يتقدم نحوها بشراهة.. طبعاً راكيل.. صرخت فى فزع وجرت من أمامه وهو يطاردها.. فقد بدت أمامه كطبق جيلى رائع.. ما هو الديناصورات تحب تحلى بعد الأكل برضه.. وأنا أصرخ فيه وأنا جالس فى السينما..

- دى ما تتاكلش يا حمار.. يا أهبل.. الحاجات دى مش للأكل.

حقاً ما أغبى هؤلاء الديناصورات!!. وماذا كنا ننتظر يعنى من كائن مهول شديد الضخامة ورأسه فى النهاية فى حجم بطاطساية صغيرة هى التى تحرك هذا الجبل الذى يمشى على الأرض.. إن كلمة ديناصور تعنى السحلية المرعبة.. وهذا الرعب الذى تبثه تلك السحلية فى نفوس من يراها من البشر ما هو إلا وهم كبير بداخلنا نحن، والدليل أننا انتصرنا فى النهاية وبقينا وانقرضت كل الديناصورات وانتهت ولم يتبق منها سوى هياكل عظمية نتفرج عليها فى المتاحف ونلتقط صوراً.. حقيقة علمية أخرى لابد أن نستخلصها من هذا الفيلم أنه ليس الديناصورات فقط التى انقرضت وإنما.. انظر حضرتك إلى راكيل ولش وكن موضوعياً.. ألم تنقرض هذه النوعية من المزز بعد أن صرنا نعيش فى عصر السيلكون والتكبير والتصغير والتدوير؟!. وحينما ذهبت إلى متحف مدام تسو أنا والأولاد وأمهم حيث تماثيل الشمع للمشاهير من نجوم العالم تكاد تنطق أمامك.. وجرت زوجتنا وناولتنى الكاميرا والتقطت لها صورة مع كلينتون.. أما ابنتنا فقد جرت بجوار جاستين بيير والتقطت لها صورة أيضاً.. محمود بأة وقف بجوار كينج كونج.. وإداله على قفاه.. وصورناه.. وفجأة وجدتها أمامى.. امرأة أحلامى.. راكيل ولش.. واقفة فى أنوثة فياضة.. بنفس قطعتى الجلد التى كانت ترتديهما فى الفيلم.. ورغم مرور كل هذه السنين لم يتزحزحا مليمتراً واحداً.. وذهبت نحوها بشوق دافق وأحطتها بذراعى.. كان لقاء تأخر أكثر من مليون سنة.. وأعطيت الكاميرا للمدام لكى تصورنى تلك الصورة التاريخية.. فلم أجد ترحيباً كبيراً منها.. وحتى لا أدخل معها فى جدل عقيم من نوعية.. إيه اللى عاجبك فيها دى.. ولعلمك مش حلوة قوى يعنى.. فقد قررت أن أجعلها «سيلفى» ولا الحوجة لأى حد.. كان بودى أن أنشر هذه الصورة لكم هنا.. ولكنها اختفت من تليفونى فى ظروف غامضة.. ولم يعد لها أى أثر.

- عزيزى القارئ.. أراك مندهشاً من أننى ابتعدت عن السياسة فى هذا المقال.. وتطرقت إلى موضوع فيلم سينمائى قديم لابد أنك ستبحث عنه الآن على اليوتيوب لتتفرج على الرائعة راكيل ولش.. والذى جعلنى أفعل ذلك فى الحقيقة هو أننى لم أتلق أى تليفون من أى مسؤول كبير حتى تاريخه!!. رغم أنك تعلم ومصر كلها تعلم أن تليفونى زى ما هوه لم يتغير.. الشىء الثانى.. أننى حينما تكلمت عن الديناصورات كنت أقصد أمريكا.. وش كده.. متمنياً على الله ولا يكتر على الله.. أن يأتينى تليفون من البيت الأبيض من الرئيس أوباما.. أو حتى من جون كيرى.. لقد صار شكلى مخجلاً أمام زملائى من الكتاب!!. هيه الشبكة فيها حاجة ولاّ إيه؟!.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية