x

يوسف معاطي من قلب الصحراوى.. والرابع يحكى يوسف معاطي الإثنين 25-05-2015 21:19


كم هو رائع أن نحكى تلك الحكايات المثيرة التى مررنا بها منذ سنوات طويلة.. عن مواقف اتخذناها.. عن رحلة صعود شاقة قطعناها.. حتى وصلنا إلى هنا ونحن جالسون أمام الكاميرات.. نحكى ونحكى.. والأروع من ذلك أن يكون كل شهود تلك الحكايات التى تحكيها قد ماتوا جميعاً!! وصاروا فى ذمة الله.. مما يجعلنا «نتبحبح» شوية ونحن نحكى.. ويعطى لنا مساحة من التصرف فى الحكاية ونبقى على راحتنا أكتر.

قال فى ثقة وهو يبتسم ابتسامة الذى يعود بذاكرته إلى الوراء قائلاً للمذيعة.

- والله انتى بترجعينى لأيام.. أنا أصلى طول عمرى لسانى متبرى منى.. معرفش أسكت فى مرة روحت له.. (يقصد أحد الوزراء السابقين وقت أن كان فى السلطة.. وكان هذا الوزير قوياً وسليط اللسان وكان الكل يخشاه ويقدم له فروض الولاء والطاعة).. آه .. كان فى عز جبروته.. وروحت مخبط له على كرشه كده وقلت له يا أخى يعنى انتوا مابتشبعوش من الفساد.. ح تودوا الفلوس اللى شفطتوها دى فين تانى؟! لايموها شوية.. اختشوا بقى.

قالت المذيعة معجبة ومندهشة فى نفس الوقت..

- معقولة !! وسيادتك قدرت تقول له كده فى وشه!!

وأجاب الضيف مبتسماً..

- وعينى فى عينه.. مرمطته.. معرفش يرد عليا.. قاللى يا عم كفاية انت كده ظبطتنى!! وكان قاعد معانا يومها فى القعدة دى محمد بيه لاشين الله يرحمه.. ووليم بيه شحاته الله يقدس روحه.. وبأوا يزغرولى.. ويغمزونى عشان أسكت.. وأنا طايح فيه.

وهكذا كما ترون الحكاية حضرها أربعة.. ثلاثة منهم ماتوا والرابع يحكى!! وقد بدأ شعبنا يتعاطى مثل هذه الحكايات أيام الرئيس الراحل أنور السادات حينما كان يجلس مع السيدة همت مصطفى الإعلامية القديرة (الله يرحم الإتنين) ويحكى لشعبه كل عام فى جلسه مطولة حكايات رائعة جذابة.. المشكله إن معظم أبطال وشهود هذه الحكايات قد صاروا فى ذمة الله.. وقد أقنعنا الرئيس السادات بحق أن الرئيس عبدالناصر كان دوره محدوداً جداً فى ثورة يوليه.. وأنه لم يكن يخطو أى خطوة إلا إذا رجع إليه يستشيره وأنه كثيراً ما كان يقسو عليه ويشخط فيه ويقول له.. الحريات يا جمال!!

بعكس الرئيس عبدالناصر الذى كان يحكى حكايات هو الآخر ولكن للحق كان بعض شهودها أحياناً لا يزالون على قيد الحياة.. لكن من كان يجرؤ وقتها على الاعتراض؟! كانوا كالأموات تماماً.. وبعد أن رحل الرجل انتفض الشهود وقالوا.. لأ.. محصلش.. الكلام ده محصلش وحينما سألهم البعض: لماذا لم تقولوا ذلك فى حياته؟! هنا انبرى أحدهم وقال أنا قلت له كده فى عز جبروته.. وحتى بالأمارة كان قاعد معانا المشير عبدالحكيم عامر (الله يرحمه) وعلى بيه صبرى (الله يرحمه) !! مرة أخرى.. ثلاثة ماتوا والرابع يحكى.

أما الرئيس مبارك فلم يكن حكاءً فى الحقيقة وإنما عاش فى عصره مجموعة كبيرة من الحكائين العظام الذين نسجوا هم أيضاً حكايات رائعة مات شهودها كالعادة وأنطقوهم حواراً وجملاً كانت تخدم المغزى النهائى للحدوته..

إن العلاقة بين السياسة والدراما علاقة وثيقة.. فعبدالناصر مثلاً.. كان عصره «فيلماً سينمائياً» سريع الإيقاع ملىء بالأحداث والمواقف الحماسية والانتصارات والهزيمة أيضاً.. وعصر السادات كان «مسرحية» ضحكنا فيها كثيراً وانتصرنا وصفقنا واعترضنا.. وعصر مبارك كان «مسلسلاً» طويلاً بعدة أجزاء وما كانت الدراما التركية (التى يربو عدد حلقاتها عن المائتى حلقة) أن تنجح إلا فى عصر مبارك.. حيث تحمل الناس ثلاثين عاماً.. ألا يتحملوا مائتى حلقة؟!

أما عصر مرسى فكان أشبه «بالسيت كوم» قصيراً مكتوباً فى عجاله.. بدأ وانتهى وأنت لا تعرف كيف بدأ وقال المشاهدون باستياء ما هذا الذى نراه على الشاشة أمامنا.. غير يا عم المحطة!! وجاء المستشار عدلى منصور الذى كان عصره أشبه «بالتترات».. أو المقدمة الموسيقية لعمل فنى نريد أن نراه وعندنا أمل أن يكون عملاً قيماً.. وربما تسألنى الآن وعصر السيسى؟! وأقول إننا ما زلنا فى الحلقة الأولى.. ولا أستطيع أن أحكم إلا بعد كام حلقة كده حتى لا نعمل مثل النقاد الذين يبدأون فى نقد مسلسل رمضان يوم 29 شعبان !! ولكن صدقونى طالما أن هناك سياسة فهناك حكايات وطالما أن هناك حكايات فلابد أن يكون لها شهود حتى تكتسب مصداقيتها، فإذا كان هؤلاء الشهود قد رحلوا عن عالمنا فهذا يجعل الحكايات تمر دون إزعاج أو مشاكل.. ودون أن يطلع لنا ذلك الشاهد الحى «الرذل» ويقول لأ.. محصلش.. ويعكنن علينا بقى ونحن نستمتع بالحكاية..

ولا يحدث ذلك فى السياسة فقط.. فى الفن أيضاً.. وقد حكى الراحل عبدالله أحمد عبدالله الشهير بميكى ماوس (راحل برضه أهوه) وقال فى برنامجه التليفزيونى إن ليلى مراد كانت زعلانة مش فاكر من إيه ودخلت حجرة نومها باكية وارتمت على السرير وخلفها أمها ملهوفة وهتفت بها.

- مالك يا ليلى.. مالك يا حبيبتى.. فيكى إيه؟

وقالت لها ليلى.. أنا خلاص يا ماما مش هاغنى تانى يا ماما..

وفى المساء قابلته.. وقلت له مازحاً يا أستاذ أحمد انت مش بتقول إن ليلى وأمها كانوا قافلين الباب.. انت كنت فين؟!. مافيش غير يا إما تحت السرير يا إما جوه الدولاب.. وانفجرنا جميعاً فى الضحك.. آه والله.. حتى كان معنا فى هذه الجلسة الحاج مسعد تاجر السجاد الله يرحمه!! والحاج حسين الله يشفيه بقى.. بعيد عن السامعين جاله الزهايمر.

وفى الحياة أيضاً.. كلنا يحكى ويحكى.. وهذه الحكايات فى النهاية تقيد ضد مجهول فكل الشهود.. للأسف أو لحسن الحظ.. قد توفاهم الله.. وإنى لأتأمل دائماً هؤلاء الذين يرحلون عن عالمنا كل يوم من الفنانين والسياسيين والمشاهير وأترحم عليهم وأنا أعلم أنهم سيظهرون مرة أخرى وستتردد أسماؤهم بعد رحيلهم فى حكايات ونوادر لم تحدث لهم ولا يعرفون عنها شيئاً.

وإنى لأؤكد لكم هنا.. وأثبت أننى لم أكن شاهداً فى يوم من الأيام على أى حكاية سيحكونها بعد موتى.. ويزجون باسمى فيها فى أى برنامج واللى ح يجيب سيرتى ويقول إنى كنت قاعد يومها.. أنا بقولكوا أهوه.. لأ.. أنا ماكنتش قاعد.. أنا كنت فى الحمام وكان عندى إمساك ومستعد أمضى ع الكلام ده..

وقد حكى أحدهم ذات مرة أيام الثورة.. (أكبر موسم للحكايات مر على بلدنا) حكى هذا الصديق عن مواجهته لوزير من أهم وزراء العصر السابق.. وقال إنه قال له إنتوا خربتوا البلد.. إنتوا ضيعتوها.. ولما جاء وقت الحديث عن الشهود لتصبح الحكاية قوية ومحبوكة ومشدودة.. ذكر صديقى اسم اثنين من الذين توفاهم الله كالعادة.. لغاية كده ماشى.. حكاية طبيعية.. إلى أن قال.. والكاتب يوسف معاطى كان قاعد يومها.. وبصراحة كان فى صفى وقال للوزير بكل شجاعة.. الراجل بيتكلم صح وده موقف وطنى له لا يمكن يتنسى له !!.. كنت وقتها أعمل عملية جراحية فى باريس.. ولما شاهدت البرنامج.. استشطت غضباً.. والعملية كانت ح تفك.. هذا لم يحدث وأنا لم أقابل هذا الوزير فى حياتى!! والمصحف ما كنت قاعد!! وأقسمت ألا أنام حتى أكلمه.

قلت له.. يا سيدى أنا لا أشكك فى الحكاية إنما أنا ماكنتش قاعد.. بتجيب سيرتى ليه؟!

قال مستنكراً.. هوه أنا قلت عليك حاجة وحشة.. أنا قلت إنك كنت وطنياً وفى صف الحق.

قلت له فى غيظ.. يا سيدى فى صف الحق ولا فى صف الباطل.. أنا ماكنتش موجود أصلاً.

قال باستعباط وكأنه يحاول أن يتذكر.

- واللهى!! معقولة.. بس أنا.. آه.. افتكرت.. دوكهه كان يوسف شاهين الله يرحمه.. مظبوط.. معلش بقى رزقك يا عم إنما طمننى عليك.. إنت عملت العملية ولا لسه؟

قلت له فى غيظ.

- أيوه وخارج بكره من المستشفى وصحتى زى البمب.

قال ببرود.

- حمد الله على سلامتك يابو حجاج.

وأدركت بعد ذلك أنه حينما ذكرنى بين شهود حكايته.. كان يعتقد أن العملية التى أجريها مش ح تعدى على خير.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية