عرض فى «أسبوع النقاد» الـ54 الذى تنظمه نقابة نقاد السينما فى فرنسا، والمخصص للأفلام الطويلة الأولى أو الثانية لمخرجيها، الفيلم الفلسطينى «ديجراديه» إخراج طرزان وعرب ناصر، وهو الفيلم الروائى الطويل الأول لهما.
طرزان وعرب ناصر توأم، ولدا فى غزة عام 1988، ودرسا الفنون الجميلة فى جامعة الأقصى الفلسطينية، وأخرجا منذ 2010 أربعة أفلام قصيرة، منها «الواقى الذكرى» الذى عرض فى مسابقة الأفلام القصيرة فى مهرجان كان 2013.
عنوان الفيلم المطبوع بالعربية على النسخة «ديجراديه»، وهى كلمة فرنسية تعنى قصة شعر نسائية. ونعتذر للقارئ مسبقاً عن أى خطأ فى ترجمة أسماء بعض العرب المشتركين فى الفيلم، فأغلب المخرجين العرب مع الأسف عندما يشتركون فى المهرجانات يصدرون كتالوجات الأفلام بالإنجليزية أو الفرنسية، وربما بثلاث لغات ما عدا اللغة العربية. وهم ينفردون بذلك بين كل مخرجى العالم.
الفيلم بداية متواضعة للمخرجين، كما كان فيلمهما القصير الذى عرض فى مسابقة مهرجان كان، فالسيناريو الذى كتباه محاكاة واضحة للفيلم اللبنانى «سكر بنات» إخراج نادين لبكى، حيث تدور الأحداث فى كليهما فى صالون شعر وتجميل للنساء، ولكن شتان بين أسلوب الإخراج فى الفيلم اللبنانى الذى يعتبر من أحسن الأفلام اللبنانية والعربية، وبين أسلوب الإخراج الواقعى التقليدى الرتيب فى فيلم الأخوين الفلسطينيين. إنه فيلم فقير الخيال.
تدور الأحداث فى يوم واحد فى غزة فى الزمن الحاضر، ولكننا لا نرى واقع المدينة، وإنما نعرفه من خلال شخصيات النساء زبائن الصالون فى ذلك اليوم. ولا نغادر الصالون إلا فى لقطات قليلة لأحداث تقع أمام أبوابه. الصالون هنا يتحول إلى ما يشبه زنازين السجون، خاصة بعد أن تنقطع الكهرباء وتصبح شخصياته مسجونة بالفعل عندما تغلق أبوابه بسبب معركة عنيفة بالأسلحة تدور فى الشوارع المحيطة، ولا نرى هذه المعركة، وإنما نستمع إلى طلقات الرصاص على شريط الصوت.
ومثل أى موقف درامى مماثل، يجمع الصالون بين نماذج مختلفة من النساء تتكامل فى التعبير عن الواقع، ومنهن افتكار (هيام عباس) التى تعانى من أزمة منتصف العمر، وصفية (منال عواد) المدمنة الساخطة على كل شىء، وأختها زينب (ميرنا شقال) المحجبة المتدينة التى ترفض الاستماع إلى الموسيقى وتصلى وقت أذان الظهر فى الصالون، ولكنها فى نفس الوقت تقول إن تدينها لا يعنى أنها تنتمى سياسياً إلى حماس.
وهناك أيضاً سلمى (دنيا شيبار) العروس التى تستعد للزفاف فى المساء، وفاطمة (سميرة القصير) الحامل التى توشك على الولادة، وسوسن (وداد الناصر) التى طُلّقت من زوجها لأنه يقضى أغلب وقته يصلى فى المسجد ولا يهتم بها أو بأطفالهما، ووداد (مايسة عبدالهادى) الموظفة فى الصالون، والتى ترتبط بقصة حب محبطة مع أحمد (طرزان ناصر)، الذى نراه على أبواب الصالون مع أسد سرقه من حديقة حيوان غزة، ويدفع حياته فى النهاية ثمناً لفعلته على أيدى الشرطة التى تقتله وتقتل الأسد.
ومن نقاط الضعف الدرامية فى السيناريو أن مديرة الصالون كرستين (فيكتوريا باليتسكا) روسية تعيش مع زوجها فى غزة منذ 12 سنة، ولا يوضح الفيلم لماذا، وكيف تهاجر أسرة من روسيا إلى غزة. ولا أحد يدرى لماذا توجد زينب فى الصالون وهى ترفض وجوده من حيث المبدأ، فلا يكفى مرافقة أختها لتبرير وجودها. وكيف ولماذا ولأى غرض يسرق أحمد الأسد من حديقة الحيوان. كما أن فى الحوار ألفاظًا بذيئة من دون مبرر.
إننا أمام مجموعة من الشخصيات التى لا تحرك مشاعر الحب ولا الكراهية، لأنها تعبر عن أفكار مجردة، وليست من لحم ودم ربما ما عدا صفية، التى أجادت منال عواد فى تمثيل دورها على نحو متميز فى الأداء والإلقاء، وكذلك وداد الناصر فى دور سوسن. أما الفنانة الكبيرة هيام عباس، فليس هذا الدور من أدوارها التى تضاف إلى رصيدها الحافل والرائع.
وموقف الفيلم السياسى سلبى تجاه حماس، أو الحكم باسم الدين، ويبدو ذلك فى «شرطة الأخلاق» التى تأتى فى لحظة عندما تخرج وداد إلى الشارع ليساعدها أحمد فى تشغيل مولد الكهرباء، ويسأل الشرطى هل أنت أخوها.. هل أنت زوجها، ثم يلقى القبض عليه، بينما تهرب وداد إلى داخل الصالون.
لم يشأ المخرجان أن يكون الفيلم منحازاً ضد حماس، أو منحازاً مع فتح، فصبّا اللعنات على «الحكومتين» معاً، وعلى تعدد المنظمات الفلسطينية، ولذلك جعلا المعركة التى تدور فى النهاية بين فصائل فلسطينية متناحرة.
وهذا الموقف ظاهره الحكمة، ولكنه فى الحقيقة يتعالى على الواقع، ويهرب من اتخاذ موقف واضح تجاه هذا الواقع. ومن البدهى أن تناول موضوع سياسى ملتهب على الأرض يفرض على أى فنان اتخاذ موقف، ودعوة جمهوره إلى تبنى ذلك الموقف. فالمشكلة ليست فى تعدد المنظمات، وهى متحدة فى إطار منظمة التحرير، وإنما فى حماس التى وصلت إلى السلطة عن طريق الانتخابات الديمقراطية، ثم انقلبت عليها مثل كل تيارات الإسلام السياسى، واستولت على غزة وألقت بالمعارضين لها من الأدوار العليا وهم أحياء. ثم هل يُعقل أن نرى فيلماً فلسطينياً عن الواقع الفلسطينى اليوم مع غياب تام لإسرائيل وجيش إسرائيل ودور إسرائيل فى الصراع الدائر على أرض فلسطين.
«سكر بنات» على الطريقة الفلسطينية
بداية متواضعة لتوأم من فلسطين