x

حسن حنفي هل شُجَّ رأس الرسول فى أُحد ..أم احتلت فلسطين؟ حسن حنفي الأربعاء 06-05-2015 21:44


شغلت الصحف أنفسها فى الآونة الأخيرة بمحاولة الإجابة عن سؤال مزيف: هل شُجّ رأس الرسول يوم أُحد طبقا لمعظم الروايات التاريخية فى علم السيرة؟ وبينما تصعب الإجابة عن هذا السؤال إلا أنه يسهل الإجابة عن سؤال: هل احتلت فلسطين والمقاومة كل يوم ودم الفلسطينيين يسيل؟ وهذا لا شأن له بتجديد الخطاب الدينى، ولا بتجديد الفكر الدينى إنما بتجديد الموضوع الدينى، عن أى شىء يتحدث الخطاب الدينى، وبأى معنى، وبأى لغة؟ إذ لا يكفى تجديد الخطاب الدينى بل لابد من الانتقال فى الخطاب من اللغة إلى الفكر وحينئذ يكون الموضوع تجديد الفكر الدينى. ولا يكفى تجديد الفكر الدينى فالفكر له موضوع، ومن ثم يجب الانتقال من تجديد الخطاب وتجديد الفكر الدينى إلى تجديد الموضوع الدينى. وإلا وقع الفكر الدينى فى اغتراب كامل، اغتراب عن الزمان، من العصر الحالى إلى عصر مضى، واغتراب فى المكان، من الواقع الحالى، فلسطين، إلى شبه الجزيرة العربية.

والرسول ليس جسما، رأساً وساعدين وساقين بل هو أداة لنقل الوحى. فهو روح أو ذهن أو ذاكرة تسمع وتتكلم. والتركيز على جسد الرسول تحويل لمحمد إلى المسيح بالرغم من أنه مجرد بشر يُوحى إليه، يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق. وما الفرق بين التصورين للرسول؟ تعظيم له أم تصوره كبشر عادى بصرف النظر عن رواية أُحد. إذ يمنع الشعور الدينى أن يصاب الرسول، آخر الأنبياء، بسوء. وإذا أصيب بشىء فكى يتساوى مع الصور الأخرى للرسل فالأكرم له ألا يُصاب بشىء لأن الإصابة بشج الرأس تنال من صورة النبى بصرف النظر عن صدق رواية الشج. فقصص الأنبياء لا يتحكم فيه التاريخ الذى قد يكذب أو يصدق ولكن يصدق فيه الإحساس بالنبوة وطهارتها. فهو تاريخ مثالى يتجاوز علم السيرة، ويفرضه الإيمان: فإذا قبلت هزيمة المسلمين فى أُحد فإن الرسول لا يهزم لأنه رمز النصر والبشرى بالنصر. وهذه هى قواعد الهزيمة والنصر، ومنها تعظيم القائد وتبجيله وتخليده. لذلك لا يصاب الرسول بشىء. ولا يهزم فى أى من معاركه كلها: بدر، وحنين، والطائف. ولقد صدق التاريخ فالهزيمة فى معركة واحدة، أُحد. والباقى كله انتصارات جديرة بالنبوة.

ويمكن أن تؤخذ «أُحد» كمثال على هزيمة جيش لم يستمع إلى كلام قائده عندما ترك المسلمون مواقعهم على الجبل ظنا أن المعركة قد انتهت وأن النصر قد بان وأن موعد الغنائم قد حان. إلا أن خالد بن الوليد وهو مازال من غير المصدقين بالنبوة التف حول الجبل الخالى من الجنود وهاجم المسلمين من الخلف وهزمهم. والدرس هو عدم ترك المواقع فى الحروب، وعدم ترك خلف الجنود عاريا، وعدم الإسراع باستلاب الغنائم. واليوم لا غنائم هناك ومع ذلك قد يكون فى عدم سماع الجند أوامر القائد بالتنبيه عليهم أن الحرب ستقع فى خلال أربع وعشرين ساعة، ووجود قائد الجيش فى طائرة فوق سيناء وغلق المدافع المضادة للطيران خوفا من إصابة الطائرة. وإن كان من الضرورى القياس فيمكن القول كما استفاد القدماء من أخطاء يونيو 1967 فى حرب أكتوبر 1973.

والعيب هو التركيز على الرسول وليس على الرسالة. فالرسول مجرد أداة لتبليغ الرسالة. إنما هو علم السيرة المتأخرة هو الذى بدأ بتعظيم وتفخيم الرسول بما فى ذلك برازه وبوله وعرقه. فتحولت الرسالة من الكلام إلى الشخص. وتحرك الرسول من بشر مثلنا يُوحى إليه إلى واسطة بين الإنسان والله، شفيعا ومعينا ومغيثا فى نداءات العامة «أعنا يا رسول الله»، «أغثنا يا رسول الله»، وانتشرت أجزاء من جسده وآلاته فى كل مكان خاصة فى الهند وباكستان من شعر رسول الله، وسيف رسول الله. وفى سير أخرى تشفط الأرض بوله وبرازه لأنه لا يجوز بقاؤهما على الأرض مثل باقى البشر. واستمر تأليه الرسول تدريجيا ابتداء من تعظيم جسده وتفخيم آلاته. وسؤال المصلحين: إذا كانت الرسالة قد وصلت فما لزوم تعظيم الرسول؟ وإذا كان الرسول قد أدى غايته فما لزوم تعظيم شخصه؟

والجواب: هذا ما فعله «الاغتراب» الدينى، أى ترك الموضوع وأخذ موضوع آخر أكثر إثارة للخيال. السبب ترك الرسالة وجوهرها من تحقيق للدعوة وتحرير البشر وتأسيس لمجتمع العدل والمساواة، أى تحقيق الجنة على الأرض بدلا من تخيلها فى السماء. يغترب الدين عندما يتشخص فى إله أو نبى. ويقضى على التشخيص عندما يعود إلى الحياة من جديد. وعلى العكس تعود اليهودية إلى العالم من جديد بدلا من اغترابها فى الكتاب وقراءته بفضل الصهيونية التى أخرجتها من الدين إلى السياسة، ومن الكتاب إلى الأرض، ومن الشريعة إلى الشعب، فلا شريعة بلا شعب وأرض. وحوّلت اللاهوت اليهودى من لاهوت الكتاب إلى لاهوت الأرض وجمعت يهود العالم من الشتات فى فلسطين، أرض الميعاد، وطردت شعب فلسطين الذى مازال يتساءل: هل شج رأس الرسول فى أحد أم لا؟ وأتى ذلك بعد عذاب القبر، والثعبان الأقرع. ومازال شيخ آخر يعد عدته فى نعيم القبر والحور العين ظاناً أن هذا هو تجديد الخطاب الدينى الذى أمر به الرئيس، وسار على نهجه المشايخ والإعلاميون قياسا على نعيم الدنيا، والمنصب والجاه قبل نعيم الآخرة الذى لم يره أحد. وتناول الفكر الدينى الغيبيات التى لم يرها أحد وترك الحسيات فى فلسطين والعراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر، والباقى فى الطريق.

وبطبيعة الحال الكل ينفى أن رأس الرسول قد شُج سواء صحت الروايات أم أخطأت، وإلا اتهم فى عقيدته وإيمانه وسلم الكل. ومن معجزاته شق رأسه وسلامته. وعلى مدى حياته منذ النبوة وحياته كلها معجزات منذ هجرته من مكة إلى المدينة حتى فتح مكة. فالذى يحدد التاريخ، هل شج رأس الرسول أم لا؟ وليس الرواية التاريخية بل النموذج المثالى للنبوة، ما يجب أن يكون عليه النبى.

ومن يثير مثل هذه القضايا يريد الشهرة الدينية وفى نفس الوقت الإعلان عن الإيمان، والناس تبغى المدهش. ويريد المساهمة فى الاغتراب وإبعاد الدين عن الحياة وإدخاله فى أمور غريبة تشد الانتباه. وقد يكون الأمر كله مدفوعا عن قصد للإبعاد عن السياسة والدخول فى الأمور الغريبة حتى يكون التفاوت بين الغنى والفقير أمرا طبيعيا مثل باقى الأمور الطبيعية حتى يكون قبول الأمر غير الطبيعى مقبولا، وهو ما يتفق مع ما يدخل فى ميدان العجائب وهو ميدان الدين. العلم ميدان الطبيعى، والدين ميدان ما فوق الطبيعى، ومهما ناضل الفلاسفة لجعل الدين فى ميدان العلم أو العقل مثل «الدين فى حدود العقل وحده» لكانط.

سواء شج رأس الرسول فى أُحد أم لا، لا يفيد ذلك فى كيفية استرجاع فلسطين بالمفاوضات أم بالمقاومة أم بالاثنين معاً. كيف ضاعت وكيف تعود؟ فالمعرفة هى المعرفة النافعة «أعوذ بالله من علم لا ينفع». والمعرفة الخالصة لا تفيد شيئا حتى لو كانت ممكنة لأن المعرفة وجهة نظر. وكل معرفة تعبر عن رؤية صاحبها. والرؤية تتجاوز الإدراك الحسى وتشمل العواطف والانفعالات والإرادات. وكلها تكون رؤية. فالرؤية وجهة نظر. ووجهة النظر منظور المعرفة والوجود.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية