x

أحمد الدريني الضابط الذي كسر يد السيسي أحمد الدريني الخميس 30-04-2015 17:40


في الفيلم البديع الذي أنتجته الشؤون المعنوية باسم «كنت أعرفه«والذي يسرد بعضا من وقائع حياة شهداء الجيش الأبرار الذين ارتقوا لجوار ربهم في الأشهر القليلة الماضية، يوثق الفيلم مشهدًا استثنائيا.

الرئيس السيسي، وقت أن كان وزيرًا للدفاع، يسلم على أحد الضباط الشبان (النقيب أحمد فؤاد حسن) في فعالية ما خاصة بالقوات المسلحة، ولما ضغط الضابط الشاب بيده على يد السيسي، مازحه السيسي قائلا: كسرت إيدي!

فيما بعد سيلقى هذا الضابط الجسور ربه شهيدًا بعد اشتباك مع إرهابيين في إحدى الوقائع التي جرت على مدار الأشهر الماضية.

رد الفعل الطبيعي ربما يصيب الفرد العادي بالاكتئاب، فكيف تسلم على أحدهم وتضحك معه، ثم يموت بعدها.. هكذا ببساطة؟ وكيف يصل الشر فيطول كفًا صافحتها بكفك؟ وكيف ينهي حياة شاب باسم الثغر قسيم الملامح كنت تمازحه يومًا ما؟

بالطبع يختلف الإحداثي تماما، فهذا قائد عسكري وذاك ضابط تحت إمرته، وكلاهما لديه مهمة ما، تتنحى فيها المشاعر جانبا، أو على الأقل يتأجل مجال الإفساح لها. لكن الرسالة المباشرة أن الحلقة تضيق لدرجة تمس السيسي- كشخص- وتحكم إغلاق نفسها عليه.

العدو فاجر.. ولكن ماذا أعددت أنت له؟

(2)

الذين جالسوا السيسي بالأمس، ينهشونه اليوم، على صفحات الجرائد وعلى شاشات الفضائيات.

ألست معي أن الدائرة تضيق؟

الحلفاء متلونون.. فلماذا لم يأخذ الأمر في حسبانه؟

(3)

السيسي تأخر كثيرًا.. تلكأ فيما لم يكن يجوز التلكؤ فيه وها هو يحصد.

لماذا استعان الرجل بالأكالين على كل الموائد؟ ولماذا ارتضى أن يشاركوه الصورة؟

إذًا فهو يستحق ما يجري الآن.

امتدحوه- منافقين- فلم يستغن عن مدحهم، ويهاجمونه- منافقين- وليس في يديه من الأمر شيءٌ الآن، فياللعدالة الشاعرية في المشهد!

وماذا كان بوسعه؟

كان عليه أن يفسح المجال للعقلاء الذين اتخذوا منه المسافة الضرورية، فلا هم امتدحوه مأجورين ولا طامعين ولا هم نهشوه شانئين تحركهم المصالح ورؤوس الأموال.

لعب بنار الإعلام، ونُسب إلى أحد معاونيه تسجيل صوتي يحرك فيه مذيعي الفضائيات تحريك العرائس الماريونيت.

ألا يعلم أن من تحركه مكالمة تثنيه مكالمة أيضا؟

(4)

يٌحكى أن إبراهيم باشا بن محمد على مر على أحد المشايخ وقد كان يجلس ذات يوم في حلقة الدرس، مادا رجله وسط تلاميذه، يشرح لهم ويفسر ما استغلق عليهم.

وحين جاء إبراهيم باشا في مواجهة الشيخ وحلقة الدرس لم يثن الشيخ رجله، وظل مادًّا لها وهو يكمل درسه دون أن يقطعه.

فقيل إن إبراهيم باشا أعجب به، أو نقم عليه واغتاظ منه، فأرسل له مع مبعوث مبلغا مغريًا من المال، إما حبًا له أو استمالة له وكسرًا لكبرياء الشيخ الأنف. فما كان من الشيخ إلا أن قال لمبعوث إبراهيم باشا: يا بني قل لسيدك إن من يمد رجله لا يمد يده!

هل تبدو العظة وراء القصة واضحة، أم أنها بحاجة لشرح إضافي؟

(5)

الاحتراف والاعتماد على منظومة مهنية سليمة.. هما كلمة السر وهما الضمانة الأكثر جدية في سيرك الإعلام.

حيث المدح والقدح عمليتان مركبتان تحتاج كل واحدة إلى سياق مهني مقبول ومنطقي ومستساغ، فلا يكال المدح في وقت مشبوه، ولا يوجه القدح في وقت أشد شبهة من سابقه.

حيث الإعلام مهنة لها ضوابطها المتعارف عليها في كليات تدريس المهنة وفي المؤسسات الكبرى، وحيث تناول شخص الرئيس أو سياساته عملية «علمية» تخضع لمعايير يتعرف عليها القراء والمشاهدون بصورة جلية لا لبس فيها.. أما ترك الأمر قيد الهوى فهو أقرب لمتاجرة إعلانية بشخص الرجل وبسياسته. تجحفه حقه متى استحق، وتنزله فوق منزلته حين يفرط!

وطنية السيسي ليست ضمانة أكيدة أنه لن يحيد عن الطريق، وحسن نواياه ليس عاصمًا عن الخطأ والزلل والحيد والميل والهوى، لكن تقييم «الإنجاز» و«الإخفاق» لن يجري سوى بمنظومة ديمقراطية حقيقية، يخرج فيها على الشاشات من يدرك طبيعة مهنته ومن يستحق أن يخاطب الجمهور، وفق المعايير المتعارف عليها مهنيًّا.

ويسائل فيها في البرلمان من جاءت به أصوات جماهير واعية، لا من جاءت به الرشاوى الانتخابية والتربيطات المشبوهة، تحت سمع وبصر ورعاية الدولة.

وإذا حصد السيسي ما لا يستحق في الفترة الماضية، فإنه يدفع ثمن ما هو ليس من ذنبه في شيء في الفترة القادمة.

ذلك كله أنه استمرأ المعيار الملوث حكمًا، فضاقت الدائرة عليه من كل حدب وصوب.

وتسأل أين الحل؟ قل هي العدالة وإسناد كل أمر لأهله.

أما إذا ترك بلده نهب مسؤولين غير أكفاء، ورجال أعمال مشبوهين، وإعلاميين الله أعلم من أين يملأون بطونهم، وداخلية باطشة، ومنظومة فساد عملاقة تتحكم في مفاصل الوطن جميعًا.. فلا يلومن إلا نفسه، فهو الذي عقد الحبل حول رقبته.

وللأسف، كما ضاعت أصوات المنصفين وسط ضجيج المدح غير المستحق، ستضيع أصواتهم (وهم ينصفونه) وسط ضجيج القدح غير المستأهل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية