x

جمال الجمل أبيض وأسود (العنصرية -1) جمال الجمل الخميس 30-04-2015 03:49


قرب خط النهاية قذفني الفيتوري بطلقة محيرة لا أعرف إن كانت نابعة من اليأس أم الحكمة!

كان الناشر اللبناني سعيد محمدية قد زاره بعد إصابته بالجلطة والشلل ليعرض عليه مخطوطة الكتاب الذي يتناول سيرته ومعاركه في الشعر والحياة، فقال له الفيتوري بصوت منطفئ: اكتب ما تشاء، فالأمر لايعنينى. كل شئ قد انتهى، الآن.. استوي السواد والبياض.

فهل استوي السواد والبياض فعلا؟

شغلني السؤال!!؟

وبينما أتأمل الموقف من جوانبه المتعددة، اشتعلت بالتيمور بالإجابة القديمة القبيحة التي كرهنا سيرتها، لقد انفجرت المدينة الأمريكية رافعة رايات العصيان ضد العنصرية و«عدم المساواة».

قلت لنفسي: لعل الفيتوري كان غاضبا على الزمن، ويحتج بلغته العاصفة على قيود العجز والمرض، وأظن أن عبارته التي تساوي بين الأبيض والأسود كانت مخادعة، لاتعبر عن قناعة المناضل العربي الأشهر من أجل حرية السود.. المحارب الذي كتب مفاخرا ورددت وراءه أفريقيا كلها:

«أنا زنجي.. أنا زنجي/ قلها لا تجبن/ قلها في وجه البشرية: أنا زنجي/ وأبي زنجي الجد/ وأمي زنجية/ أنا أسود/ أسود لكني حر أمتلك الحرية/ أرضي أفريقية»

على شاشة التليفزيون كان المتظاهرون يرفعون قبضتهم في الهواء ويرفعون شعارا موحدا: Black Lives Matter

(B.L.M) تعني «قضية حياة السود»، وهي حركة تأسست في يوليو 2013 بعد حكم نهائي بتبرئة الشرطي «جورج زيمرمان» من تهمة قتل مراهق أسود يدعى «ترايفون مارتن» في عام 2012، وبدأت الحركة بـ«هاشتاج» أطلقته الناشطة العمالية السوداء «أليشيا جارزا»، وانضمت لها كل من «باتريسي كالورز»، و«أوبال توميتي»، وطالبت الحركة بمحاسبة عادلة لرجال الشرطة والحد من استخدامهم للسلاح، لكن صوت الحرك ظل ضعيفا حتى أحداث الشغب التي اندلعت في مدينة فيرجسون بولاية ميزوري احتجاج على مقتل مراهق أسود آخر يدعى مايكل براون برصاص شرطي أبيض، وزادت المظاهرات عنفا لأن الشرطة رفضت الإعلان عن اسم القاتل حرصا على حياته من الانتقام، وبعد أيام اضطرت إلى إصدار بيان أعلنت فيه أن الضابط هو «دارين ويلسون»، وأنه استوقف براون للاشتباه في ارتكابه جريمة سرقة، وقد أدى هذا البيان لإثارة فوضى عارمة وأحداث حرق ونهب للمتاجر، وهو المشهد الذي تكرر قبل ايام في بالتيمور عقب مقتل الشاب الأسود فريدي جراي.

لم يستو السواد والبياض إذن يا فيتوري، وصل الأفارقة إلى رئاسة البيت الأبيض، لكن سؤالك الاستنكاري لايزال يتردد على ألسنة الزنوج في ولايات الشرق الأمريكي:

«ألأن وجهي أسود ولئن وجهك أبيض سميتني عبدا؟/ ووطئت إنسانيتي/ وحقرت روحانيتي/ فصنعت لي قيدا»

وكأن أليشيا ورفيقاتها ينشدون من أشعارك أيضا:

«إن عدلاً على هذه الأرض/ ليس هو العدل/ ما بقى السوط يستنطق الناس/ فليركل الميتون مقابرهم/ ولتقم آية العدلِ»

وغدا نعود مع كونتا كونتي لنبحث عن الجذور، ونروي قصة العنصرية منذ 20 أغسطس 1916 عندما رست سفينة هولندية ملعونة في جيمس تاون بولاية فرجينيا الأمريكية، وعلى متنها أول 20 عبداً أفريقياً، لتغرس حربة المأساة، وبذرة العنصرية القبيحة في قلب الأرض الجديدة.

أول سفينة عبيد تصل إلى جيمس تاون بولاية فرجينيا الأمريكية – صيف 1619

جمال الجمل

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية