x

أنور الهواري مُقدّماتٌ فى إحياءِ الدولةِ والأُمّة أنور الهواري الأربعاء 29-04-2015 21:32


أستطيعُ أن أكتُب- كما كتبتُ بالفعل- ثلاثمائة مقالة جديدة فى نقد رئيس الدولة، وتحميله كامل المسؤولية عن كل هذا التدهور الذى لا يتوقف.

لكن لا أجرؤُ على كتابة مقالة واحدة فى نقد نفسى، وتحميلها أى قدر من المسؤولية، سواء عن أمورى الخاصة أو عن الشؤون الوطنية العامة.

ولو كان رئيسُ الدولة عنده مقال يومى هُنا فى «المصرى اليوم» لرُبّما كتب ثلاثمائة مقالة، يُثبت فيها إخلاصه فى أداء عمله وبراءته من المسؤولية عن هذا الانهيار الشامل الذى يضرب كل المرافق العامة.

هذا هو جوهرُ المأزق: كلانا مسؤول، الدولةُ مسؤولة، والأمةُ مسؤولة. اللومُ يقع على القيادة، واللومُ يقعُ على الشعب. الانهيار كلانا- على مراحل زمنية طويلة- تسبب فيه وسكت عنه وتركه يستفحل حتى وصل إلى هذه الحالة السرطانية البائسة.

السؤالُ الأول: لماذا صُدمنا فى القيادة الجديدة؟!

الجواب: لأنها تخيلت أن القيادة الفردية تُغنى عن بناء المؤسسات، وتخيلت أن رئيس الدولة يُغنى عن الدولة أو يجسدها أو يكفى بديلاً عنها، وتخيلت أن شعبية الرئيس تستر عورات المؤسسات التى تنفذ سياسات الرئيس، وتخيلت أن الشعبية لن تتناقص حتى تتآكل، وتخيلت أن النوايا الحسنة تكفى عن البرامج الحسنة، وتخيلت أن بناء الدولة يمكن إنجازه بمشروع هنا أو مشروعٍ هناك، وتخيلت أن استرضاء الشعب واكتساب تأييده تكفى له كلماتٌ طيبةٌ أو عباراتٌ معسولةٌ تنطوى على شىء من التبسط والتودد والملاطفة اللغوية، وتخيلت أن ارتجال الخطاب يكفى عن الخطاب السياسى الرصين المُحكم الذى يمثل «خطاب دولة» قديمة ومُعرِقة فى السياسة والحُكم مثل مصر. لهذه الأسباب صُدِمنا ومازلنا مصدومين فى قيادة جديدة كُنا نُعلّقُ عليها الآمال الكبار.

السؤالُ الثانى: ماذا كُنَّا نُريدُ من الرئيس؟!

الجوابُ الثانى: كُنّا نُريدُ من الرئيس- بغض النظر عمن هو- أن يوظف كل قدرات الشعب فى أداء الواجب التاريخى الضخم: إحياء الأمة وتجديد الدولة، بعد عقود طويلة من الحُكم الفردى، الذى أمات حيوية الأمة، والذى أجهز على فاعلية وكفاءة الدولة. المطلوب هو توظيف قدرات الشعب كله وليس قدرات الرئيس فقط، فمهما تكن إمكانات الرئيس فهى لا تساوى إلا القليل إذا قُورنت بإمكانات الشعب، فضلاً عن كون التحديات الماثلة أمامنا هى من الضخامة والصعوبة التى يعجز أمامها الحاكم وتستدعى أن يحتشد لها المصريون كلُّهُم.

صحيحٌ أن قطاعات كبيرة من الشعب قامت باستدعاء الرئيس للمهمة، ولكن- فات على الرئيس- أن يقوم باستدعاء الشعب ليحضر وليشارك وليؤدى دوره وليقرر مصيره وليصنع مستقبله. لقد تم الاستدعاءُ من طرف واحد فقط، هذا الطرَف حتى لو كان هو الرئيس لن يستطيع أن يستجيب للتحديات بمفرده ومن حوله أقلية لم ننتخبها ولم نعرفها، ولا تمثل- بالمعنى السياسى- أى قيمة حقيقية مُضافة. هذا النموذج من القيادة كان من الوارد أن يصلح فى مراحل تاريخية سابقة، لكنه لن يكون له موضع قدم فى زماننا هذا.

السؤالُ الثالث: ماذا يُمكن أن نفعل؟!

الجوابُ الثالث: نبدأ من النقطة الصح، نحن- فى العامين الماضيين مع الرئيسين المؤقت ثم المنتخب- اشتغلناها عشوائية وبالبركة. نُقطةُ البداية الصحيحة: مصرُ خارجةٌ لتوها من ثورة، بل من ثورتين، بمثل ما هى مُقبلةٌ على حربٍ، بل على حربين، حرب الفساد، وحرب الإرهاب. كذلك: مصرُ خارجةٌ من ستة عقود من حقبة الاستبداد الأولى، بمثلما هى مُقبلةٌ على مجهول من الوارد أن يُفضى بها إلى استبداد جديد أو فوضى تكون أسوأ وألعن.

نُقطةُ البداية: تتجاوز شخص القائد إلى مفهوم القيادة نفسها: نابليون جاء إلى حُكم فرنسا التى زلزلتها الثورة فأعاد إليها الاستقرار، شارل ديجول جاء إلى حكم فرنسا بعد أن دمرتها الحربُ فأعاد إليها البناء. نابليون وديجول كلاهُما غير قابل للتكرار أو الاستنساخ، لكن مفهوم القيادة قابل للاقتباس والاقتداء. مصرُ مثل فرنسا زلزلتها الثورة، ومثل فرنسا أنهكتها الحرب.

آخرُ الكلام: نُريدُ استقراراً يُوقفُ اضطرابات ما بعد الثورات، ونريد البناء الذى يُصلحُ دمار ما بعد الحروب. والحديثُ مُستأنفٌ.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية