المفارقة في حادث التحرش اللفظي بمديرة متحف محمود سعيد، أنها صدرت عن وزير الثقافة!
تخيل أن وزير «الثقافة» جيء به إلى سدة الوزارة وهو منقوص الأهلية الذوقية ومفتقد للحد الأدنى من التهذيب الإنساني، فضلا عن كونه معدوم التقدير السياسي، لدرجة أنه عاير موظفة في الوزارة بسبب «وزنها» «الزائد»، من وجهة نظره.
حتى وقت قريب كان غالب ظني أن الأزمة الجوهرية فيما يخص اختيار المسؤولين من محافظين ووزراء وخلافه، هي أنه لا توجد مفارخ كفؤة لإفراز «مسؤول» حقيقي ملم بالبديهيات السياسية والاقتصادية لأوضاع البلاد، ومدرك لطبيعة «المسؤولية».
لكن السيد وزير الثقافة، الدكتور عبدالواحد النبوي، بدد الفرضية من أصلها ليثبت لنا أن اختيار المسؤول الآن يستتبع اختباره إنسانيا وذهنيا، كخطوة أولى، قبل قياس قدراته نسبة إلى المنصب المحتمل إسناده إليه.
والواقعة الشائنة التي كان الوزير بطلها، أرويها على لسان صاحبتها عزة عبدالمنعم أمينة متحف محمود سعيد بالإسكندرية والتي سخر منها الوزير بسبب «وزنها».
والواقعة وفقا لروايتها الحرفية التي تصف حوارها مع الوزير كالتالي:
(يافندم في مشكلة بتواجهنا ف المكان بتعطل أي إجراء، بخصوص المركزية أنا بعت طلب بخصوص علاوة الماجيستير وتعديل الدرجة من شهر ٩ اللى فات وضيعوا الورق وبعته تانى ومفيش أي شيء تم يا فندم.
= أنا بقى عندى مشكلة بخصوص الموظفين «التخان»!
وأدور وقال لمديرة المركز: خليها تطلع وتنزل السلم كل يوم عشرين مرة عشان تخس، وبعدين أنا دخلت كان المكتب مقفول لا تكون كانت بتأكل جوا ولا حاجة.
والسيدة المحترمة مديرة المركز كان ردها: اوعى تكونى جايبة بطاطس محمرة جوا
كل ده بيتقال مع ضحك.. ضحك سيادته وسيادتها- بالمناسبة هي كمان وزنها زايد معرفش ليه ما اعتبرتش إن ده كلام مهين لها هي كمان؟!
وضحك الموظفون والأمن وحتى الأمن الخاص بسيادته
كنت أنا تسلية الناس إللى واقفين كلهم الصراحة
رديت على سيادته: هو الشكل من شروط وظيفتى هنا؟ محدش قالى يا فندم أنا بقالى هنا أكتر من سبع سنين وأنا من أوائل الخريجين وسيادتك دخلت مكتبى ومالقتش أكل واتفضل فتشه بنفسك ... وعلى كل الأحوال أنا عندى مشكلة عن الناس إلى بتتعب ومش بتاخد حقها.
قالى: آه ..عشان التمانين جنيه يعنى؟!
والتفت لموظف جنبه وقاله: خد اسمها.
(سيادته شايف إن التمانين جنيه مبلغ هايف ومش مكسوف إن حامل الماجيستير بعد ما بيصرف دم قلبه ودم قلب أهله عليها الدولة بتديله ٨٠ ج شهريا!! أنا عن نفسى والدى صرف على ماجيستيرى ١٥ ألف جنيه).
سيادته وهو ماشى ما نساش ينادى عليا من مسافة تقريبا أربعة متر أو أكتر ويقولى: عزه .. يلا بقى، لفى ف الجنينة عشان تخسى زى ما اتفقنا
لقيت نفسى بأقوله بأعلى صوتى: لا أنا مبسوطة بنفسى كده ومش هخس، ياريت سيادتك كمان تكون مبسوط.
نفس الضحك تانى وكأنى أراجوز أو مسخة ..!!!).
إلى هنا أكتفي بهذا الحد من السرد المفصل لواقعة التحرش اللفظي والإيذاء المعنوي الذي أقدم عليه السيد وزير الثقافة، الأزهري التعليم.
وهنا يحق لنا التساؤل، إذا كان وزير الثقافة متدني القدرات الذوقية إلى هذا الحد، ويقترف مثل هذه الأخطاء العنصرية التي لا تشي بثقافة ولا تعكس رقيا أو تحضرا أو حتى إنسانية، فكيف يرجى منه أن يقوم بدوره؟ كيف يمكن أن يخرج في الفعاليات الدولية ممثلا عن مصر وهو مفتقر للحد الأدنى من التهذيب الإنساني؟
وإذا كان الوزير ذا الخلفية الأزهرية جاهلا بالنصوص الدينية المتداولة عن تحريم سخرية الناس من بعضهم البعض، فكيف أثق فيه وقد أخفق مسؤولا عن الثقافة وممثلا عن التعليم الأزهري؟ كيف أثق في رجل انسلخ عن صفتيه مرتين في واقعة واحدة؟
حاول الوزير أن يتدارك الواقعة بعد تناولها إعلاميًا، فساق مبررات متهاوية ركيكة تليق بالجرم السخيف، ولا تثبت شيئا بقدر ما تثبت أنه يتملص ويرواغ على نحو مستفز بدلًا من أن يعتذر فيستقيل احترامًا لنفسه.
الأمر ليس خطأً عابرا من وزير الثقافة، الذي ينبغي إقالته وإحالته للتحقيق فيما اقترف. فقبله بوقت قريب، عبر السيد محافظ الشرقية عن إحساسه بأن «شعب الزقازيق كله متسول» أثناء حديثه مع أحد المواطنين.
وهو ذات المحافظ الذي ألغى انتداب 4 سكرتيرات من مكتبه فور توليه المسؤولية، معللا: «أنا شاب صغير ومش عايز بنات في مكتبى، وأنا أمرت بنقلهن في المكان الذى يرغبن العمل فيه بدلاً من مكتبى».
وهو تعليل يعكس تصورات مسبقة مريضة في ذهن السيد المحافظ تستدعي التحقيق مع من اختاره محافظًا.
هذا الفصيل من المسؤولين عديمي القدرة على التمييز، المفتقرين للحدود الدنيا من مهارات التواصل الاجتماعي والإنساني، والمفتقدين للحس السياسي العام، مكانهم ليس على رقاب الناس فوق كراسي السلطة.
بالأحرى، أعيدوا تأهيلهم وتهذيبهم – خدمة لهم ولما تبقى من إنسانيتهم- قبل أن تحيلوهم للتحقيق.
والمجزوم به، أن بقاء هذه النوعية من المسؤولين في أماكنهم، لا يعبر إلا عن حكومة ونظام لا يحترمان المواطنين، وأن إقالتهم هي البادرة الأولى لحسن إثبات النوايا. وليس هنا المجال للخوض في محفل الانتهاكات الحقوقية التي تموج بها البلاد، لكن سلوك وزير الثقافة نغص علينا البقية الباقية فيما لم يكن يتوقع منه أن يكون مصدر تنغيص.