x

«الثعلب»:سمير الإسكندرني وافق على العمل لـ«الموساد»..ثم أبلغ المخابرات عن نفسه

الأحد 28-09-2014 20:29 | كتب: محمد السيد صالح |
10)
10) تصوير : other

تحدث الفنان سمير الإسكندرانى لأكثر من صحيفة، وفى أكثر من برنامج إذاعى وتليفزيونى عن قيام الموساد بتجنيده فى نهاية الخمسينيات من القرن الماضى عندما كان طالباً فى أوروبا.

وروايات الإسكندرانى لقصته كانت متعددة الأحجام.. والحبكة التى يرويها من وحى خياله، لكن «الثعلب» كان له رأى آخر تماماً.. فهو روى لى خلال جلسة مطولة حكايته مع الإسكندرانى.. وكيف أنه اكتشف من ورائه شبكة جواسيس فى القاهرة والإسكندرية، علماً بأن هذه العملية بالذات كان الرجل «الثعلب» يعود إلى مذكرات بحوزته ليقرأ منها تفاصيلها:

■ فى منتصف يوم 11/10/1958 توجه شاب صغير السن إلى جهاز المخابرات العامة وطلب مقابلة أحد المسؤولين لإبلاغه بموضوع خاص بأمن وسلامة الدولة.

وبعد نصف ساعة من هذا البلاغ كان المواطن يجلس أمام أحد المسؤولين بمقاومة التجسس، ليسرد أمامه أسئلة الاستفسار التى كانت توجه إليه وكان هذا الشاب الصغير هو سمير فؤاد الإسكندرانى.

ومن خلال ما قدمه سجلنا التالى:

نشأ فى منزل متوسط لوالد يعمل تاجر «موبيليات» فى حى عابدين.. وفى هذا الوقت كان له شقيق اسمه سامى يدرس بجامعة جراتز بالنمسا.

والإسكندرانى من مواليد 1938.. وهو طالب بالسنة الثالثة بكلية الفنون الجميلة بالزمالك، قسم الرسم، وهو يجيد الإنجليزية والفرنسية والإيطالية.

التحق خلال دراسته عام 1955 بمدرسة ليلية إيطالية بالقاهرة فكان الأول فى الامتحان السنوى، فنال رحلة دراسية لمدة شهر بجامعة بيروجيا بإيطاليا.

وفى عام 1956-1957 واصل دراسته بالمدرسة الليلية وكان ترتيبه الأول ولكنه لم يسافر فى هذه السنة.

وفى عام 1957-1958 استمر فى دراسته بالمعهد الليلى وكان ترتيبه الأول، تحصل على منحة لقضاء إجازته الصيفية، وسافر إلى إيطاليا فى 15 يوليو سنة 1958.

«الإسكندرانى» الخيط الذى أوقع شبكة الجواسيس بالقاهرة والإسكندرية

كان سمير الإسكندرانى يقيم فى بلدة بيروجيا القريبة من روما والموجود بها الكلية الخاصة بتدريس اللغة الإيطالية لغير الإيطاليين.

وفى يوم 7 سبتمبر كان يراقص إحدى السيدات السويديات فى بار الجامعة، فتقدم منه شخص غريب عن الجامعة وشجعه وامتدح إجادته الرقص وهنأه على ذلك وسأله عن اسمه- ثم دعاه للجلوس معه- فلما ذهب إليه كرر عليه إعجابه برقصاته وإجادته الحديث بالإنجليزية وأن ذلك لا يتأتى إلى لمن درس اللغة الإنجليزية فى كلية فيكتوريا كولدج بالإسكندرية، وعرض عليه خلال هذه المقابلة رغبته فى أن يراه مرة أخرى لزيادة التعارف بعد أن قدم نفسه باسم «سليم».

تقابلا فى اليوم التالى، حيث رقصا مع فتاتين وكان سليم فى هذه المقابلة يبدو لطيفا سريع البديهة يجيد الإتيكيت.

استمرت مقابلاتهما بعد ذلك عدة مرات توطدت خلالها الصداقة بينهما وعرف منه سمير أنه لا يحب الاختلاط بالمصريين وأنه يعتبرهم حثالة وأنه كان يسميهم فلاحين- وكان ينظر إلى الغرب نظرة تقدير واحترام- وكان سمير يجاريه فى هذا الحديث.

اختفى سليم بعد ذلك فجأة دون إشعار سابق ثم عاود الظهور بعد ذلك بصحبة فتاة فنلندية.

فى مقابلات أخرى لاحقة سأله سليم عن أهدافه من ناحية التعليم فأجابه سمير بأن والده صاحب معرض موبيليات وأنه يرجو أن يسافر إلى السويد حيث الفن الرفيع فى هذه الصناعة، وللدراسة أيضاً، ولكنه لا يتوقع تحقيق ذلك لحالة والده المادية، فسأله عن رأيه فيما لو تمكن من تحقيق رغبته عن طريق القيام بأعمال ترجمة تستغرق منه مدة ثلاث ساعات يومياً نظير 80 ألف ليرة، فرحب سمير بذلك.

وفى مقابلة أخرى ذكر له أن العمل الذى سيسند إليه ربما يكون كومبارس وليس مترجماً فى «CINA CITTA» مدينة السينما الإيطالية.

لاحظ «سمير» أن «سليم» يركز على صداقته دون غيره من زملائه كما اكتشف بعض المتناقضات فى أقواله، حيث ذكر لبعض زملائه أنه يدرس الإلكترونيات فى لندن، بينما ذكر لآخرين أنه يدرس بجنيف، هذا علاوة على وجوده فى بلدة بيروجيا المخصصة لدراسة اللغة الإيطالية فقط وبقائه بها دون مبرر- كما علم من بعض أصدقائه أن سليم هذا يحمل جواز سفر أمريكياً- وقد ذكر سليم فى حديثة مع سمير أن الإيطاليين يسمونه «سنيور روبروتو أى روبير».

كل هذا دفع سمير إلى مسايرة المدعو سليم ومجاراته، لكنه شك أنه يهودى من الذين غادروا مصر.

عاد سليم إلى منزل سمير ظهر يوم 13 سبتمبر وطلب منه إعداد حقيبته بسرعة ليسافر معه إلى روما. وفى القطار عرض سليم حديثاً منشوراً بمجلة «تايمز الأمريكية» للرئيس جمال عبدالناصر، كما أطلعه على صور لفلاحين يستعملون الشادوف، مع معلومات حول ازدياد نسبة الفقر والجهل والمرض بينهم وعن بلدة «بنى مر» قرية عبدالناصر وذكر له أن الصحفى الذى كتب هذا الحديث أمريكى وأنه لا يعرف مصر جيداً وأن سليم هو الذى أملى عليه هذه البيانات نظير 700 دولار وأنه يكتب فى هذه الموضوعات كلما سمحت له الظروف.

أسلم وتزوج مصرية حتى يستطيع المعيشة وسط المصريين فاضطر أهل الزوجة أن يقبلوه لفقرهم وغناه- لذا فهو يشعر فى قرارة نفسه بالعطف على اليهود ثم وصلا إلى روما فأقاما فى بنسيون «بروتا» ثم فى بنسيون «أوروا» بجوار محطة روما وكان سليم يدفع الحساب بمعدل 2000 ليرة يومياً.

وخلال مقابلاتهما كان سليم يمهد لتسليم سمير إلى شخص آخر فكان يذكر له أنه سيقدمه إلى رجل ألمانى مهم، وبعدها كان يؤجل المواعيد التى كان يحددها لمقابلته لزيادة فضوله وشغفه وإشعاره بأهميته.

فى يوم 17 سبتمبر اتصل سليم تليفونيا بسمير وطلب منه أن يلبس أفخر الثياب ويتوجه إليه فورا بتاكسى وحدد له مكان المقابلة بجوار محطة روما فلما توجه إليه أعطاه مجلة «تايمز الأمريكية» و2000 ليرة وطلب منه أن يتوجه إلى قهوة «جرسو» بميدان إسبانيا وهى من أكبر المقاهى بروما ودخل سمير القهوة بمفرده حاملاً «التايمز» وبعدها بدقائق أحس بيد تربت على كتفه من شخص ناداه باسمه ودعاه بلهجة غير إنجليزية للدخول إلى ركن من أركان القهوة وقد عرف نفسه له باسم «جونثان أشمت».

خطة الموساد للإيقاع بـ«سمير» فى إيطاليا.. و«أشمت» أقنعه بتغيير اسمه لـ«هورست سام»

التقى سمير مع أشمت بقهوة «جرسو» وحياه بالإنجليزية، ثم سأله عن رأيه فى إيطاليا وعما إذا كان يحب أن يمكث بها وعما إذا كان يفضلها عن مصر وعن رأيه فى المصريين ونظام الحكم فى مصر وعما إذا كان سمير يعتقد بأن نظام الحكم فى مصر شيوعى.

كان سمير يجيبه الإجابات التى يعتقد أنها ترضيه وأنه لا يحب المصريين وأن نظام الحكم شيوعى وسيجلب الخراب والفقر.

بدأ أشمت حديثه بأن أهدافه هى إعادة الأموال التى صادرها عبدالناصر من اليهود الذين طردهم لعدم شرعية هذا الإجراء ثم توقف عن الكلام وذكر له بأن تنظيمهم لا يضم إلا الرجال وأن سمير لايزال صغيراً وأعطاه نموذج «بيانات شخصية» وذكر له أنه سيعرضه على تنظيمه ليقدر صلاحيته.

واتفقا على المقابلة الثانية صباح اليوم التالى مباشرة.

وفى المقابلة الثانية، حصل سمير على مبلغ 200.000 ليرة بإيصال وطلب منه أشمت السفر إلى بيروجيا لأداء الامتحان ثم العودة إلى روما يوم 27/9 وحدد له طريقة الاتصال كالآتى:

اصطحبه إلى مكاتب شركة «أمريكان إكسبرس» بروما لتحديد أسلوب المقابلات التالية وقادة إلى حجرة بها دفتر الزيارات وكان مقسماً إلى خانات وطلب منه أشمت أن يختار لنفسه أى اسم واتفقا أن يكون «هورست سام» وأن إقامته الدائمة فى هولندا.

عاد سمير إلى روما فى اليوم المحدد وتوجه إلى شركة أمريكان إكسبرس حيث نفذ ما اتفق عليه واتصل به أشمت فى الصباح وطلب منه الحضور إلى المقهى السابق ذكره.

لاحظ سمير تغييراً فى معاملة أشمت له إذ أصبحت معاملته بلطف وبطريقة مستحبة فاصطحبه إلى أحد المطاعم الفاخرة بروما بمنطقة فلابركيزى وتناولا الغداء فى مطعم «GASINAVALAGHIERE» ودفع أشمت 9000 ليرة ثمنا لذلك ثم سلمه مبلغ 24.000 ليرة كمصاريف إقامة أثناء الفترة من 27/9 إلى 4/10 «الموعد الذى حدده أشمت ليغادر سمير إيطاليا إلى القاهرة وعلى ظهر الباخرة اسيبريا من نابولى» واتفقا على المقابلة فى اليوم التالى فى نفس المكان.

وهو ما حدث فعلياً.. وفى هذا اللقاء سأله أشمت هل هو على استعداد للعمل فلما أجابه سمير بالإيجاب اصطحبه فى سيارة تاكسى إلى ضواحى روما حيث دخلا المنزل رقم 16 الدور 4 شقة 20 بميدان توماسونى.

وخلال أيام مقابلاتهما فى هذا المنزل أيام 29 و30 سبتمبر و1 و2 و3 أكتوبر درب خلالها على الآتى:

الكتابة بالحبر السرى والإظهار:

الموساد طلبوا منه معاينة مخبأ رئاسى بجوار مستشفى الدمرداش والمصانع الحربية بين حلوان والمعادى.. وتصوير إداريين فى القلعة وقصر النيل

أعطى أشمت سمير نوعا من الحبر السرى وقلم حبر وطلب منه أن يكتب بالطريقة الآتية:

القيام بغسل القلم عند كل كتابة ثم التأشير على الجهة التى سيكتب عليها من الورقة بالحبر السرى بعلامة خفيفة ثم يبدأ الكتابة بهذا النوع من الحبر مع عدم الضغط على الورق حتى لا تحدث أثراً مع وضع لمبة كهربائية فى الجهة المواجهة على زاوية الانعكاس مع الحبر وعينه- ثم بعد ذلك يضع الورقة فى محلول ماء وطباشير بنسبة كوب ماء إلى ملعقة بن من الطباشير وذلك لمدة 15 ثانية- ثم ينشف جيداً بنشاف وتوضع تحت ثقل مستو لمدة 3 ساعات على الأقل ثم تؤخذ الورقة ويكتب الخطاب العلنى على الظهر الآخر.

وأعطاه أشمت مادة لها رائحة الكولونيا وعلمه طريقة إظهار الكتابة وذلك بوضع هذه المادة على الصفحة البيضاء من الخطاب ثم مسح الخطاب بعد فترة بمادة الأمونيا.

وطلب أشمت من سمير عمل معاينة مصحوبة برسم لمحطة روما وكذلك لكبارى المدينة وبعض أماكن أخرى ثم شرح له أشمت رسماً تخيلياً للمصانع الحربية بحلوان وطلب منه رسم هذ الشكل الذى شرحه له وقد قام سمير بذلك خير قيام.

وكان أشمت يصر فى تقارير المعاينات التى يقدمها سمير أن يظهر فيها طريقة التحميل وأبعاد البنايات وطولها والتحميل البنائى.

ودربه أيضاً على طريقة كتابة التقارير وكان تركيزه على التقارير العسكرية وكان يشرح له بعض الأمثلة كأن يتخيل بعض المصانع الحربية فى مصر ويحدد أنها فى طريق المعادى فى اتجاه حلوان ويفترض له المقاسات وأرقام أبعادها وأكشاك الحراسة وعدد الجنود وأنواع البنادق والمدافع ومكاتب الاستعلامات ويطلب منه كتابة تقرير بهذه البيانات وأفهمه بأن المقصود من هذا هو اعانته على أن يضمن كتابة تقاريره المطلوبة.

وطلب أشمت من سمير أن يملأ ورقة «عقد» معنون بالآتى:

منظمة البحر المتوسط المناهضة للشيوعية والاستعمار

وهو عبارة عن عقد لمدة سنة قابلة للتجديد ووقع عليه أشمت فى مكان الرئيس وطلب منه التوقيع عليه ويتضمن العقد إقرار سمير «العضو الجديد» بأنه تحت الاختبار لمدة ثلاث أشهر يتقاضى عن كل شهر مائة دولار وهى أشهر اكتوبر ونوفمبر وديسمبر ويتعهد فيه بأن ينفذ تعليمات رئيسه التى يستمدها من رئيس المنظمة.

بعد ذلك سلمه مبلغ 300 دولار بإيصال وطمأنه بأن المنظمة لا تتخلى أبداً عن فرد من أعضائها وعمن تثبت جديتهم وإخلاصهم.

وطلب من أشمت أن يلبس أفخر ما لديه من ملابس، ويقابله يوم 3/10 ثم دعاه إلى مكان فخم للغاية حيث شربا كثيراً وتناولا العشاء واستمر أشمت فى تحذيره لسمير إن هو وشى بهم فبكى سمير وذكر له أشمت أنه اصبح لا يعتبره مصرياً وأنه سوف يعتبره يهودياً من هذه اللحظة وأن عليه أن يثبت نفسه مرة أخرى بالقاهرة وأنه لن يتخلى عنه وخلال المقابلة طلب منه أشمت الآتى:

- المبادرة بفتح صندوق بريد بالقاهرة باسمه فور وصوله.

- إرسال خطاب أو كارت عادى بمجرد وصوله إلى مصر، وبعدها يحاول الالتحاق بفرق الضباط الاحتياط.

- عليه أن يخطره قبل إلحاقه بالوحدات عند التوزيع بالجهات التى يمكنه الالتحاق بها حتى يختاروا الجهة الأكثر صلاحية ويستحسن أن تكون رئاسة هيئة الأركان حرب أو الإمداد والتموين.

- بعد الالتحاق بالوحدة عليه أن يكتب تقارير عنها وطريقة تكوين الوحدات مع موافاتهم بصور بعدد التقارير التى يستطيع الحصول عليها أو ملخصها.

- إجراء المعاينات الآتية خلال الثلاثة أسابيع الأولى بعد عودته لمصر:

1- محطة رادار موجودة بالقلعة.

2- مخبأ بجوار مستشفى الدمرداش يلجأ إليه الرئيس ومعاونيه فى حالة الطوارئ وأثناء هجوم عسكرى لوضع الخطط.

3- عامود خرسانى بجوار كوبرى قصر النيل به رادار.

4- المصانع الحربية ويعتقد أن أرقامها «23 أو 26 أو 27» بين حلوان والمعادى.

ذكر له أشمت أنه سيتقاضى مرتبه كل ثلاثة شهور بمعدل 100 دولار شهرياً خلاف المنح والمكافآت فى كل مرة يوافيهم فيها بمعلومات ذات قيمة وذلك عن طريق أفراد لا يعرفهم.

طلب أشمت من سمير أن يرسل له أربعة تقارير شهرياً على الأقل.

■ سألت رفعت جبريل: كيف تأكدتم من صلاحية سمير الإسكندرانى للعب دور العميل المزدوج؟

- فقال: علاوة على إخلاصه ووطنيته وولائه واستعداده للتضحية بمستقبله فى سبيل نجاح العملية، فإننا لمسنا ميله الطبيعى وحبه للمغامرة واستعداده لمواجهة ما قد يتعرض له من صعاب ومشاكل، وكانت هذه العملية مهمة للغاية لنا لأنها أول تجربة من نوعها لإدارة مقاومة الجاسوسية فى مجال تشغيل العملاء المزدوجين بالنشاط الإسرائيلى، مع تطبيق مبادئ المخابرات فى مجال العمليات السرية على موضوع حى فى الميدان، إضافة إلى جميع المشاكل التى تعترض مثل هذه العمليات وكيفية التغلب عليها سواء كان ذلك من ناحية سير العملية أو من الناحية النفسية للعميل المزدوج، فضلا عن اكتساب الخبرة العملية سواء كان ذلك عن طريق تشغيلنا للعملاء المزدوجين أو أساليب المخابرات المضادة فى تشغيل هؤلاء العملاء».

[quote:4]

■ لكن لماذا لم تقوموا بإجهاض العملية وتوقيف الشبكة من البداية؟

- كان هدفنا الأساسى أبعد من إيقاع عدد من الجواسيس فقط، ولكننا كنا نخطط للتعرف على الوسائل المختلفة التى يتبعها العدو فى تشغيل عملائه، واستنتاج نوايا العدو المستقبلية من خلال احتياجاته المختلفة، فضلا عن كشف وسائل الاتصال مع المخابرات الإسرائيلية بالخارج، والوصول إلى مصادر ووسائل تمويل العمليات السرية التى يقوم بها العدو داخل البلد، مع كشف العملاء الجدد لمخابرات العدو بالطبع، وكان من الضرورى لتحقيق هذه الأهداف كسب ثقة المخابرات الإسرائيلية فى العميل المزدوج، وافترضنا أن المخابرات الإسرائيلية لابد أنها ستجرى اختبارات مستمرة على عميلها الجديد، ويتوقف اختياره على تخطيه هذه الاختبارات بنجاح تام، الأمر الذى يستدعى منا اليقظة التامة والدراسة الوافية للأساليب التى قد يتبعها العدو، مع دراسة وافية لإمكانات العميل الفعلية من النواحى الاجتماعية والعلمية والشخصية.

■ نعود لسمير الإسكندرانى ومراحل تجنيده!

- من خلال عدد من الاختبارات وتسجيلنا لاعترافاته تأكدنا أن تقديره للمسؤولية كان ضعيفاً وذلك لصغر سنه، إضافة إلى الغرور الذى كان يتملكه من آن لآخر، حيث كان خيالياً فى تفكيره وآرائه، وكان ذهنه خالياً من أساليب المخابرات وقواعد العمل السرى. بناءً على ذلك كانت طريقة معاملته أثناء تشغيله خلال سير العملية ترتكز على عدد من الأمور من بينها تقوية الدافع باستمرار لديه، مع إعطائه تعليمات أمن مشددة وإبراز الخطورة التى قد تنجم عن أى خطأ أو تهاون فى تنفيذ التعليمات، مع إبراز أن العملية مازالت فى البداية ولم تحقق أى نجاح، وأنه باتباع تعليماتنا بدقة سنصل فى النهاية إلى النتيجة التى ترضيه، والتوجيه المستمر سواء كان ذلك باتباع قواعد الأمن أو لتنفيذ التعليمات الخاصة بسير العملية، وإجابة الاحتياجات المطلوبة فى المواعيد المحددة.

■ نصل إلى بداية عمل الإسكندرانى واتصاله بـ«الموساد» بعد استقراره فى مصر.

- فى أواخر أكتوبر 1958 قام «العميل المزدوج» بتنفيذ أول تعليمات المخابرات الإسرائيلية بإرسال بطاقة بريدية تفيد بوصوله إلى البلاد.. وبدء تنفيذ العمل، وفى بداية نوفمبر 1958 أرسل خطاباً سرياً أكد فيه أنه التحق بالعمل فى القسم الإيطالى بالإذاعة، وأنه تأخر فى إرساله الخطاب لتعرضه لبعض المضايقات بالمنزل ولمرضه لمدة أسبوع، وأشار فى الخطاب إلى أن «العميل المزدوج» لـ«الموساد» استطاع الحصول على بعض المعلومات المطلوبة، وأنه سيبعثها بعد تسلمه الرد من الموساد وتأكده أن خطابه الأول قد وصلهم، وراعينا فى صياغة هذا الخطاب عدداً من الأمور أولها: اعتماد نفس الطريقة التى انتهجها الموساد مع «العميل المزدوج» وكان الخطاب بخط يده، والاعتذار عن التأخير فى تلبية احتياجاتهم حتى هذا الوقت بسبب بعض المشاكل العائلية والتى كان «الإسكندرانى» قد تحدث عنها أثناء مقابلته للطرف الآخر، بالإضافة إلى مرضه، وتشويق الطرف الآخر وإيهامه بحصول العميل على بعض المعلومات المطلوبة مع إبراز حرص العميل وخوفه على أمنه بإظهار رغبته فى الاطمئنان على سلامة وسيلة الاتصال قبل إرسال أى معلومات.

■ وهل نال «الشاب» ثقة الموساد؟

- نجحت الخطة وبتفوق.. بل إن رجال الموساد فى أوروبا بعثوا عدة خطابات متتالية إليه يحثونه على سرعة إرسال المعلومات إليهم، وأنهم أعطوه مهلة ثلاثة أشهر فقط لترتيب أعماله، وحذروه بأنهم منحوه راتب ثلاثة أشهر دون أن يحصلوا على شىء، لكنهم ركزوا على أنه شاب مخلص وذو عزم قوى، وعرضوا فى هذه الخطابات تقديم خدماتهم للمساعدة فى حل مشاكله.

■ وماذا تم بعد ذلك؟

- بعدها بأسبوع واحد، قمنا بصياغة خطاب بالحبر السرى أيضاً، يحمل معلومات حقيقية عن بعض الرادارات وأشياء عسكرية أخرى، حتى يثق الموساد فى «الإسكندرانى» ولكن فى الوقت نفسه كانت هذه المعلومات لا تضر بالأمن القومى.. وبعد ذلك طلبوا من «الإسكندرانى» تجنيد عدد من معارفه المدنيين والعسكريين، على أن يؤكد لهم أنهم سيعملون لصالح جمعية دولية تسعى لمكافحة انتشار الشيوعية فى مصر، وأنهم سيحصلون على مكافآت مادية قيمة على شكل راتب شهرى بالدولار.

وواصل سمير الإسكندرانى إرسال خطاباته إليهم، بعدما كتبناها له، وكانت تتضمن عرضاً لمشاكله فى قسم الأخبار بالقسم الإيطالى بالإذاعة، وكيف أن الإيطاليين العاملين يضيِّقون عليه لعدم رغبتهم فى أن يعمل معهم واعتباره دخيلاً عليهم، فضلا عن تلميح حول أزمته المادية لإحجام والده عن إعطائه أية نقود، وبالفعل جاء الرد إلى العميل بتأكيدهم الرغبة الصادقة فى العمل معه وأنهم قرروا دفع مستحقاته المالية دفعة واحدة مقدماً حتى نهاية يونيو 1959.. واستقر الاتفاق فيما بعد على عدم إرسال هذه المستحقات عن طريق البنك وإنما عن طريق أحد عملاء إسرائيل داخل مصر.

■ كان هذه نقطة مهمة لكم بالطبع.. وهى الوصول إلى عميل آخر بدون أى جهد؟.. وللأمانة فإنه بالرغم من أن دور سمير الإسكندرانى كان محدوداً ولكن قبوله بالعمل كعميل مزدوج أفادنا كثيراً، واستطعنا كشف أكثر من شبكة جواسيس للموساد فى مصر من ورائه.. كما أننى كنت أعتبر قضيته نموذجاً للاهتمام بالتفاصيل الصغيرة مع الجواسيس.. بل إننى كنت أدرب الضباط فى بداية عملهم على تفاصيل العملية.. وما استفدناه من ورائها.. وهو للعلم لديه مكانة خاصة لدى «الجهاز».. وظل ملتزماً بنصائحنا بعدم السفر للخارج لسنوات طويلة بعد نهاية العملية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية