x

«الدم والموت» في مسلسلات «رمضان 2014» (تحليل نقدي)

الخميس 07-08-2014 19:15 | كتب: رامي عبد الرازق |
مسلسل السبع وصايا مسلسل السبع وصايا تصوير : other

قبل موسمين فقط ذبحت المحامية الشهيرة/غادة عبدالرازق في مسلسل «مع سبق الإصرار» عشيق ابنتها أمام الكاميرا في لقطة قريبة مفزعة أراد منها المخرج محمد سامي أن يصدم الجمهور بما يمكن أن تفعله الشخصية لتحقيق شهوة الانتقام من المجموعة التي تآمرت عليها وعلى أسرتها الصغيرة، وفي نفس الموسم ذبُحت يسرا اللوزي على يد منذر رياحنة أمام زوجها الضابط/أحمد السقا في «خطوط حمراء» بنفس الطريقة حيث انبثق الدم من الرقبة بشكل واقعي جدا بحكم دقة التقنية المستخدمة والإكسسوارت الحديثة وكانت تلك الواقعة سببا في تفرغ الضابط للانتقام من«العصابة».

كانت مواسم ما بعد 2011 من أكثر المواسم الدرامية امتلاءً بالعنف والقتل الدموي والذبح فيما ادعى صناع الدراما أن ما يقدمونه على الشاشة ما هو إلا جزء يسير مما شهده المجتمع من عنف وقتل خلال عام ثورة يناير وما بعده.

ولكن لا يمكن أن نعتبر أن الاعتماد على موتيفات الدم والقتل والموت داخل الدراما بدأ مع موسم 2011 وما بعده ولكن مما لا شك فيه أن ثمة تغيرا واضحا في التعاطي مع تلك الموتيفات بشكل أكثر جرأة وتحررا من سيطرة الأفكار التقليدية عن المشاهد العنيفة والصادمة والدموية خلال سياق المسلسلات.

ان فعل القتل مقترنا بالدماء كان واحدا من المحاذير العديدة التي كان يتم الإشارة إليها على طول تاريخ الدراما، وعبر سنوات كثيرة ظلت الدماء تحديدا من اقل العناصر البصرية ظهورا في الأعمال الدرامية.

وباستثناء المسلسلات القائمة على جرائم القتل الغامضة التي يتم البحث عن مرتكبها طوال الاحداث فإن افعال القتل الدموي بأنواعه والميتات المختلفة لم تكن محاور للاعمال الدرامية صحيح أننا نذكر ان موت شوقي رضوان على يد رجال أخيه حافظ في «الشهد والدموع» كان محركا اساسيا لعملية الانتقام التي قادتها بحقد دفين زينب وأبناؤها في محاكاة للموتيفة التراثية الخاصة بقتل قابيل لهابيل، وأن يوسف الوريث في «المال والبنون» اتهم ظلما بقتل الراقصة التي قتلها القص (رغم ان الجمهور لم يتعاطف مع قتلها لأنها كراقصة تستحق هذا النوع من النهايات الدموية)، وان وحيد حامد واسماعيل عبدالحافظ قاما بتفجير مقهي بالكامل في نهاية مسلسل «العائلة» في محاكاة درامية لواقعة تفجير المقهي الشهيرة في التحرير ابان سنوات الإرهاب في التسعينيات وان المؤلف محمد صفاء عامر كان من هواة قتل الغوازي في نهاية مسلسلاته سواء قدمت شخصية الغازية سلوى خطاب في«الضوء الشارد» أو غادة عبدالرازق في«مسألة مبدأ» أو عبير صبري في «الفرار من الحب»، وأن حربي تم تشويه جسده بالكرباج بالكامل في «خالتي صفية والدير» عندما زرعت صفية الشك في قلب خاله القنصل من ناحيته انتقاما منه لأنه رفض الزواج منها.

اذن لدينا عشرات الأمثلة على حضور موتيفات القتل والدم والموت في الدراما المصرية على طول تاريخها ولكن تظل تلك الأمثلة لا تمثل نسبة تذكر في مقابل كم الدماء وجرائم القتل والاغتيالات المتنوعة والمتتالية والتي يبدو البناء الدرامي والسردي ككل قائما عليها ومعتمدا على وجودها بشكل اساسي خلال الموسم الرمضاني الأخير.

اصبحت الجريمة الدموية شكلا ومضمونا وسردا جينا اساسيا من جينات الدراما التليفزيونية خلال المواسم الأخيرة، انتقلت الدموية من الشوارع إلى السيناريوهات التي كانت تستهلك وقتا طويلا في البحث عن حلول لتخفيف مشهد طعن من الخلف أو خنق أو إطلاق رصاص عن بعد.

وفي واحدة من مستويات الرصد والتحليل يمكن أن نعتبر أن في هذا انعكاسا لما جرى في الشارع المصري من دماء وصورته الكاميرات واحتفظت به الفيديويهات على المواقع ليصبح شاهدا على سنوات حمراء لا تزال حوادث الإرهاب الحالية تجدد دماءها كل حين بجثث طازجة.

ولكن تظل الطفرة التي شهدتها الدراما خلال المواسم الأخيرة وتحديدا موسم 2014 تتجاوز فكرة انعكاس الواقع-المدرسية-إلى حرية الفعل الدرامي لتحقيق الصدمة والاختلاف والواقعية الخشنة بكل تفاصيلها، أو الرمزية الخيالية بكل غموضها.

«دماء على ورق»

تعتبر اوراق الرواية الملطخة بدماء الروائي المقتول حمزة قصير ابرز عناصر الموت البصرية المتكررة خلال سياق مسلسل «كلام على ورق» إنها دماؤه التي نزفها فوق قصته التي تروي جانبا من العالم السفلي الذي أحب احدى ايقوناته الملعونة «حبيبة البيطار»، فإلى جانب موتيفة الجنس التي سبق أن تحدثنا عنها كجزء اساسي من البناء والحبكة فإن عمليات التصفية الجسدية والقتل الدموي هي الضلعان الآخران اللذان يعتمد عليهم العمل في سرده لوقائع وتفاصيل وجنبات هذا العالم الغريب المشوه.

ويرتبط الجنس في العمل بالدم والموت في مثلث واحد دون أن يكون هناك مساحة للتخفيف أو التغاضي أو البحث عن حلول أخرى، هناك عصابة من القوادين يديرون شبكة دعارة متشعبة والعنصر الرئيسي في السيطرة على اطرافها الانثوية هو التهديد بالقتل المباشر مثلما يحدث مع العديد من الفتيات خلال الأحداث.

هنا لا يمكن تصور سياق العمل بدون تكرار عمليات القتل بأشكال مختلفة وتوارد الجثث بشكل متلاحق، وقد اختار صناع العمل شخصية فرج شبل التي اداها باقتدار واتقان احمد زاهر لتكون أداة القتل التي لا ترحم رغم أنه يبدو أقلهم ذكاء بل يميل إلى شيء من ضعف القدرات العقلية والعته -أو ربما بسبب هذا- ليصبح الألق الحقيقي لشخصية فرج قائما على هذا التضاد بين كونه يعاني من شبه تراجع ذهني ومشاكل في الثبات الانفعالي والحركي وبين كونه اداة قتل مصطمة تمارس دورها بكل اقتدار وتلذذ وكأنه ينتقم من كل الفتيات اللائي نظرن إليه يوما باعتباره «اهبل» (مش لو كنتي مؤدبة كان زمانك عايشة).

اضف إلى هذا انه رغم الضعف الشكلي العام في مسألة الكادر المائل التي اختارها المخرج إلا أنه حافظ على حالة الدموية العنيفة التي تسري في اعضاء الدراما في مشاهد ضرب وتعذيب حبيبة في مخفر الشرطة، ضرب معظم العاهرات في العمل من قبل الرجال، الإشارة إلى عمليات الاجهاض بسبب العلاقات المحرمة في ظل الفوضى الجنسية التي تعيشها الشخصيات.

وكما ذكرنا فإن الدم هو عنصر بصري أساسي ليس فقط على ورق الرواية ولكن فوق الجثث التي تتناثر خلال العمل هنا وهناك، ويعتبر كلام على ورق من أكثر الأعمال التي تتمحور حول اضلاع مثلث الجنس والدم والموت بشكل اساسي، فالجنس في العمل يؤدي إلى الدم والموت بشكل مباشر أو غير مباشر وهو نموذج معبر عن مدى تطور الدراما في تناول افكار وعلاقات وتفاصيل وعناصر نفسية وبصرية كان من المستحيل تناولها في ظل السياقات التقليدية للدراما خلال العقود الماضية.

«السبع وصايا».. السيد جثة

يقول الناقد لاجوس اجري ان اي عمل درامي جيد لا يبدأ قبل أن تكون شخصية أو اكثر من شخصياته قد اتخذت قرارا مهما يفجر الأحداث أو يعكس توقعها المبدئي وفي السبع وصايا يفتتح العمل على قرار من الشخصيات بقتل أبيهم سيد نفيسة لتصبح تلك الجريمة هي اللعنة التي تظل تطاردهم طوال الوقت ونقطة الارتكاز الأساسية التي يعتمد عليها المؤلف في خلق حالة الشتات وتقديم رحلات متشعبة لأولاد نفيسة في بلاد الله.

قوة البداية تأتي في اختلافها عن السياق التقليدي لفكرة الجريمة فعادة ما يكون لدينا جثة وتكون الرحلة هي البحث عن القاتل أما هنا فنحن نعلم القاتل جيدا ولكننا لا ندري أي ذهبت الجثة، وهل يوجد تجلي افضل لتوظيف موتيفة القتل والموت من أن يكون محور العمل هو البحث عن جثة أو انتظار رجوعها الغرائبي!!

ربما كان هذا التجلي هو ما دفع المتفرجين لرفض نهاية العمل لانها لم تشبع المنطلقات الذهنية والوجدانية التي فجرها اختفاء الجثة، لم تغن كل الاحداث والتشعبات والشخصيات والرحلة ما بين المدن المختلفة وحتى النيران الصديقة لأوسة عن اجابة سؤال اين الجثة؟

مهما بدت فكرة النهاية المفتوحة أو الفرضيات الفلسفية متألقة وبراقة، فالاعمال الجيدة لا تكتمل بالنهايات المفتوحة طالما لم تتطابق الاجابات المفترضة أو المتعددة للسؤال المطروح مع ما تم غرسه في عقل الجمهور من مقدمات منطقية واساليب اقناع قوية تحقق الإيهام اللازم للحدث وفي نفس الوقت توصل الأفكار.

في اغلب الخطوط الدرامية كان ثمة حضور قوي لعناصر الجنس والدم/القتل والموت، وكل من الجنس/الزنا والقتل من الخطايا السبع المعروفة التي اقترب النص من تخومها بشكل واضح فلا يمكن تصور الخط الخاص بمرمر دون ان ترتكب فعل القتل لام احمد ولزوجها والذي بناء عليه ظهر لها عفريت الزوج الذي نكتشف أنه توأمه الشرير وبالتالي تلجأ إلى نبيل ابن القتيلة لتغريه بالجنس كي يساندها دون أن تدري انه جزء من المؤامرة عليها.

ناهينا عن ان اوسة وبوسي يتلقيان بسبب جرائم قتل في السجن، وأن محمود طمعا في مال وجسد دلال يقتل زوجها العنين العجوز وأن منصف يقتل ماجدة والدكش وحمدتو في النهاية للحصول على سبائك الذهب المخبأة والإبقاء على زوجته وطفله حيا، كما أن الموت بسبب التركيبة الجنسية هو العنصر التحفيزي الاساسي الذي يدفع بالعلاقة ما بين هند ومحسن للتطور نحو نهايتها الدموية التي يقتل فيها محسن انتقاما، وعلى سبيل المثال فإن مشهد نزيف محسن من الانف تتجلي فيه عناصر المثلث بكل قوة فهناك المنشط الجنسي الذي تناوله والدم النازف منه واصوات الصراخ في المدينة حزنا على الموتي بسبب التركيبة الغامضة.

كما أن سيطرة بوسي على اخواتها وارهابهم لهم تأتي كنتيجة لتحريضها على قتل الشاب حسن ظنا منها أنه قام بسرقة الوصايا، لتصبح هذه الجثة/الأخرى المغدورة شارة البطش/الموت الذي يترصد كل من يعارضها، ثم تأتي الخاتمة نفسها التي تقتل فيها بوسي بالسم كل أخواتها في العشاء الأخير وتصاب بعدها بالجنون.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن كل حوادث الموت والماورائيات المفترضة قام المؤلف بمنطقتها بشكل جيد وعقلاني جدا فالعفريت هو تؤأم زوج مرمر المقتول والقرد المسخوط هو حيوان استبدل به عرنوس وهكذا، إلا مسألة اختفاء الجثة تحديدا، فقد تعامل معها المؤلف في سياق نوع درامي آخر فبدلا من ان يجيب على السؤال الغرائبي بإجابة عقلانية كما فعل طوال الحلقات اصر على اجابة ميتافيزيقية مفتوحة ربما متكئا على ظهورات سيد نفيسة الغامضة لمحمود في قنا أو لاوسة في المولد وكأنه يقول لنا انه لم يمت ولكن هرب من ابنائه- رغم أنه كان في غيبوبة لمدة 6 سنوات يستحيل معها أن يقدر على تحريك أي من اطرافه- ثم إن هذه الظهورات بدت اكثر فلسفية في سياق العقل الباطن وتجلي الفكرة المسيطرة على الشخص كأنه يراها رؤى العين.

من المؤكد أن الجمهور كان سيشعر بالكثير من الامتنان الفكري والوجدني للمؤلف في حال ما استطاع تحديد اجابة مقنعة عن اختفاء الجثة بشكل يجعل الجمهور يستوعب كل الأفكار الفلسفية والإنسانية التي تضمنها النص بدلا من ان يستهلك طاقته في محاولة تخمين أو افتراض اجابة لسؤال الجثة دون التركيز على المعطيات والخبرات المستخلصة من الرحلات السبع لاولاد نفيسة.

«سجن النسا».. دم الغزال

في المشاهد الأخيرة من العمل تفتح غالية طاقات الانتقام على اقصاها لتنهي الصراع الذي بدأ بالجنس معها مرورا بدم الحاج راضي المغدور وذلك بموت/قتل الاحتفالي لصابر ونوارة دون ندم أو خوف.

تمثل علاقة غالية بصابر ونوارة نموذج الصراع القائم على عناصر مثلث الجنس والدم والموت، إن كلمة الجنس تحتوي على جناس غير متطابق لغويا مع كلمة السجن لأن الجنس في الدراما يمكن أن يتحول إلى سجن في واحدة من التجليات الانفعالية للشخصيات، كانت غالية مسجونة في علاقتها العاطفية والجنسية بصابر ولم تتخلص من هذا السجن في النهاية إلا بقتله بعد أن مزق روحها عبر سنوات من الغدر والخيانة الدامية.

ان من ابرز تجليات عنصري الدم والموت في سجن النسا هو تلك القدرة على شحن المتفرج بالتفاصيل المتراكمة عبر الإيقاع والصورة والحدث ككل لكي يتقبل مصائر عنيفة لشخصيات سيطر كرهها على وجدانه، الدم هو لون بذلة الإعدام الحمراء التي ترتديها هبة عبدالغني تلك الزوجة التي قتلت زوجها لكي تحول دون اعتدائه الجنسي على ابنتها (جنس-دم-موت) وهو لون البذلة التي سوف ترتديها غالية في خيال المتفرج بعد أن قطعت المسافة ما بين جثة صابر ونوارة وبين قسم الشرطة حاملة دمهم على يدها بعد أن هدأت روحها إلى الأبد.

تموت زينات اللي بتذوق البنات بعد أن فشل بيعها للجنس في انقاذ حياتها المريضة بعد ان فقدت كليتها السليمة، تموت في صمت وهدوء كأنها لم تكن ولكنها تموت في السجن الذي عادت إليه بإرادتها ربما لكي تضمن مثوى يليق بجسدها وصلاة طيبة على روحها المعذبة هنا ايضا تجلى غير مباشر لمثلثنا الأثير (بيع الجنس- دم الكلى الفاسدة- موت هادئ في فراش السجن).

أما رضا فإنها استحوذت بمفردها على أطول مشهد إعدام في تاريخ الدراما التليفزيونية حتى الآن ليس فقط على مستوى التفاصيل الخارجية ولكن على مستوى محاولة رصد الهلاوس الأخيرة ما قبل الصعود إلى طبلية عشماوي، الموت في حياة رضا قوسين من شوك هي محصورة بينهم، قتلها لدليلة حرقا وموتها اعداما، رضا هي تجلي لنموذج سيزيفي في الدراما (المحكوم عليه بعذاب دحرجة الحجر الأبدية) هي شخصية ولدت في مجتمع مشوه لا يمكنها مع كل فساده النفسي والوجداني والمادي إلا ان تصبح مسخا حارقا وتلقي في النهاية مصيرا بشعا، انها محكومة بذلك فقد هربت من اتهامها بالسرقة في منزل مخدومتها الأولى لكي تتعرض لأذى دليلة النفسي والوجداني وجحود ابيها المادي فتنتقل النار من داخلها إلى فراش دليلة ثم يكسوها لون الدم الأحمر في بذلة الإعدام لتصعد بين يدي عشماوي في النهاية دون أن تدري هل سيكون مصيرها في السماء كما كان في الأرض!

«ابن حلال».. الدم السهل

تدريجيا سوف نخلص إلى نتيجة هي أن الدم اصبح سهلا في الدراما المصرية، واصبحت مشاهد القتل والموت عنصرا لا غنى عنه سواء على مستوى الحدث أو الشكل وهو ما يمكن رصده بسهولة في دراما «ابن حلال» فمنذ الحلقات الأولى يستخدم الكاتب حادثتي طعن واطلاق رصاص للتعريف بالشخصيتين الأساسيتين اللتين سوف يدور بينهما الصراع غير المباشر، حبيشة ابن الحلال ونائل ابن الحرام فبينما ينقذ حبيشة الصحفية الجريئة من خطف ابنها وطعنة من بلطجية تلطخ ملابس الفعالة التي يرتديها بالدماء يطلق نائل الرصاص على صديقه لأنه وجده يغازل يسر حبيبته المهووس بها، يبدو هنا التوازي مدرسيا نسبيا إلا أن الزاوية واحدة وهي تقديم كلتا الشخصيتين عبر حادثة دموية ما تمهيدا لحادثة اكبر سوف يروح كلاهما ضحيتها في النهاية وهي حادثة قتل نائل ليسر طعنا أربعا وعشرين مرة، وطعنة لصديقتها عزيزة من الخلف وهي الحادثة التي سوف يروح حبيشة ظلما ضحيتها ثم يتحول إلى«خط صعيد» مدني أو حداثي لينتهي به الحال إلى قتل نائل وابيه انتقاما ثم مقتله بشكل ساذج في النهاية في محاولة لخلق أكبر قدر من التعاطف مع الشخصية والممثل على حد سواء في مشهد ذكرنا بمشهد قتل مصطفى الإرهابي في فيلم عادل امام الشهير وهو يصرخ بأسماء من أحبهم سائرا نحو مصيره المحتوم.

في الخط الخاص بحبيشة يصبح الدم والموت زاوية تعريف الشخصية التي كانت تكره الدم جدا واصبحت تعيش فيه ليصل به الأمر إلى قتل اخته المنحرفة انتقاما لشرف عائلته وتطهيرا لها من النجاسة التي اصابتها بعد أن علمت بموته فهربت وعملت بالكباريهات، ويصبح الدم والموت ايضا هو مصيره الأخير خلال رحلة تحوله من فتى ساذج ومواطن صالح إلى أمير الانتقام.

وفي الخط الخاص بنائل تتجلي اضلاع الجنس والدم والموت بحذافيرها بداية من علاقته بيسر سواء بالجنس الحر أو الزواج العرفي مرورا بطعنها هوسا وجنونا بها ثم موتا في النهاية على يد حبيشة، اضف إلى ذلك أنه حتى الخطوط الفرعية للشخصيات الثانوية لم تخل من الجنس والدماء والموت فميمي ابنة جار حبيشة العجوز وحبيبة شبابه تتزوج من خليجي عجوز ثم تمارس الجنس مع جارها الشاب ثم تنتحر كامها في النهاية أما الجار العجوز البخيل فإنه يلقى مصيره حرقا- مثل مصير دليلة في سجن النسا- على يد ابنه انتقاما منه على ما فعله بتلك الأسرة الصغيرة- الزوجة ماتت منتحرة حرقا والابنة منتحرا شنقا والابن مصاب بحالة عقلية- كل هذا لأنه فشل في مسؤولية رعيته.

أما مساعد الوزير الذي كان يقوم بتصوير رجال الاعمال والمنافسين في أوضاع جنسية مخلة لتهديدهم انتهى به الحال إلى قتل ابنته ضربا لأنها هربت من المنزل خوفا من بطشه النابع من شعوره بالذنب غير المباشر فكما يستغل اجساد النساء سوف يأتي يوما من يستغل جسد ابنته وهي حالة نفسية معروفة وجيدة التنسيق ولكنها تضاف في العمل إلى مثلثنا التحليلي فالجنس الذي كان يصوره تهديدا انتهي به إلى دم ابنته الميتة على يديه.

«السيدة الأولى».. توريد جثث

يعتبر السيدة الاولى واحدا من المسلسلات التي يمكن أن نقول إنها تعكس بشكل غير مباشر حالة الدموية التي يعيشها المجتمع المصري منذ ثورة يناير وحتى الآن صحيح أن ثمة إفراطا في الجنس والدم والموت خلال الاحداث خاصة في العشرية الأخيرة من العمل إلا أن توالت عمليات الاغتيال والقتل بأساليب وأشكال مختلفة استطاع أن يؤصل لحالة الدموية العامة والصراع على الحكم التي عانينا منها طوال السنوات الثلاث الماضية.

لا يتعاطى المسلسل كثيرا مع الشارع نظرا لكون أحداثه تعتمد على قدر من التجريد والفانتازيا السياسية القائمة على افتراض وصول رئيس معين للحكم اثناء العملية الانتخابية التي جرت بعد الثورة، إنه مسلسل يتحدث بالاساس عن تيمة الطموح القاتل وكيف يمكن أن يؤدي في النهاية إلى فناء كل من لا يملكون القدرة على ترويض نفوسهم.

وليس هناك بريق جاذب للطموح أكثر من كرسي السلطة في دولة كبيرة تتصارع اطراف كثيرة على الجلوس فوق عرشها سواء على الملأ (جناحي التيار السياسي) أو من خلف الستار (المخابرات).

يبدأ المسلسل بحادث اغتيال الرئيس وهي الأولى من نوعها على شاشة الدراما التليفزيونية أو السينمائية وينتهي بحادث اغتيال السيدة الأولى وما بين حادثتي الاغتيال يسقط العديد من القتلى والمغدورين على سلم الطموح الدموي الذي لا يعرف الرحمة.

الصراع السياسي في العمل ينتهي دوما عند قاعدة المثلث (الدم والموت) وكما سبق أن ذكرنا في الحلقة الماضية فيما يخص الاستسهال في التعاطي مع موتيفة الجنس فإن ذات الاستسهال يبدو واضحا في التعامل مع حوادث الاغتيالات والقتل، ويمكن أن نقول انه تحقق هذا في المستوى الرمزي السياسي فيما يخص الإسقاط على الشارع المصري وقد بدا مقبولا نسبيا حيث شهدت الساحة السياسية المصرية العديد من معارك التطاحن على السلطة خلال سنوات ما بعد يناير صحيح أنها لم تصل إلى هذا الحد من الاغتيالات المادية إلا أن الاغتيالات المعنوية كانت كثيرة بالفعل ولكن على مستوى البناء الدرامي يبدو هنا الاعتماد على فكرة التخلص من الخط الخاص بالشخصية عن طريق الموت سواء بالسم مثل رئيس التيار الإسلامي الذي يتم سمه في السجن بنفس الطريقة يتم سم ابن عم مريم الذي تولى من بعده رئاسة التيار ومن قبله تفجير أحمد سلامة رئيس الوزراء والذي تبين تورطه في مؤامرة ضد الرئيس أو محاولة اغتيال باسل الخياط لإحراج الرئيس وهز شعبيته، وقتل ابن الرئيس نفسه في احدى المظاهرات بالرصاص، واجهاض اخت السيدة الاولى لكي يتم التخلص من جنينها كي لا يربطها بزوجها المعتقل أي صلة، لنكتشف اننا في اقل من ثلاث حلقات فقدنا نصف شخصيات المسلسل بأكثر من وسيلة تنتمي لعنصري الدم والموت من زاوية المثلث التحليلي.

ان الوصول بالذروة الدرامية لاي شخصية عن طريق الموت هو أسلوب سهل في انهاء خط الشخصية واخراجها من دائرة الصراع وهو ما تجلى بوضوح في نهاية هذا العمل حيث حقق الدم والموت إغلاقا للكثير من خطوط الشخصيات دون أن يتكلف صناع العمل عناء البحث عن نهايات مختلفة لكل منهم ترتبط بشكل اساسي بتيمة الطموح التي سيطرت على الاحداث. صحيح أن نهاية كل طموح هستيري هي الدمار ولكن ليس الدم والموت هما وسيلة الدمار الوحيدة في الدراما خاصة مع كونها دراما سياسية كان يمكن لها أن تتشعب في اتجاهات عدة لإنهاء خطوط الشخصيات بجانب الاغتيال والقتل ولكن النص في النهاية تحول لعملية توريد جثث متوالية إلى مشرحة الشاشة حتى ينتهي العمل نفسه على جثة السيدة الاولى وهي مسجاة في ثوبها الأبيض وبقع الدم تنزف من جسدها وعينيها لا تكاد تصدق أن هذه هي نهاية مشوارها الطموح رغم أنها نهاية متوقعة وميلودرامية جدا بعد كم الدم والموت الذي تتسبت فيه طوال الحلقات.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية