محمد البرادعي.. علامات الاستفهام الكبرى

الأربعاء 21-08-2013 10:25 | كتب: هبة الحنفي |

 

يختلف كثيرون عند الحديث عن الدكتور محمد البرادعي، فمنهم من يراه الرجل الذي ألقى حجرا في المياه الراكدة في مصر عندما تحدث عن الديمقراطية وفساد النظام ودعا بوضوح إلى تعديل الدستور وعدم تزوير الانتخابات ومنهم من يرى أنه الهارب دائما من حراك السياسة المصرية عندما يصل الأمر إلى محمل جدي ومنهم من يراه أنه الناصح الأول لكل العصور أو الخائن الأول في كل العصور.

ولد محمد مصطفى البرادعي في 17 يونيو 1942 بمدينة الزيات في محافظة الغربية وتخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1962 وعمل البرادعي بعد تخرجه في وزارة الخارجية المصرية وكان موظفا دبلوماسيا في قسم إدارة الهيئات بالوزارة ولكنه استقال اعتراضا على بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد وعمل مساعدا لوزير الخارجية إسماعيل فهمي ثم مسئولا عن برنامج القانون الدولي في معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث سنة 1980. والتحق البرادعي بالوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1984 وتم انتخابه رئيسا لها في الأول من ديسمبر عام 1997 وأعيد اختياره رئيسا لفترة ثانية في سبتمبر عام 2001 ولمرة ثالثة في سبتمبر 2005، وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 2005 مناصفة مع الوكالة.

وفي 2009 أعلن البرادعي أنه ليس لديه مانع من الترشح لرئاسة الجمهورية في حال إجراء عدة إصلاحات دستورية تضمن نزاهة الانتخابات مما أدى إلى وضع اسمه على خريطة السياسة الراكدة في مصر وساهم في جود حالة من الحراك السياسي بعد أعوام من المعارضة التقليدية التي كان جزءا كبيرا منها جماعة الإخوان المسلمين بالإضافة إلى عدد من الأحزاب التي كانت معظمها تخرج من رحم السلطة والنظام.

وللبرادعي مواقف كثيرة كانت محلا للجدل منذ ظهوره في الحياة السياسية المصرية حيث رفض منذ اللحظة الأولى مهادنة نظام مبارك وأعلن في مناظرة أجرتها قناة سي ان ان بينه وبين أحمد عز أمين التنظيم السابق بالحزب الوطني المنحل أن الترشح للرئاسة مصر ليس هدفه الرئيسي لكنه وفي المقام الأول يريد الضمانات الموجودة في كل ديمقراطيات العالم والتي تشمل إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وإشراف قضائي ورقابة دولية ولجنة مستقلة للانتخابات للتأكد من أن الانتخابات لا يتم تزويرها كما يحدث في مصر. كما رفض البرادعي في نفس المناظرة عرض عز بالانضمام إلى الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في ذلك الوقت، واتهم عز البرادعي بأنه يعيش في عالم افتراضي في إشارة إلى توقيعات بيان التغيير الذي تبناه البرادعي وأنشأ على إثره الجمعية الوطنية للتغيير، ولم يحظى البرادعي يوما بتأييد أو رضا نظام مبارك في مصر حيث شنت الصحف القومية حربا شرسة عليه.

وتعرض البرادعي لحملة شرسة من التشويه بعد التضامن مع خالد سعيد الذي تم تعذيبه ومات على يد الشرطة فيما عرف في مصر ب"شهيد الطوارئ" واتهمته الصحف القومية بإزدواج الجنسية وحملته مسئولية حرب العراق رغم إعلانه في جلسة مجلس الأمن في 7 مارس 2003 قبل الحرب بأسبوعين أنه بعد 3 شهور من العمل والتفتيش بالعراق لا يوجد دليل أو حتى إشارة مقبولة على قيام العراق بإعادة إحياء برنامجها النووي.

وقام أحد أعضاء الحزب الوطني المنحل بفبركة صور لعائلة البرادعي وتم القبض عليه وذكر في التحقيقات أنه قام بتزييف صوراً لإبنة البرادعي حيث قام بتجميع صوراً لعائلة البرادعي وقص وجه ابنته ووجه زوجها ووضعهما على أجساد عارية، كما وضع وجوه العائلة كلها على أجساد أشخاص التفوا حول مائدة احتوت على كؤوس نبيذ وخمور فاخرة.

وفي عهد المجلس العسكري تعرض البرادعي لحرب مستمرة اختلف مشعلوها هذه المرة بدأت بوادرها عندما هاجمه بعض الأفراد أمام لجنته الانتخابية أثناء تصويته بلا للتعديلات الدستورية في 19 مارس 2011 حيث هتف بعض المواطنين ضده بهتافات تتهمه بالعمالة. ومع تصاعد وتيرة الأحداث في المرحلة الانتقالية زاد الحديث عن الدكتور البرادعي خاصة بعدما أظهر اختلافه مع إدارة المجلس العسكري السياسية للبلاد وصرح بوضوح عقب أحداث مجلس الوزراء 2011 أنه  "ليس هكذا تدار الأوطان"  في إشارة إلى مقتل ما يقرب من 15 شهيدا وحوالي 900 مصابا وقيام الجيش بسحل فتاة وتعريتها في شارع القصر العيني الأمر الذي جعل مساعد وزير الدفاع اللواء عادل عمارة يهاجمه في مؤتمر صحفي عقده الجيش لتوضيح الأحداث ورد عليه قائلا "وكيف تدار الأوطان يا دكتور؟ وهل تدار الأوطان بحرق المؤسسات ومنع رئيس الوزارء من ممارسة عمله؟".

وجراء المواقف العديدة للبرادعي المناهضة للمجلس العسكري هاجمته العديد من القنوات والصحف الدينية حيث اتهمته بالعمالة والكفر والعلمانية وشنت عليه بعض القوى السياسية حربا شرسة أثناء أحداث محمد محمود الثانية فبراير 2012 حيث هاجمه مصطفى بكري عضو مجلس الشعب المنحل 2012 واتهمه بالعمالة لأمريكا والقوى الأجنبية الأمر الذي لاقى تصفيقا حادا من بعض أعضاء المجلس الذي كان يغلب عليه تيار الإسلام السياسي. وفي أحداث محمد محمود الأولى نوفمبر 2011 والتي اعتبرها البعض الموجة الثانية من الثورة قام المتظاهرون والذي وصل أعدادهم إلى مئات الآلاف في ميدان التحرير مع حدة الاشتباكات بمحاولة تنصيب البرادعي رئيسا للوزراء لإدارة شئون البلاد لكنه اجتمع مع طنطاوي في اليوم التالي وصرح فيما بعد أن المشير طنطاوي أبلغه أن حزب الحرية والعدالة لديه اعتراض على وجوده رئيسا للوزاراء وأن الدكتور محمد مرسي هدد العسكريين بإحراق البلد اذا فعلوا ذلك.

وفي عهد محمد مرسي زادت وتيرة الحرب ضده حيث اعتبره أنصار مرسي وجماعة الإخوان بوجه عام العدو الأول والأكثر شراسة و خطرا على نفوذ الجماعة في مصر وبدأت الحرب تضع أوزارها بعدما أصدر الرئيس السابق محمد مرسي الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012 والذي بموجبه أعطى لنفسه صلاحيات موسعة حيث علق البرادعي قائلا "إن الدكتور مرسي نسف اليوم مفهوم الدولة والشرعية، ونصب نفسه حاكماً بأمر الله. الثورة أُجهضت لحين إشعار آخر". وقدى أدى هذا إلى مهاجمته بشدة وعنف حيث تم تحريك بعض الدعاوى القضائية ضده بتهمة الخيانة العظمى وتقدمت عدة جهات ببلاغات للنائب العام ضده بتهمة الانقلاب على الشرعية والخيانة.

وعندما أسس جبهة الإنقاذ مع عدد آخر من الشخصيات والقوى السياسية هاجمته القوى الإسلامية بعنف واتهمته بالتحالف مع الفلول من أجل اسقاط شرعية الرئيس السابق . وللبرادعي صولات وجولات مع القوى الإسلامية وخاصة حزب الحرية والعدالة حيث بدأها بالدفاع عن الجماعة في عهد مبارك ودافع عن رغبتها في ممارسة العمل السياسي بحرية دون حظر وتحالف مع الجماعة في الجمعية الوطنية للتغيير وزار مكتب الإرشاد في خطوة جريئة ومهمة توضح مدى تحديه لإدارة مبارك السياسية حتى أن محمد سعد الكتاتني تم القبض عليه في 28 يناير الذي عرف بجمعة الغضب أثناء خروجه من منزل الدكتور البرادعي للتنسيق على خطواث الثورة المصرية، لكن هذه العلاقة لم تكتمل كما بدأت حيث بدأ الخلاف عقب الثورة مباشرة عندما قرر البرادعي التصويت بلا على التعديلات الدستورية بخلاف رأي الإخوان الذين حشدوا للتصويت بنعم وزاد من اتساع الهوة بينهما ما حدث أثناء فترة المجلس العسكري من اختلاف الرؤى بينهما حول إدارته للبلاد.

وجيشت الجماعة أعضائها على كافة المستويات لمهاجمة البرادعي مع كل فعل أو رأي يصرح به حيث هاجم أعضاء الجماعة حزب الدستور الذي أسسه البرادعي حينما كان تحت التأسيس وجاء على لسان أحد أعضائه أنه يتوقع ألا يحصل حزب الدستور على أكثر من 3% من مقاعد البرلمان فى الانتخابات التشريعية المقبلة بل وقال عصام العريان القيادي البارز بالجماعة والحزب تعقيبا على تقديم حزب الدستور أوراقه للجنة الأحزاب أنه "ستظهر أحزاب وتختفى أخرى ويبقى حزب الحرية والعدالة، من أجل حياة ديمقراطية حقيقية".

وعلى الرغم من أن الجماعة أثناء وجودها بالجمعية الوطنية للتغيير شاركت الشباب المؤيدين للبرادعي في محاولة الرد على الإشاعات التي روجها نظام مبارك عنه خاصة فيما يخص حرب العراق لكن عصام العريان الذي شارك في ذلك وقال في 2011 أن البرادعي أوقف قطار التوريث بدا بوجه آخر بعد انتهاء الوفاق بين الجماعة والبرادعي حيث اتهمه في الذكرى الأخيرة لحرب العراق مارس 2013 بأنه المتسبب الأول في هذه الحرب وأنه يجب محاكمته يوما ما وطنيا ودوليا.

ومع 30 يونيو ظهر البرادعي بقوة في خريطة المشهد المصري حيث رشحه شباب تمرد لتولي رئاسة الوزراء الأمر الذي اعتبره البعض محاولة لرد الجميل لهذا الرجل لكن حزب النور رفض تماما هذا الاقتراح مهددا بالانسحاب من المشهد السياسي مما أدى لإلى اختيار البرادعي لمنصب نائب الرئيس للعلاقات الخارجية، ومنذ تلك اللحظة كان الرجل محلا للتساؤل والضغط من كافة الاتجاهات حيث هاجمه البعض بعد أحداث الحرس الجمهوري والذي قام بها الجيش بقتل أكثر من 50 من معتصمي الإخوان المسلمين حيث اتهمه البعض وحملوه مسئولية العنف لكنه صرح أن "العنف ليس السبيل أيا كان مصدره" وجاء موقف البرادعي الأخير باستقالته من منصبه اعتراضا على فض اعتصامي النهضة ورابعة بالقوة المفرطة مما أدى إلى هجوم شرس من القنوات والصحف والقوى السياسية حتى بعض أنصاره حيث صرح علاء الأسواني المعروف بتأييده للبرادعي أنه "فى وقت الحرب لا مكان لمن يتفرج أو يتردد أو يمسك بمنتصف العصا أو يتقاعس أو يتخلى عن المصريين فى وقت الشدة كما فعل الدكتور البرادعي".

وقد تكون الانتقادات التي يتعرض لها البرادعي الآن هي الحرب الأكثر شراسة منذ مجيئه إلى مصر حيث يهاجمه أنصار مرسي لظهوره في مشهد 30 يونيو بقوة وقيامه بلعب محوري بها وموافقته على تقلد منصب نائب رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية، ويهاجمه عدد من أنصاره لاستقالته بعد فض الاعتصام بينما يوجد هؤلاء الذين دائما ما يهاجمونه في كل العصور حتى أن جلال عامر الكاتب الساخر الراحل قال عنه يوما "البرادعى لو راح تل العقارب يبقى بيتاجر بالفقرا وبيعمل دعاية ..لو سافر أوربا وأمريكا يبقى غربى وعميل...لو انسحب يبقى جبان .. لو كمل يبقى طمعان فى السلطة ولو راح زار خالته .. هيبقى بردو متأمر ".

وعقب استقالة البرادعي المسببة من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، سافر إلى فيينا ، لتظل مواقفه مثارًا لعلامات الاستفهام الكبرى التي يطرحها كل فريق، تاركًا مصر ليراه فيها كل حسب هواه فهو "البوب" كما يراه الشباب و"العلماني" كما يراه السلفيون و"الخائن" كما يراه الإخوان و"الخواجة" كما يراه المهمشون.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية

To Top