أتلقى رسائل رائعة من السادة القراء. أبدؤها بقصة الدكتور مدحت عبدالسميع:
«جعلتنى الأقدار أتواجد بالقرب من مدخل أحد فنادق النجوم السبع، وفى أثناء تواجدى تلقيت اتصالاً من زوجتى تخبرنى بنتائج امتحانات الشهر، التى لم يحقق فيها ابنى ما أرجوه من تفوق. فتجمع تبرمى بعملى مع ضيقى بنتيجة ابنى ليبدأ تداعى الأفكار السلبية: إلى متى سأظل مظلوما فى عملى؟ وهذا الولد لماذا يفتقد التركيز لهذه الدرجة؟ وهل يجب أن أردد النصائح نفسها ليكرروا هم الأخطاء نفسها؟!
وفى وسط هذه الأفكار الكئيبة توقفت على مقربة منى سيارة شديدة الفخامة، ونزل سائقها كما لو كان يستعد لاستقبال النزلاء، فبدأت سلسلة أخرى من الأسئلة من نوعية: ما عساها أن تكون نوعية المشاكل التى قد يمر بها أصحاب هذه السيارة، والذين ينزلون بمثل هذا الفندق؟ لا شك أن مشاكلهم تتراوح بين التصييف فى إسبانيا أفضل أم إيطاليا؟ التسوق من أكسفورد أم الشانزيليزيه؟
والتقت عيناى بصاحب السيارة فشعرت بالخجل، كأنه يعرف ما يدور بذهنى! وما هى إلا لحظات حتى نزلت علىَّ الصاعقة!: نزلت العائلة، ثم بدأ السائق وصاحب السيارة يتعاونان على حمل طفل فى مثل عمر ابنى، تبدو عليه ملامح الإعاقة الذهنية من فوق كرسيه المتحرك، ليضعاه داخل السيارة!
يا الله! كم شلتنى المفاجأة. والتقت عيناى بعينى الأب الذى خلت أنه يبتسم قائلا بلا كلمات: (مشاكلى أعمق بكثير من أماكن التسوق والترفيه). أو كأنه يسألنى إن كنت أوافق أن نتبادل المواقع، فأحصل على سيارته وولده مقابل سيارتى وولدى؟
كان الدرس مباشراً، والرسالة أكثر صراحة من أن تحتاج لأى شرح. انصرفت فى هدوء، وأنا خجل من نفسى».
القصة الواقعية الثانية من القارئ محمد حسين:
«هو رجل جاوز الأربعين ببضع سنوات، ملامح وجهه توحى بالوقار، وملابسه غير المهندمة توحى بعدم اهتمامه بالمظهر، لكن أفعاله الغريبة تجعلك تصفه بالجنون!
رأيته داخل عربة المترو يغنى بصوت مرتفع لعبد الحليم! يتمايل وكأنه يرقص، يتحدث مع الجميع فى ألفة، وكأنهم أصدقاء الطفولة!
يرفع صوته مغنياً: (جبااااااااار ..... جبااااار)، مشيراً للركّاب بأن يغنوا معه فيرمقونه فى دهشة واستنكار! إلا أنه يبادلهم النظرات فى ثبات قائلاً: (خليكو فاكرين لما اشتهر إنى كنت راكب معاكم المترو).
ويدندن من جديد: (على أد الشوق اللى فى عيونى يا جميل سلم)، فيقاطعه أحدهم: (لو سمعك العندليب كان انتحر).
فيجيبه مبتسماً: (لو سمعنى العندليب كان هيفرح).
وتمر محطة نزوله لكنه يتركها إراديا، وفجأة: (قالت يا ولدى لا تحزن)، ثم يلكز الشخص الجالس بجواره: (يلا غنى معايا). ثم يقوم من مكانه ويتحرك ذهابا وإيابا، مستحثا الناس على الغناء!
وأخيرا نزل فتوالت التعليقات: (منك لله يا مبارك جننت الشعب)، (ده مش طبيعى)، (زيارة واحدة لأمن الدولة تعمل أكتر من كده).
أما أنا فقد ابتسمت ورحت أفكر: (هذا الرجل ملىء بالهموم، لكنه لا يستسلم لها. ورغم أن الجميع يبدون الاستياء، إلا أنه استطاع أن يرسم البسمة على وجوه الجميع)».