x

أيمن الجندي رحلة ساندويتش (1) أيمن الجندي الجمعة 04-05-2012 21:00


كان الرجل يمسك «الساندويتش» وهو يشاهد التليفزيون غافلاً عن ذلك الحوار الصاخب الذى يدور بين مكونات «الساندويتش».


مرحباً! أنا «ساندويتش» الدجاج! سأحكى لكم قصتى العجيبة، حينما راح البائع يُعدّنى، راحت المكونات تُحيّى بعضها البعض فى مودة وتواضع. شطيرة الخبز! شريحة الدجاج! قطع الطماطم والخيار والخس! ذرات الملح والفلفل! قطرات الزيت الذهبية! كلنا احتشدنا معا لنكوّن هذا «الساندويتش»، وفى اللفافة الورقية التى تحجبنا عن العالم الخارجى راح كل واحد منا يحكى قصته:


أنشودة الخبز: «أنا أهم شىء فى العالم! بدونى يموت البشر جوعاً! أنا بهجة الأطفال وطعام الكبار، أنا الخبز والبسكويت والكعك والمعكرونة، أنا حبة القمح.


ومن أين لى أن أعرف، أنا الحبة البسيطة الساذجة، الرحلة الطويلة التى قطعتها لكى أصل ها هنا. جدتى نشأت فى بلاد ما بين النهرينِ قبل عشرة آلاف سنة انتقلت بعدها إلى سوريا، ومنها إلى مصر، ثم إلى الإغريق فأوروبا، فالعالم كله.


دفنونى فى باطن الأرض، فى البدء شعرت بالخوف من طبقات التراب المتراكبة. هتفتُ عفو الخاطر: «إننى خائفة! أدركنى يا إلهى».


بمجرد أن انتهيت من صلاتى خامرتنى سكينة، وبدأت أرى ذرات التراب حولى وهى ترفع رأسها وتصلى، وبلغنى فى مكانى البعيد تسبيحة هائلة ترفعها فى جوف الأرض الحمم المنصهرة، وشاهدت يد العناية الإلهية وهى ترزق الدود الأعمى. سمعت تسبيح العصارة الخضراء وهى تصعد عكس قانون الجاذبية، وأمواج المياه الجوفية ترتطم فى باطن الأرض، تشكر ربها على نعمه الظاهرة والخفية.


على الفور شعرت بالطمأنينة، وعرفت أننى فى يد الرحمة الإلهية مُرشّحةٌ لحياة سعيدة. بدأت فى امتصاص الرطوبة، لأنتفخ مثل أى امرأة حامل. بدأت معجزة الخلق، ونمت الجذور الأوّلية! والساق ارتفع صوب سطح التربة. بعد أسبوع ظهر النبات الصغير الضعيف فوق الأرض. خلال شهر ظهرت أوراقى. كنتُ لا أكف عن الصلاة والتسبيح وأنا أشهد تحولاتى. امتدت السيقان. بزغت السنابل الشقراء بلون الذهب، تتمايل مع نسيم العصارى، فى دلال أنثوى آسر.


أشرقت الأزهار. أصبحت كل زهرة حبة قمح، فعرفت أن أصل كل شريحة خبز بستان زهور!


نضجتْ الحبوب، ازدادتْ فى الحجم، تصلبتْ تدريجياً، تحول لونها إلى بنى أو أبيض أو أحمر أو أصفر أو أزرق أو بنفسجى، حسب نوع القمح. لم أكن أعرف وقتها أن أصلى جواهر!


وذات ليلة مقمرة، وعلى مرأى من النجوم الساهرة تم حصادى. طحننى الحب، فتحولت إلى دقيق ناعم. كريمة أنا! غنية بالنشا والبروتين والفيتامين والمعادن.


أخذتنى يد حانية، فعرفت أننى سأتحول إلى خبز وأتم دورة حياتى. الماء والخميرة والعجين يتكون ببطء، أتشكل فى صورة رغيف، على هيئة قمر أسمر. ثم وضعونى فى أتون الفرن لأنضج وأخرج طازجا.


ظننت وقتها أن جوف الفرن هو أشد الأماكن حرارة. ولم أكن أعرف وقتها أننى على وشك دخول جوف إنسان، أشاهد فيه معجزة الخالق، وأنصهر فى شمس العشق الإلهى.


(نكمل غداً إن شاء الله).


[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية