x

أيمن الجندي رحلة ساندويتش (4) أيمن الجندي الإثنين 07-05-2012 21:00


كنتُ الآن أدلف إلى المعدة الممتلئة بالحامض. الحامض يقتل الجراثيم ويُنشّط الإنزيم المختص بهضم البروتين! سجدت لله سجدة طويلة وأنا أفكر. يتأوه الإنسان لو لمست بشرته قطرة واحدة من الحامض، فهل يتصور أن لديه مصنعاً للحامض، يسير به فى جوفه!.


المدهش أن المعدة ذاتها مكونة من بروتين، وبرغم ذلك لا تهضم نفسها. قالت لى المعدة همساً إن الخالق العظيم أنشأ لها خلايا تفرز المخاط، لتكون بمثابة حائل.


راحت الدنيا تدور حولى. أدركت أن عضلات المعدة تنقبض من أجل تقطيع الطعام إلى جزيئات صغيرة. بعد ساعة من الهز المستمر، تحول الطعام إلى سائل كثيف القوام. ظللتُ فى هذه (المرجيحة) حتى وصلتُ إلى بوابة المعدة، بمجرد أن دلفت إلى الإثنى عشر، انهمرت السوائل على رأسى. العصارة الصفراء التى يفرزها الكبد، لتساعد على امتصاص الدهون. العصارة القلوية التى يفرزها البنكرياس لمعادلة حامض المعدة، وهضم النشويات والدهون والبروتين.


وحتى الأمعاء الدقيقة أفرزت الإنزيمات الهاضمة. الوضع أصبح كالتالى: شريحة الدجاج تحولت إلى أحماض أمينية، الخبز تحول إلى جلوكوز، والزيت تحول إلى أحماض دهنية وجليسرول.


توغلت فى الأمعاء الدقيقة! الأمعاء الدقيقة عالم فريد متنوع لا نظير له، خملات، نتوءات، أوعية دموية كثيرة، كلها أشياء تزيد من مساحته وتُسهّل عملية الامتصاص. هل يصدق الإنسان أن مساحة الجهاز الهضمى، تعادل مساحة ملعب كرة قدم! كل هذا فى بطنه!!.


أنشودة الجلوكوز: من حبة قمح، إلى رغيف خبز، إلى جزىء جلوكوز. واقفة أنا على جدار الخلية أنتظر من يحملنى. جاءتنى مركبة فاخرة فجلست على مقعد وثير، وعلى المقعد المجاور جلس جزىء الصوديوم.


تحركت المركبة، اخترقت بنا جدار الخلية، توغلت فى أعماق السيتوبلازم. ثم نزلنا، عاد جزىء الصوديوم ليساعد جزىء جلوكوز آخر، وذهبت أنا إلى الكبد. بعضى سيُخزّن فيه، وبعضى سيُحرق من أجل الطاقة، وبعضى سيتحول إلى أجزاء من الخلية.


وشرعت أتذكر حقول القمح، والسنابل المتمايلة، ورائحة الفجر، وطعم الندى ولون السماء الأزرق.


أنشودة الأحماض الدهنية: من «دوّار الشمس»، لقطرات الزيت، للأحماض الدهنية. بعضنا يُخزّن فى صورة دهون، وبعضنا يستخدم فى إنتاج الطاقة، وبعضنا يشارك فى صناعة المواد الحيوية. تذكرت معشوقتى الشمس وأنا أتبعها من الصباح إلى المساء، فأرسلت لها ألف قبلة تحية.


أنشودة الأحماض الأمينية: بالضبط كما حدث مع الجلوكوز، امتطيت المركبة الفاخرة مع جزىء الصوديوم، حتى نخترق جدار الخلية.


بعدها ذهبت إلى الكبد، الذى احتفظ بما يشاء منى، ثم أطلق سراحى إلى مجرى الدم، لأطوف على أعضاء الجسم، يأخذ المخ ما يشاء، والعضلات ما تشاء، والكُلَى ما تشاء، ساهمت فى صناعة الهرمونات ومكونات الخلية. بصعوبة ذكرّت نفسى أن أصلى دجاجة، تنقر الحب، وتمرح فى فناء البيت الخلفى، وتتطلع إلى السماء الزرقاء وتحنو على بيضة. وبعدٍ، فهذه كانت قصة ساندويتش دجاج، أكله إنسان غافل عن عظمة خالقه، محجوب عن المعجزات العجيبة التى تحدث داخله! يمارس حياة تافهة! وينشغل باهتمامات صغيرة! ولا يعرف المسكين أنه كون بأكمله.


[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية