الجمعة: شعر بى قبل أن أراه! بمجرد أن أضأت الغرفة حتى شاهدت هذا الصرصار المذعور يجرى يمينًا ويسارًا، يتخبط فى محاولة الفرار. كانت جواره منضدة لو اختبأ خلفها لما وسعنى أن أجده! لكن الأحمق- فى غمار رعبه- ذهب ناحية الباب! وهكذا صار هدفًا مكشوفًا بالنسبة لى. لم يستغرق الأمر أكثر من ثانية واحدة، رفعت فيها قدمًا باطشة ثم سحقته بها جثة هامدة. انتابتنى غصة فى القلب تنتابنى عادة كلما اضطررت فيها لإنهاء حياة زميل لى على ظهر هذا الكوكب! لكن لم يكن بوسعى أيضًا أن أترك بيتى مرتعًا للصراصير!
زمان، كان لدىّ من الروقان والبال الخالى، والاهتمام أيضا بحرمة الحياة، ما يجعلنى أحضر قرطاسًا ورقيًا أضع فيه الصرصار ثم أرميه خارج بيتى حتى أتجنب قتله! لكن أنتم تعلمون تيبس المفاصل- مع تقدم العمر- وبطء الحركة، مما سيعنى أن الصرصار سيفلت حتمًا!
وإذا أفلت الصرصار فلذلك عواقب وخيمة! سوف يلاقى حتمًا صرصارة لطيفة تروق له! ومع الغزل والرغبة فى التكاثر ستبيض الصراصير، كما حدث من قبل عندما سافرت وعدت، فوجدتها ترتع فى المكان كأنها صاحبة البيت! ورغم صرخاتى التى تشبه صرخات الهنود الحمر وهم يصطادون الجاموس البرى، وحقيقة أننى أفرغت علبتين من المبيد الحشرى بالمبلغ الفلانى، فإن البيض التى وضعته الإناث على خلفية من الغزل اللذيذ ظل يفقس على مدى شهور بعدها، وكل يومين تفاجئنى صراصير جديدة صغيرة تستكشف الحياة!
أشاهدها فى المطبخ! بريئة غافلة عن الشبشب التى ينتظرها! ولعلها كانت ترمق الحياة فى دهشة وتتساءل أين إخوانها فى الجنس؟! لا تعلم أن أيمن الجندى، الملقب بهولاكو، عدو الصراصير، وقاهر الأبرياء، قد أباد الآباء والأجداد.
نعود لموضوعنا! أعنى الصرصار الغلبان المجندل فى فضاء الغرفة جثة هامدة! فكرت أن المواجهة بينى وبين الصرصار ليست عادلة بحال! إذ إننى لا أقاتله وجهًا لوجه! وإنما أبطش به غالبًا من فوق! وفكرت أيضا أن مفهوم السماء لاشك يختلف بين البشر وبين الصراصير. ففيما توحى لى السماء بالزرقة والسحاب الأبيض، والتحرر واللانهائية، والأمل فى الخلاص، فإنها- السماء- لا تعنى بالنسبة للصراصير إلا ضربة شبشب سوف تنهال عليه من حيث لا يدرى.
السبت: قلت له: «أنت تعلم تقديرى لك واعتقادى بصلاحك. وأنا- أيضًا- أعلم بحسن ظنك فى دينى ونيتى. لكن يؤسفنى أن أقول لك إن لا هذا ولا ذاك سيغنى عنى أو عنك من الله شيئًا. لأنه لا لى ولا لك مع الله نسب ولا عهد. وإنما نحن عبدان من جملة عبيده! موقوفان حتى يقضى خالقنا فى أمرنا كيفما شاء يوم القيامة. فدعنا نتواضع! أو- إذا شئت الدقة- نعرف قدرنا الحقيقى! لعلنا- بالذل- نبلغ ما لم نبلغه بالعمل».