x

محمد كمال فانتازيا تاريخية محمد كمال الإثنين 05-10-2020 01:51


ما يحدث فى منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط لم يعد فقط صراعا اقتصاديا حول اكتشافات الغاز الطبيعى، ولكنه أصبح يكتسب أبعادًا تاريخية ستؤدى بالتأكيد إلى المزيد من تعقيد الأمور.

تركيا هى أولى الدول التى استدعت التاريخ فى هذا الصراع، مدفوعة بالأزمة السياسية الداخلية التى يعانى منها أردوغان، والتى جعلته يسعى لاختلاق مشاكل خارجية تحول الأنظار عن الداخل وتوحد الصفوف خلف قيادته، وتثير الحماس القومى باستدعاء التاريخ العثمانى للدولة التركية.

أنصار أردوغان يرددون أن صراع شرق المتوسط يعود فى جذوره إلى اضطرار تركيا للتوقيع على «معاهدة سيفير» فى عام ١٩٢٠، بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى، وهى المعاهدة التى أدت لتفكك الدولة العثمانية وتخليها عن المناطق التى كانت خاضعة لها وخاصة فى شرق المتوسط، والتى انتقلت إلى الانتداب البريطانى كما فى حالة فلسطين، أو الفرنسى كما فى حالة فرنسا ولبنان. وبالرغم من أن معاهدة لوزان عام ١٩٣٢ قد حسنت من بعض الأوضاع الإقليمية لتركيا، إلا أن ذكرى معاهدة سيفير لاتزال جزءا من الخيال القومى لدى بعض الأتراك، ويتم استدعاؤها عندما يكون هناك صراع مع دول غربية، وللترويج لفكرة أن المخططات الاستعمارية السابقة لمحاصرة وتقليص قوة تركيا لاتزال قائمة.

وربما يعود جزء من التوتر الحالى بين تركيا وفرنسا فى شرق المتوسط إلى أن المعاهدة التى أدت لانهيار الإمبراطورية العثمانية تم توقيعها فى مدينة «سيفير» الفرنسية، وحملت اسمها.

الرئيس الفرنسى ما كرون تحدث منذ أسابيع قليلة أمام قمة الدول المتوسطية الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، ووصف تركيا بشكل صريح بأنها قوة إقليمية إمبريالية تستند على بعض الأوهام من تاريخها أو الفنتازيا التاريخية.

استدعاء أردوغان للتاريخ لا يقتصر فقط على لحظة الضعف فى «سيفير» ولكن يتم أيضا استرجاع فتوحات «سليم الأول» وهو السلطان التركى الذى تمددت الإمبراطورية العثمانية فى عهده إلى مناطق واسعة. وتشير العديد من التحليلات إلى أن أردوغان يعتبر سليم الأول قدوته ويحذو حذوه، وأن سعيه للامتداد فى البحر المتوسط مستوحى من سليم الأول.

استدعاء التاريخ لم يعد قاصرا على تركيا بل بدأت اليونان هى الأخرى فى طرح رؤيتها التاريخية للصراع فى شرق المتوسط. بعض الكتابات اليونانية الحديثة تستدعى الحرب التى حدثت منذ أكثر من الفين وخمسمائة عام بين اليونان والفرس، حين سعى زركسيس، ملك بلاد فارس لغزو اليونان القديمة، والتى تصدت له، واستطاعت هزيمة جيشه، ووفقا للرواية اليونانية فإن خطط زركسيس كانت تقوم على غزو أوروبا بعد هزيمة اليونان، وأنه قال لرفاقه، «إنه لا توجد دولة أو أمة بشرية يمكنها مقاومتنا فى ساحة المعركة، بمجرد هزيمة اليونانيين»، وبالتالى فإن هزيمته على يد اليونان هى التى أنقذت أوروبا وحضارتها.

الرواية اليونانية تقول إن الأوضاع اليوم لا تختلف كثيرا عن الماضى، وإن أردوغان أعلن عدة مرات أنه من خلال زحفه ضد الحدود اليونانية، سواء عن طريق موجات المهاجرين أو المناوشات فى شرق المتوسط، كان يستهدف أوروبا، وإن مغامراته تتطابق مع مغامرات زركسيس، وأنه يهين ويتحدى القيم الأوروبية بشكل يومى، وإن اليونان هى حائط الصد ضد ذلك.

باختصار هذا الاستدعاء للماضى يمكن أن يكون نوعا من الأوهام أو الفنتازيا التاريخية، ولكن لا يمكن إغفال دوره فى تفسير الصراع وتعميقه.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية