عن الحكومة وكفاءتها
محمد كمال
الإثنين 28-09-2020 01:40
ما هى الأسباب التى أدت الى وجود تباين فى عدد ضحايا كورونا بين دول غربية وأخرى آسيوية، فالولايات المتحدة لديها ٦٠٠ حالة وفاة لكل مليون وتزيد عن ذلك فى بريطانيا. أما فى آسيا، وفى دول مثل سنغافورة، وتايوان، وكوريا الجنوبية فبلغت ما بين ١٠ و٢٠ حالة وفاة لكل مليون، ووفقا للصين فإن عدد الوفيات بلغ حوالى ٤ لكل مليون. اثنان من كبار الصحفيين وهما جون ميكلثويت، رئيس تحرير بلومبيرج نيوز (ورئيس التحرير السابق لمجلة الإيكونوميست)، وأدريان وولدريدج، المحرر السياسى فى الإيكونوميست، حاولا تفسير هذه التباين فى كتاب صدر حديثا بعنوان «نوبة صحيان: لماذا كشف الوباء ضعف الغرب وكيفية إصلاحه».
يشير المؤلفان إلى أن الأمر لا يتعلق بالعقلية الآسيوية، أو أن الطريقة الآسيوية للقيام بالأشياء هى الأفضل، ولكن الفارق الكبير بين البلدان التى حققت أداءً جيدًا مع جائحة كورونا وتلك التى لم تفعل ذلك، يتعلق بدور وكفاءة الحكومة. ففى الوقت الذى كانت فيه أدوار الحكومة تتقلص فى الغرب وتزداد المساحة المتاحة للابتكار الفردى، فإن العديد من الدول الآسيوية من سنغافورة إلى الصين قامت بتطوير الأداء الحكومى على مدى العقود الأخيرة، فى حين ضعف أداء العديد من الحكومات الغربية بحيث لم تستطع تنظيم نفسها للتعامل مع التحديات الكبرى.
ويشير الكتاب إلى أنه من المهم أن يكون لديك مجتمع قائم على ريادة الأعمال والابتكار، لكن يجب ألا ننسى الدور الذى يمكن أن تقوم به الحكومة.
ويعيد الكتاب اكتشاف أفكار الفيلسوف اليونانى أفلاطون عن الحكومة، وتشبيهه لها بأنها مثل السفينة، وفن الحكومة بفن الملاحة، وأنه يمكن بسهولة انحراف السفينة عن مسارها وإرسالها فى الاتجاه الخاطئ أو تحطيمها على الصخور، ومن ثم فإن جودة قبطان السفينة مهمة جدا، كما أنك أنك بحاجة إلى طبقة القيادة، وهى النخبة التى تدير جهاز الدولة. ووفقًا لأفلاطون، فإن أهم وظيفة للدولة هى تحديد القادة المحتملين عندما لا يزالون صغارًا وتزويدهم بالتعليم الذى يوسع قدراتهم، والأهم من ذلك، يغرس فيهم حس الخدمة العامة، حيث سيكون هؤلاء هم الأوصياء على الدولة.
.. ويشير الكتاب إلى أن فن الحكم مهم للغاية، وهو الشىء الذى فقدته أجزاء كثيرة من الغرب، وأن الفارق الكبير بين البلدان التى حققت أداءً جيدًا فى التعامل مع جائحة كورونا، وتلك التى لم تفعل ذلك هو ببساطة أنها تعاملت مع الحكومة بجدية، لقد درسوا فن الحكم، كما قاموا بغرس الإحساس بقيمة العمل العام والواجب العام.
وبعيدا عن النظريات الفلسفية، فإن الكتاب يقدم العديد من النصائح للحكومات الغربية لتحسين أدائها، منها التحذير من توسع حجم الحكومة أو دورها «يجب على الحكومة أن تفعل للناس فقط ما لا يمكنهم فعله بشكل أفضل لأنفسهم». نصيحة ثانية تتعلق باللامركزية أو ما يطلق عليه الانتقال المحلى، من خلال منح رؤساء المدن والبلديات المزيد من السلطة وخاصة فى مجال الخدمات، كما ينبغى تشجيعهم على نسخ الأفكار الناجحة من المدن الأخرى. أما النصيحة الثالثة فتتعلق بجذب الموهوبين للعودة إلى الخدمة العامة أو الجهاز البيروقراطى للدولة من خلال تبنى مبدأ الجدارة فى الالتحاق بهذا الجهاز ومن خلال اختبار تنافسى، بالإضافة لتقديم رواتب متميزة يمكن أن يحصلوا عليها فى القطاع الخاص.
باختصار أزمة كورونا أوضحت أن الأداء الحكومى الجيد يمكن أن يكون مفتاح الحل لكثير من المشاكل.
