فى مطلع الأسبوع الماضى، كان الرئيس السيسى يفتتح عدداً من المشروعات المهمة فى محافظة الإسكندرية، وبينما كان يواصل عرضه وشرحه لتلك التطورات التنموية وما تمثله من أهمية، شن هجوماً لافتاً ونادراً على ما سماه «القنوات المسيئة».
اتهم الرئيس هذه القنوات بأنها «تدمر وتخرب الدول والشعوب»، و«تسعى دائماً إلى التشكيك فيما نفعله»، فيما بدا أنه رد على حملة منهجية شنتها تلك القنوات ضد الإجراءات التنموية الحكومية.
فما «القنوات المسيئة»؟ وما طبيعة عملها؟ ولماذا أصبحت على قدر من الأهمية يستدعى أن يهاجمها الرئيس؟
«القنوات المسيئة» ليست فقط ثلاث فضائيات تبث من تركيا مستهدفة الشأن المصرى، ولكنها منظومة إعلامية كاملة، تضم أيضاً جميع مقدرات شبكة «الجزيرة» العملاقة، وبعض القنوات الفضائية الأخرى التى تبث من أوروبا وعدد من دول المنطقة الخاضعة للتأثير «الإخوانى»، وترسانة من المواقع الإلكترونية المدعومة من قطر وتركيا وتنظيم «الإخوان»، وآلاف الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة التى تعمل وفق تخطيط وتدبير من أجل الإضرار بصورة الدولة المصرية ومصالحها.
تلك إذن منظومة إعلامية متكاملة، تحظى بقدر مناسب من الموارد المالية والفنية، وتتمتع بغطاء سياسى من دول معادية، ولا ينقصها الأساس الأيديولوجى الصلب، ولا دعاوى المظلومية، ولا التوسل الحقوقى، لكى تستمر فى شن هجماتها على الدولة المصرية.
تستخدم تلك القنوات كافة أنماط الانحياز التى شخصتها الأكاديميات الإعلامية لتحقق أهدافها فى تقويض الاستقرار فى مصر وزعزعة الأمن وإفقاد الحكم الثقة والشرعية، فهى تختلق الوقائع، وتشوه الحقائق، وتثير الكراهية، وتحرض على العنف، وتختار المصادر والقصص بطريقة مغرضة وخاطئة، وتتفادى التوازن، وتخاصم الدقة، وتخلط بين الرأى والخبر، وتجتهد عبر تنسيق الجهود، وإدامة الرسائل، وتنويع المحتوى، والإلحاح والتكرار، لكى تخلق للمصريين، وغيرهم، عالماً افتراضياً موازياً بخصوص ما يحصل فى مصر، وبحيث يعتقد الجمهور الذى يقصر تعرضه عليها أن مصر باتت جمهورية موز تعيش أجواء القرون الوسطى.
فإذا كانت تلك «القنوات المسيئة» على هذا النحو من الأداء الكاذب والتحريضى وغير المهنى، فلم باتت مهمة و«مؤثرة» إلى حد أن رئيس الجمهورية سعى إلى كشف أكاذيبها وشن هذا الهجوم عليها فى محفل رسمى؟
ينحو قطاع من الإعلام الوطنى الهادف إلى مواجهة هذه الهجمات الإعلامية المسيئة إلى الاعتقاد بأنها «مكشوفة» أمام أغلبية الجمهور المصرى، الذى يتابعها وهو يدرك تماماً من يقف وراءها، ويمولها، ويشحنها بتلك الأكاذيب، لكى تعمل ضد المصلحة الوطنية، وتربك الدولة وأجهزتها، وتشوش على «الإنجازات»، وتخلق حساً معارضاً، وصولاً إلى التثوير وصناعة التمرد.
إن هذا الاعتقاد فى حاجة إلى مراجعة، إذ أثبت علماء الاتصال فى دراسات موثوقة كثيرة أن التعرض إلى مثل هذه الوسائط، بما تبثه من آلاف الرسائل على مدار اليوم، يمكن أن يحدث أثراً سلبياً فى الجمهور، حتى لو كان مدركاً لمراميها المعادية وأغراض مموليها، وهو الأمر الذى أظهر الرئيس فهمه له، وإلا ما كان خصص جزءاً من حديثه لتسليط الضوء على أكاذيبها.
إن منظومة الإعلام المعادى تستطيع أن تؤثر فى الجمهور الوطنى إذن، لأن جزءاً مما تبثه من أكاذيب كثيرة مخلوطة ببعض الحقائق أحياناً ومستندة إلى بعض جوانب الخلل فى الأداء العام، يتسرب إلى وعى الجمهور، ويحدث أثره السلبى.
من بين أفضل الحلول التى يمكن اعتمادها لتقليل هذا الأثر الذى بتنا نعرف أنه واقع، أن نؤسس مجالاً إعلامياً يجد فيه المواطن الفرصة لمناقشة كل قضاياه العامة بتوازن ومهنية، وهنا سينفضح عوارها ويتهاوى تأثيرها.