x

د. ياسر عبد العزيز كيف توقفت النيران فى ليبيا؟ د. ياسر عبد العزيز الأحد 23-08-2020 00:59


قبل أسبوع كانت الأوضاع فى ليبيا تنذر بكوارث، فى ظل احتمالات مفتوحة لم تستبعد حرباً إقليمية، يشعلها تصادم إرادات دول مهمة، وصراعات مصالح، وتدفق حشود من الميليشيات، وتراجع فرص الحل السياسى، وهو أمر كان سيفاقم معاناة الليبيين، ويكرس فشل الدولة، ويحولها إلى بؤرة لقوى الإرهاب، بما يلقى بظلال قاتمة على مستقبل الأمن والاستقرار فى المنطقة.

أمس الأول الجمعة، حدث تطور تاريخى لافت، قد يكون مقدمة لحل سياسى يبعد أشباح الفوضى والإرهاب والحرب الشاملة، ويمهد لحل سلمى نعرف أنه صعب وعرضة لانتكاسات، لكن نعرف أيضاً أنه البديل الأقل تكلفة والأكثر تجاوباً مع مصلحة ليبيا وجيرانها القريبين والبعيدين.

لقد صدرت ثلاثة بيانات مهمة قبل يومين عن البعثة الأممية المعنية بإيجاد تسوية سياسية ملائمة ومتوازنة فى هذا البلد الجار، وعن المجلس الرئاسى المهيمن فى الغرب ومعه حكومة الوفاق برئاسة السراج، وعن مجلس النواب المنتخب فى الشرق والداعم لقوات الجيش الوطنى الليبى برئاسة حفتر، وكلها بيانات تؤكد على بدء تفعيل مسار سياسى لتسوية الصراع الليبى بعد وقف إطلاق النار بين الطرفين المتحاربين والقوى الداعمة لهما.

يُعد الاتفاق على وقف إطلاق النار فى ليبيا راهناً اختراقاً مهماً وإيجابياً، إذ كانت نذر الحرب تلوح فى الأفق على وشك الانفجار، إثر الخلاف على هوية المسيطر على خط سرت- الجفرة الاستراتيجى، الواقع فى منتصف الشريط الساحلى الليبى المطل على البحر المتوسط، قرب مرافئ النفط الرئيسية فى البلاد، التى تشكل جزءاً مهماً من مقدرات ثروتها النفطية.

لم تتوقف بيانات الترحيب بالاتفاق عن الصدور منذ الإعلان عن إيقاف إطلاق النيران بين القوى المتحاربة، فى ظل التعبئة والحشد والتربص، وفى ظل الإصرار التركى على مواصلة القتال للهيمنة على سرت عبر دعم قوات «الوفاق» وميليشياتها، وقد أعلنت البعثة الأممية ترحيبها بالخطوة، وتلتها دول مؤثرة عديدة، بعدما دعمت مصر والجامعة العربية هذا التطور الإيجابى، باعتباره «خطوة مهمة على طريق تحقيق التسوية السياسية».

لكن سؤالاً يبرز هنا على خلفية هذا الإعلان المفاجئ: كيف تم الوصول إلى توافق على وقف إطلاق النيران والاتجاه إلى عملية سياسية، رغم ما بدا من إصرار تركى على التصعيد، واستمرار «الوفاق» فى الحشد والتعبئة والاستعداد للقتال؟

يمكن الإجابة بوضوح بأن الموقف المصرى كان العامل الأساسى فى هذا التغير، ففى شهر يونيو الفائت أرست مصر محور سرت- الجفرة خطاً أحمر، وأكدت أنها لن تقبل بتجاوزه، مؤكدة قدرتها وعزمها على حمايته، قبل أن تعلن فى شهر يوليو التالى له أن إرساءها لهذا الخط إنما يمثل دعوة للسلام وليس دعوة للقتال.

لم تكتف مصر بالطبع بالإعلان السياسى عن عزمها التدخل فى ليبيا، بعد استيفاء استحقاقات مثل هذا التدخل السياسية والقانونية، لكنها برهنت أيضاً على هذه الإرادة من خلال عمليات لوجستية على الأرض، لتصل الرسالة واضحة إلى الأطراف المعنية، ولتبدأ فى التصرف وفق ما فرضته من معطيات جديدة.

سيأتى المحللون لاحقاً ليشرحوا لنا كيف تغير مسار الصراع فى ليبيا من احتمالات المواجهة المفتوحة المكلفة (التى لا يمكن استبعاد إمكانية اللجوء إليها) إلى مسار التسوية السياسية، الذى نعرف أنه سيكون مرهقاً، وسينطوى على تكاليف، لكنها لن تكون بمثل فداحة التحاور بالنيران.

وسيجد هؤلاء المحللون أسباباً عديدة يمكن إيرادها فى هذا الصدد، لكن ثمة سبباً جوهرياً سيصعب جداً تجاهله، وهو أن مصر استطاعت أن تعبر عن موقفها بوضوح وفى الوقت المناسب، وأنها لوحت باستخدام قوتها الصلبة، وهيأت المسرح لهذا الاستخدام، وهى سياسة سنحتاجها فى ملفات أخرى لا تقل أهمية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية