x

د. ياسر عبد العزيز خطوة إماراتية مهمة د. ياسر عبد العزيز الأحد 16-08-2020 01:58


لطالما برز الاهتمام باللغات القومية وتصدر أولويات بعض الأمم والحكومات، وظهرت المؤشرات المعتبرة على مدى القرون لتربط تارة بين الحس الوطنى واحترام اللغة، وتؤكد تارة أخرى الأبعاد الروحية والدينية للغات، أو تشدد على العلاقة الطردية بين التقدم العلمى والتطور الثقافى من جانب ومكانة اللغة من جانب آخر.

لكن بعض الاختراقات البحثية التى ظهرت اعتباراً من منتصف القرن الفائت راحت تفتح آفاقاً أوسع وترسم حدوداً جديدة لطاقة اللغة وقدراتها الفعلية؛ إذ رأى نعوم تشومسكى مثلاً أن «اللغة وسيلة لخلق الأفكار»، وليست مجرد أداة التعبير عنها فقط، كما توصل الباحث المهم إدوارد سابير إلى أن «اللغة تشكل طريقة تفكيرنا، وتحدد ما يمكن أن نفكر فيه».

وقد توصل الباحثان الأمريكيان المتخصصان فى مجال اللغويات ليرا برودوتسكى وكيث تشين فى بحوث منفصلة إلى خلاصة مثيرة للاهتمام؛ إذ ثبت وفقاً لنتائج أبحاثهما التى أجريت فى بيئات مختلفة أن ثمة علاقة بين طبيعة اللغة وسلوك متحدثيها، وأن ثمة رابطاً بين اللغة ومآلات الشعوب التى تتحدث بها.

ليس هذا فقط، بل إن العالم الألمانى فلوريان كولماس، المتخصص فى علم اللغة الاجتماعى، وجد أن «اللغة والاقتصاد يتفاعلان معاً عبر صور شتى، وأن اللغة تؤثر فى التنمية الاقتصادية، وأن بوسعها أن تشكل ميزة وأصلاً اقتصادياً قيماً فى حد ذاتها»، وفى بحث مهم نشره عام 1992، توصل إلى أن «هناك رابطاً بين قدرة الدولة على تحقيق معدلات تنمية اقتصادية كبيرة ومطردة، وبين النسق اللغوى الذى تتبعه».

لا تعيش اللغة العربية أزهى عصورها كما نعرف جميعاً، وإذا جمعنا نتائج هذه التجارب البحثية الجدية، التى أجريت عبر مدارس علمية مختلفة، لأدركنا سبباً ثانوياً جديداً من أسباب إخفاق عدد كبير من الدول العربية فى تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية مناسبة لطاقتها وكتلتها الحيوية.

لا تعدم اللغة العربية أمناء وحراساً فى العالم العربى؛ ومع ذلك فهى افتقدت الاستراتيجية وخطط العمل القادرة على صيانة دورها وإدامة تأثيرها وتطوير مستقبلها، ورغم نهوض «المجامع اللغوية» بأدوار محترمة فى هذا الصدد، فإن تلك الأدوار لم تأخذنا إلى الوضع المناسب كما نعلم جميعاً.

يتحدث نحو 470 مليون نسمة باللغة العربية عبر العالم، وتعترف الأمم المتحدة بها كإحدى لغات العمل بها، فضلاً عن كونها لغة «القرآن الكريم»، ومع ذلك فإن اللغة العربية تتراجع، ولا تتطور بالقدر المناسب للنهوض بأعباء كونها وسيلة تواصل من جهة، وطريقة للتفكير وخلق الأفكار الجديدة من جهة أخرى.

كثيرون لم ينتبهوا إلى تطور فارق وخطير ألمّ باللغة العربية؛ فوفق ما أعلنته «اليونسكو»، يقرأ كل 80 عربياً كتاباً، بينما يقرأ الأوروبى 35 كتاباً، والإسرائيلى 40 كتاباً، فى السنة الواحدة. ومقابل كل 6 دقائق يقرأها العربى سنوياً، فإن الأوروبى يقرأ 20 ساعة.

فى الأسبوع الماضى، شهدت دولة الإمارات تطوراً لافتاً ومهماً فى صدد الحفاظ على اللغة العربية وتطوير دورها ومكانتها وإسهامها الخاص فى مسيرة التنمية؛ إذ اعتمد الشيخ خالد بن محمد بن زايد، رئيس مكتب أبوظبى التنفيذى، استراتيجية مركز أبوظبى للغة العربية، الذى يرأسه د. على بن تميم ويديره عبدالله ماجد آل على.

يوفر هذا المركز صيغة معاصرة وأكثر فاعلية من صيغة المجامع اللغوية، ويفرد مساحة للاهتمام بالتقنيات والتطبيقات الحديثة التى تهيمن على عالم «السوشيال ميديا»، ويمتلك رؤية واضحة وطاقات وموارد مادية وتنظيمية توفر له القدرة على إحداث تطور فى مجال تعزيز اللغة على المستوى القومى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية