نجحت جائحة «كورونا»، وتداعياتها الاقتصادية الموجعة، فى ترك أثر بالغ فى مسيرة الإعلام العربى، وهو أمر عمّق أزمات هذا الإعلام، لكن الأخبار الجيدة تكمن فى أن الإدراك السياسى لأهمية تلك الصناعة ما زال يحول دون انهيارها.
ويمكن القول إن الواقع الإعلامى العربى أظهر استيعاباً واضحاً لثورة الاتصالات، وبرهن على امتلاكه قدراً من المرونة لتوفيق أوضاعه، فى محاولته لمجاراة العصر الرقمى، وتغيير أنماط أدائه، بما يتناسب مع أنماط التعرض الجديدة. ففى الوقت الذى تتزايد فيه نسبة الشباب بين جموع المواطنين العرب، وترتفع نسبة التعليم، وتقفز معدلات استخدام «الإنترنت»، وتنتشر الهواتف الذكية انتشاراً كبيراً، نجد الإعلام العربى يظهر القدرة على ملاحقة تلك التطورات، وخدمتها، عبر تطويع التقنية والتحرير لمواكبتها، وفتح أسواق جديدة، وتلبية احتياجات جمهور واسع ومتطلب. وبمواكبة ذلك، ارتفعت القدرات التقنية فى عدد من وسائل الإعلام العربية، خصوصاً الفضائيات الإخبارية، والمواقع الإلكترونية، التى يتم تحديثها على مدار الساعة، والتى بات بعضها قادراً على منافسة بعض وسائل الإعلام العريقة والنافذة فى دول العالم المتقدم. ترتكب الفضائيات العربية الأخطاء الكبيرة، ويقع معظمها فى انحيازات مهنية بالغة السوء، ويكرس بعضها نفسه لخدمة مشروعات سياسية، ولا يظهر استقلالية ومهنية مناسبة، لكن التعدد فى الفضاء الإعلامى العربى بات قادراً على الحد من آثار الانحياز الضارة. وفى معظم الأحوال، سيجد الجمهور العربى نفسه قادراً على التزود بما يريد من الأخبار الجادة، التى تتحلى بقدر مناسب من المهنية، ومعرفة ما يهمه من تطورات، من خلال متابعة طيف عريض من الفضائيات، التى لا يمكنها جميعاً أن تتفق على أن تكتم خبراً معيناً، مهما بلغت خطورته، ولا يمكنها جميعاً أن تتفق على تشويه حقيقة ما أو تزييف واقعة بسبب تعدد انتماءاتها.
لا يقتصر هذا الأمر على الفضائيات المملوكة لدول أو جهات عربية، ولكنه يمتد أيضاً ليشمل بعض الوسائط الإعلامية التقليدية المملوكة لدول غير عربية؛ وبعض هذه الوسائط يمتلك تاريخاً عريقاً ودوائر صناعة فعالة، وبعضها يمتلك مشروعات مثيرة للجدل والشك. تلك أخبار جيدة عن الواقع الإعلامى العربى، وهى تعكس حالة تطور حقيقية يمكن قياس أثرها على أرض الواقع، خصوصاً فى ظل بروز منصات إعلامية ضخمة جديدة رغم ظروف الجائحة، لكن هناك أخباراً سيئة أيضاً يجب أن نشير إليها.
فى ظل الإدراك المتصاعد لأهمية صناعة الإعلام، بات عدد كبير من الحكومات العربية حريصاً على أن يفرض الهيمنة على القطاع؛ وهى هيمنة قد تحمى القطاع من الإفلاس المالى، وتوفر له الموارد الضرورية، لكنها فى الوقت ذاته قد تحرمه من التعدد والتنوع اللازمين لإدامة الثقة وصيانة القدرة على التأثير. وبسبب تضارب المصالح، ونشوء النزاعات بين عدد من الدول العربية المهمة، فإن قابلية قطاع الإعلام لتلقى الضغوط والاستخدام السياسى المباشر من قبل الحكومات زادت. يؤدى تحول وسائل إعلام نافذة ذات أسماء براقة إلى أدوات فى صراعات سياسية بين الحكومات العربية إلى تداعيات ضارة وخطيرة؛ أهمها تلاشى السمت المهنى، وتضعضع السمعة، والانقطاع عن المعايير، وفقدان المصداقية.
ثمة مكاسب كبيرة حققها الإعلام العربى منذ أربعة عقود، تحول خلالها من مجرد أدوات حكومية تلعب أدواراً دعائية إلى منظومات متكاملة على قدر من التنافسية والاحتراف؛ وهو أمر يجب تعزيزه لا التضحية به. إن نمو قطاع الإعلام التقليدى العربى تطور مهم وإيجابى، وظهور الأسماء الجديدة فى فضائه أمر مبشر، لكن التزام القدر المناسب من المهنية والنزوع نحو الموضوعية سيكون المحك الذى ستُقيم من خلاله تلك التجارب.