التفاصيل الدقيقة للتصميم الداخلى للمنزل لها تأثيرات هائلة على سعادتنا وصحتنا العقلية، ولكن كيف يمكن اكتشاف عناصر التصميم، وكيف يمكن اختيار الألوان مع المساحات المتنوعة؟.
البشر فى الأساس يحتاجون فقط إلى مأوى.. ولكن بنظرة أبعد من ذلك، يريدون الراحة والجمال والاتصال مع العالم الخارجى. لهذا تختلف الأذواق والآراء حول الذوق العام للمنزل...
عندما يُطلب من الأطفال رسم منزل، فإنهم عادة ما يرسمون بيوتًا ذات أسقف شديدة الانحدار، وهو ما تفسره «ليلى بيرنهايمر»، الباحثة فى علم النفس البيئى، وتدير استشارات تصميم، ولها كتاب بعنوان «تشكيل لنا»، إذ تقول إن المساحات اليومية تبنى حياتنا وسلوكنا ورفاهيتنا، فيما يرمز السقف المائل إلى المأوى، الذى نحتاجه لنجعل أنفسنا نشعر بالأمان. ويجب أن يشعر كل فرد فى منزله، أنه الملجأ له من دون العالم..
ووفقاً لـ«آلان دى بوتون» فى كتابه «عمارة السعادة»، «قد نسعى إلى الجمال فى التصميم، ولكن هناك جوانب أخرى قد لا ندركها، تقودنا إلى العثور على مساحات وأشياء جذابة وربما غير جذابة»، وأضاف: «لا يكفى أن تدعمنا كراسينا بشكل مريح؛ فعليها أن تمنحنا أيضًا، إحساسًا بأن ظهورنا مغطاة».
الاتجاهات فى البحث الحالى تدعم تأكيد «دى بوتون» أنه عندما يتعلق الأمر بالتصميم، فإننا نخضع لمجموعة من الاستجابات العصبية التى لا نتحكم فيها، والتى قد لا نتعرف عليها حتى.
فى أحد معارض الآثاث بميلانو، دخلت Google فى شراكة مع «معامل التفكير والفنون» بجامعة جونز هوبكنز لإجراء تجربة مثيرة واستكشاف تأثير المدخلات الحسية، أو «ما نراه ونسمعه ونشمه ونلمسه»، على عقولنا وأجسادنا، وهو ما يسمى بـ«تخدير الأعصاب».
فى هذه التجربة، تم تصميم ثلاث غرف مختلفة بالتعاون مع شركة أثاث فنلندية، وبدأ الزوار التنقل بين الغرف، مع تتبع استجاباتهم الفسيولوجية أثناء الحركة، وتم تشجيعهم على الهدوء والابتعاد عن هواتفهم والتفاعل الكامل مع محيطهم، بلمس الأشياء، وملاحظة الروائح والأصوات والحركة.
وقال Ivy Ross، نائب رئيس تصميم المنتجات فى Google، والذى قاد المشروع، إن حوالى نصف المشاركين فوجئوا بالغرفة التى شعروا بالهدوء فيها، ولم تكن بالضرورة هى الأكثر جذبًا لهم بصريًا. وأضاف قائلاً «لقد عملنا على تحسين بيئاتنا كثيرًا جدًا من أجل عقلنا المعرفى فى السنوات الأخيرة، ونحتاج إلى إشعال حواسنا ورفع مستوى الوعى لما يشعره بالارتياح الحقيقى بدلاً مما نعتقده نحن.. فربما ما نعتقد أننا نريده ليس فى الواقع ما يجعلنا نشعر أننا فى بيتنا».
الشعور بالسيطرة على البيئة، والقدرة على التأثير عليها، هو بالتأكيد أحد أهم الأشياء فى إملاء ما نشعر به، خاصة فى منازلنا. فهناك دور للفن والصور فى خلق مساحة مخصصة لك فقط، تعكس ذوقك وشخصيتك بشكل أكثر حميمية من أى شىء آخر، كما أن فى المنزل، الكثير من الأشياء القادرة على خلق ذكريات، يمكنك لمسها واستنشاق رائحتها، ما تؤثر على راحتك الداخلية وتشكل سعادتك، مثل «القبو والموقد والنافذة الصغيرة والزوايا المخفية والبراويز المعلقة على الحوائط، والمرآة المذهبة» وذلك بدلاً من المبنى بأكمله والذى يمكنك رؤيته فقط دون هذه الأحاسيس.
وتم تطبيق هذه التجربة، فى الكثير من مستشفيات بريطانيا والعالم كله، وتم توظيف كبار المعماريين والمهندسين لتنفيذ تصميم بيئات تجعل الزائرين يشعرون بقدر أكبر من التحكم والأمل، فبدأوا استثمارات ضخمة فى إنشاء مساحات لا تشعر معها بأنها مؤسسة أو مستشفى. خاصة أن الكثير من الناس يشعرون بالتعب والإحباط فى بيئات المستشفيات.
إضافة إلى ذلك، يتم تركيز التوجه نحو بيئة منزلية غير مؤسسة، تتوافق واستجابة الناس لأنواع مختلفة من المساحات الداخلية، فبالناس يحتاجون مزيجا من المساحات الحميمة والصغيرة أو المساحات المفتوحة، فيمكن أن تكون الغرفة الصغيرة مريحة توفر إحساساً بالمأوى والحميمية، فيما تعيدنا المساحات المفتوحة الواسعة إلى بقية العالم. فالتصميم يجب أن يسمح لك بالتواصل بشكل صحيح مع نفسك والأشخاص من حولك. فالمساحة التى تخلقها تحتاج لدعم الناس والغرض منها، والثقافة، حتى مناخ تلك المساحة.
«يحتاج كل فرد أن تكون لديه منطقة يستطيع من خلالها القيام بالأشياء المهمة فى حياته، سواء أكانت مساحة مفتوحة تتيح للأطفال اللعب، أو مكانا خاصا بالقراءة.. فليس فقط التواصل مع أنفسنا أو مع الآخرين هو ما يجعل المكان سعيدًا».
فى الثمانينيات، صاغ عالم الأحياء EO Wilson مصطلح «البيوفيليا»، فى إشارة إلى الطرق التى يحتاجها البشر ويبحثون من خلالها عن روابط مع الطبيعة، وقد وجدت الدراسات أن العناصر الطبيعية أو حتى التذكير بها، لها تأثير إيجابى على العقلية والبدنية الصحة، وتركز مبادئ تصميم «البيوفيليا» على دمج ضوء النهار، والهواء، والمواد العضوية، والنباتات، وحتى الحياة البرية، فى المنازل وأماكن العمل. ما يعد نهجًا مختلفًا تمامًا عن الأساليب الأكثر تكنولوجية للتصميم «الأخضر» التى كان لها تأثير كبير فى العقدين الماضيين.
ويدرك معظم الناس جيدًا فوائد النباتات المنزلية والكثير من ضوء النهار، غير أن هناك جوانب أقل وضوحًا من البيوفيليا، يمكن أن تساعدنا على الشعور بمزيد من الارتباط بالطبيعة. يساعد استخدام المواد العضوية مثل الأرضيات الخشبية والأثاث، بدلاً من البلاستيك أو الرقائق، على خلق شعور بالارتكاز فى بيئتك. أى أن الطبيعة تتغير باستمرار وتتحول أيضًا إلى شىء يمكن إعادة إنشائه فى المنزل.
إذا كان الهدف هو السماح لأجسامنا بالانسجام مع بيئتنا، يجب أن تحاكى الإضاءة الداخلية أنماط ضوء النهار، التى تتغير مع تحرك الشمس فى السماء على مدار اليوم ولها تأثير هائل على إيقاعاتنا اليومية كما نشعر. تركيبات ذكية من الإضاءة التى تشمل مصابيح السقف، ومصابيح الطاولة والمزيد من الشموع والشمعدانات الزخرفية تعنى أنه يمكنك تغيير الإضاءة لأى مزاج ووقت معين من اليوم.
وتوفر المفاتيح والأضواء العاكسة فى أجزاء مختلفة من الغرفة خيارات لا حصر لها. نحتاج أيضًا إلى الظلام والراحة بالإضافة إلى الضوء الساطع، لذلك يجب أن تكون هناك مناطق فى منزلك أكثر إضاءة ومناطق أخرى بها إضاءة خافتة. فيتفاعل الضوء أيضًا بقوة مع الألوان فى الداخل، ما يمنحنا تأثيرا واضحا على استجابتنا وتفاعلنا معها. ولها تأثير كبير على الحالة المزاجية لنا.
وقد يكون تأثير تصميماتك الداخلية على رفاهيتك، أمرًا شخصيًا للغاية، فمن الجدير بالتأكيد النظر إلى أن هذه المبادئ الأساسية للتصميم الداخلى لديها القدرة على التأثير على ما نشعر به. فقد تبدو غرفة النوم ذات الأسقف المرتفعة جيدة التهوية لشخص واحد، فيما يمكن لنسيج الأقمشة والزخارف على الرفوف، وكل جانب من جوانب الغرفة أن يخلق تاثيرا مختلفا بشكل كبير، مع ردرد فعل متباينة على كل فرد. وكما استنتج Ivy Ross من Google «ربما نحتاج إلى أن نولى القليل من الاهتمام لما نعتقد أننا نحبه، ونكون أكثر اهتماما بما نشعر به بالفعل.