الكثير منا يتذكر المشهد الشهير بفيلم «حياة أو موت»، والذى يوجه فيه مذيع الراديو نداء تحذيريا لأحد المواطنين «من حكمدار بوليس العاصمة.. لا تشرب الدواء.. الدواء فيه سم قاتل».
هذا المشهد يشبه ما يدور الآن فى وسائل الإعلام الدولية، وما تصدره من تحذيرات بشأن اللقاحات التى تم الإعلان عن اكتشافها للوقاية من فيروس كورونا، أو تلك التى سيعلن عنها فى القريب العاجل.
التحذير صادر من الأوساط الطبية، ومفاده أنه من المبكر التوصل لمثل هذا اللقاح، والأمر مازال يحتاج المزيد من الاختبارات، وأن الإعلان المبكر عن لقاح لكورونا غرضه تحقيق أهداف سياسية بالأساس، وأن مثل هذه اللقاحات قد تعرض حياة المواطن للخطر.
الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أعلن فى الأسبوع الماضى أن بلاده قد أنتجت أول لقاح مضاد لفيروس كورونا فى العالم، وذكر أن هذه «خطوة مهمة جدًا لبلدنا والعالم بأسره»، وأطلق على العقار اسم «سبوتنيك ٥»، إشارة للقمر الصناعى اِلذى أطلقه الاتحاد السوفيتى إلى الفضاء أثناء الحرب الباردة، متغلبًا وقتها على الولايات المتحدة الأمريكية.
وسائل الإعلام الغربية اتهمت روسيا بأن إعلانها عن العقار هو لأغراض سياسية بحتة، ولتصوير نفسها بأنها قوة علمية عالمية، وتسجيل أنها متقدمة على نظرائها فى الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا الذين يتسابقون أيضًا للحصول على لقاح، وذكر الخبراء الطبيون أن روسيا لم تصدر أى بيانات علمية عن اختبارات اللقاح، وأن التجارب الخاصة به لم تكتمل، وبالتالى من الصعب التحقق من فاعليته ودرجة الأمان المتعلقة باستخدامه، وذكر بعضهم أن العقار قد ينجح، ولكن إذا لم يحدث فقد يشكل الاستعجال فى طرحه مخاطر ليس فقط على المواطنين الروس ولكن على مواطنى العالم ممن سوف يستخدمونه.
الاتهام بتسييس لقاح كورونا لا يقتصر فقط على روسيا، فقد أعلن الرئيس الأمريكى ترامب أن الولايات المتحدة سيكون لديها لقاح جاهز للاستخدام فى يوم الانتخابات القادمة (٣ نوفمبر)، والهدف السياسى واضح من الإعلان، وهو ما دفع الخبراء إلى الرد بأن هذا الجدول الزمنى مستحيل، وأن أقرب وقت يمكن أن يتوافر فيه العقار هو يوم تنصيب الرئيس (٢٠ يناير) وليس يوم التصويت.
وبعد إعلان بوتين عن اللقاح الروسى ازدادت المخاوف لدى الخبراء الأمريكيين من أن هذا الأمر قد يزيد الضغوط على ترامب لتقديم موعد الإعلان عن اللقاح الأمريكى وقبل اكتمال التجارب اللازمة. وفى نفس الوقت أعلن أحد المسؤولين الأمريكيين أن بلاده لن تستخدم على الأرجح اللقاحات المطورة فى الصين أو روسيا.
رئيس الوزراء الهندى أعلن أيضا أن بلاده سوف تعلن عن لقاح لكورونا يوم عيد الاستقلال (١٥ أغسطس)، وعندما حل هذا الموعد، ذكر أنه يتم حاليا اختبار ثلاثة لقاحات مختلفة ضد فيروس كورونا، وأن الهند جاهزة لإنتاج كميات كبيرة من تلك اللقاحات. الصين أيضا تبذل جهودا ضخمة لاكتشاف اللقاح.
الخلاصة هى أن الدول الكبرى فى سباق بشأن لقاح كورونا، وأصبح الطابع القومى المتعلق بأن تكون أول من ينتج اللقاح له الأولوية. واختلط الهدف بتحقيق مصالح سياسية داخلية أو تعزيز المكانة الدولية والقوة الناعمة، بالإضافة للمكاسب المرتبطة بالتعاقدات لتصدير العقار. باختصار، أفلحت الدول الكبرى إن صدقت فى إنتاج لقاح آمن وفعال، ولكن فى نفس الوقت فإن الحذر من العقارات «المسيسة» يعد أمرًا واجبًا.