x

محمد كمال الاستهلاك الثقافي محمد كمال الإثنين 27-07-2020 02:32


عندما يُطرح موضوع الثقافة للنقاش، فكثيرًا ما يركز الجدل على المسائل المتعلقة بالقيم، مثل الحداثة والتنوير، وأهمية أن يقوم أي مشروع ثقافى على هذه القيم. ولكن الثقافة لها جانب آخر، يتعلق بكونها سلعة يقوم المواطن باستهلاكها، سواء في صورة كتاب أو أسطوانة أو فيلم سينمائى أو عرض موسيقى أو مسرحى أو زيارة متحفية.. إلخ، أي هناك سلعة قد ينفق عليها المواطن قدرًا من المال كمستهلك، أو تستثمر فيها الدولة جانبًا من ميزانيتها. ولأنها سلعة فهى ترتبط بسوق، وهذه السوق مثل أي سوق، فإن أحد محدداتها هو طلب المستهلك، لذا يصبح من المهم التعرف على السلوك الاستهلاكى في سوق الثقافة لتحديد السلع الثقافية المزدهرة وتلك المندثرة، والاسترشاد بذلك عند التخطيط والاستثمار في مجال الثقافة.

وزارة الثقافة الفرنسية تقوم كل عشر سنوات بعمل دراسة مسحية حول أنماط الاستهلاك الثقافى للمواطن الفرنسى، بدأت عام ١٩٧٣، وكان أحدثها هذا العام، والتى نُشرت نتائجها من حوالى أسبوعين.

الدراسة تفرق بين الثقافة الكلاسيكية (القراءة والمسرح والموسيقى الكلاسيكية والمتاحف والسينما) والثقافة الرقمية (المرتبطة بالإنترنت، الموسيقى على وجه الخصوص، وكذلك الفيديو عبر الإنترنت)، وما تسميه «ثقافة الخروج» و«ثقافة غرفة المعيشة».

وتشير الدراسة إلى أن جمهور الثقافة التقليدية أو الكلاسيكية بدأ ينخفض ويركد، كما بدأ يشيخ أيضًا، أي أصبح معظمهم من كبار السن، ويعيشون في المدن، ومن النساء أكثر من الرجال، وينتمون إلى دوائر اجتماعية ميسورة أو مؤهَّلة.

وفى حين حافظت نسبة الذهاب إلى السينما على استقرارها، إلا أن الطابع الشبابى للذهاب للسينما بدأ ينخفض، كما يشهد الذهاب إلى حفلات الموسيقى الكلاسيكية شيخوخة متزايدة..

.. وانخفضت نسبة مَن يمارسون الموسيقى أو الغناء أو الكتابة أو الرسم أو النحت أو المسرح أو التصوير الفوتوغرافى كهواية، وكذلك انخفضت نسبة قراءة الكتب بشكل حاد، ومعظم مَن يشترى أكثر من كتاب هم من الفئة الأكبر سنًا، ولا يتم استبدالهم.

وتشير الدراسة إلى أن هذه الظاهرة تثير مشكلة بقاء الثقافة الكلاسيكية، وهل يمكن للدولة أن تواصل تركيز معظم جهودها على هذه الثقافة، التي ينكمش جمهورها؟

أما الثقافة التي تأخذ صورة رقمية أو بصرية أو صوتية، فهى في حالة انتشار كبير، ويستهلكها جمهور من الشباب، الذكور أكثر من الإناث.

وحدث الانفجار الأكبر في الاستماع للموسيقى، والذى ازداد بشكل مذهل في السنوات العشر الماضية. ويتم استهلاك هذا المحتوى الرقمى، وبشكل رئيسى مقاطع الفيديو من خلال الإنترنت، حيث أصبح الاستهلاك اليومى لهذه المقاطع هو الممارسة الثقافية الرئيسية (٥٩٪) لمَن هم في الفئة العمرية ما بين ١٥ و٢٤ عامًا.

وتصل الدراسة إلى نتيجة مفادها أن نصف الشباب ما تحت سن ٢٥ عامًا، و٧٩٪ ممن هم تحت سن ٣٩ عامًا، يقرأون القليل جدًا، وأحيانًا يذهبون إلى السينما، ونادرًا ما يذهبون إلى المسرح أو المتحف. وتوضح الدراسة خطورة هذا الأمر بالإشارة إلى أنه إذا لم تقرأ كتابًا في سن ١٥ أو ٢٠ عامًا، فليس هناك احتمال أن تفعلها في سن ٤٠ أو أكثر، ونفس الشىء بالنسبة لزيارة المسرح أو المتحف.

ختامًا، ما أحوجنا للقيام بمثل هذه الدراسة لأنماط الاستهلاك الثقافى المصرى للتعرف على الواقع، وتحديد أولويات الاستثمار الحكومى في هذا القطاع المهم، والإسهام في رسم خريطة طريق لمستقبل الثقافة في مصر.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية