كان لاجئاً فى القاهرة عام 1990، هارباً من نظام «منجستو» الديكتاتورى، وفق تعبيره، حتى نجحت ما يوصف فى أديس أبابا «الثورة الديمقراطية» التى قادها رئيس وزراء إثيوبيا الراحل ميليس زيناوى، وهو نفسه الذى اختاره سفيراً بالعاصمة المصرية أثناء ثورة يناير.
يقول محمود دريرغيدى، سفير إثيوبيا فى القاهرة، إنه يعرف شوارع العاصمة المصرية وحواريها، ومتابع جيد لحياتها الاجتماعية، من أدبها، خاصة روايات نجيب محفوظ، مقارناً ذلك بخبراء مصريين يتحدثون عن أديس أبابا دون أن يعرفوها، مطمئناً المصريين بأن الحزب الحاكم هناك يؤمن بأن نهضة أفريقيا لن تتحقق إلا بتحالف مصرى إثيوبى، لكنه يشدد على أن «سد النهضة» المثير للجدل، سيتم، لأنه سيعود بالفائدة على البلدان الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا، وإلى نص الحوار:
■ كيف ترى مستقبل العلاقات المصرية الإثيوبية بعد رحيل زيناوى؟
- لم ولن تتغير العلاقات، فنحن سنسير على سياسات رئيس الوزراء الراحل، ميليس زيناوى، لتعزيز وتعميق العلاقات، فمصر بالنسبة لنا دولة «مهمة» للغاية، ودائماً ما أكد قبل وفاته على أهمية استعادة العلاقات وتجاوز الخلافات التى اصطنعها نظام مبارك، لأن العلاقات أزلية وأبدية.
وفيما يتعلق بالمشاريع الضخمة لمكافحة الفقر، خاصة سد النهضة، فنحن عازمون على استكماله وبقوة، لأنه سيعود بالنفع، ليس فقط، على إثيوبيا إنما على السودان ومصر أيضاً.
■ هناك اعتقاد بأن الراحل كان متشدداً فى مواقفه من القاهرة ومياه النيل؟
- فى لقائه الأخير معى، شدد على أننا لابد أن نعمق علاقتنا مع أهم بلد فى المنطقة، وهى مصر، وأن نتجاوز الخلافات، وأن نفتح صفحة جديدة بما يحقق مصلحة البلدين، وبأن تنسق إثيوبيا ومصر لقيادة نهضة إفريقية، كان يحلم بها، على أن تصبح علاقتنا بمصر مصدراً للتعاون الاقتصادى، وتبادلاً للخبرات بين البلدين لتحقيق الاستفادة المثلى من مياه حوض النيل».
زيناوى كلفنى بأن أتولى سفارة إثيوبيا بمصر أثناء الثورة المصرية، وكنت وقتها وزيراً للثقافة والسياحة، وقال لى إن مصر تمر بمرحلة تغيير وثورة ولديك مهمة كبيرة فى القاهرة لتعزيز العلاقات.
■ وماذا عن الخلافات؟
- أعترف بوجود خلافات، وأدرك أن البعض فى مصر قلق بشأن سد النهضة، لكننا مقتنعون بأن السد سيكون مصدراً للتعاون فيما بيننا، وسيعود بالفائدة على الجميع، فالمياه الموجود فى حوض النيل أكبر من احتياجاتنا جميعاً، وأنا أعتبر أن هذه الخلافات مجرد «خزعبلات»، افتعلها الاستعمار الإنجليزى بتمكين مصر من فرض إملاءاتها على دول الحوض، وعلى القاهرة تغيير خطابها السياسى الذى انتهجه مبارك، وحينها سندرك أن هذه الخلافات «غيمة وستذهب».
■ بعض وسائل الإعلام العالمية نشرت أن المعارضة الإثيوبية قد تساهم فى حدوث انشقاقات فى إثيوبيا وهذا سينعكس بالطبع على العلاقات الخارجية؟
- إن المعارضة لدينا هشة للغاية والحزب الحاكم هو المعبر عن الثورة الإثيوبية، ويلقى دعم جميع الطوائف والطبقات الاجتماعية، لأن الثورة قامت من أجل التغيير والنهضة، ورئيس الوزراء الجديد سيحافظ على سياسات الحزب الحاكم وعلى علاقات إثيوبيا الخارجية، ونحن نترك للمعارضة حق التعبير عن رؤيتها، التزاماً بالديمقراطية.
■ هل من إضاءة على رئيس الوزراء الجديد، هالى مريام ديسالين؟
- ديسالين خبير بشؤون المياه، وهو سياسى من جيل الثورة الديمقراطية، التى قام بها الحزب الحاكم ضد النظام الشيوعى المستبد، وهو متزن وله رؤى بعيدة الآفاق فى الشؤون الأفريقية، ومشغول بمكافحة الفقر فى إفريقيا، ويؤمن بأن على مصر وإثيوبيا أن يتحدا لمواجهة التحديات التى تواجه أفريقيا، وتخفيف المعاناة على شعوبها التى تعانى الكثير والكثير. وأنا تربطنى به علاقات قوية، ونتواصل بشكل يومى منذ أن كان نائباً لميليس زيناوى ووزيراً للخارجية.
■ لكن الخبراء السياسيون وخبراء المياه فى مصر قلقون من أن يؤثر سد النهضة سلباً على مصر؟
- عدد كبير من الخبراء بمصر لا يعرفون إثيوبيا جيداً، وللأسف بعض المؤسسات مازالت تسلك النهج التفكيرى لنظام «مبارك»، وما تركه لنا «زيناوى» من إرث لنهضة إثيوبيا، من الممكن أن نستمد منه الحكم للاستفادة المثلى للجميع، وننتظر أن تنهى ثورة يناير العظيمة التفكير القديم لنظام «مبارك» وترويجه بتربص إثيوبيا بمصر.
■ ما رأيك فى ردود فعل القاهرة تجاه ما تمر به إثيوبيا الآن؟
- مصر تشاطر إثيوبيا أحزانها، ونظام الرئيس «مرسى» يسعى لتعميق العلاقات مع أديس أبابا، فالقاهرة تدرك أن أفريقيا فقدت زعيماً كبيراً بحجم ميليس زيناوى، وسيتجه وفد منها خلال أيام برئاسة الدكتور هشام قنديل لإثيوبيا لتقديم واجب العزاء.
■ وإذا أثبتت اللجنة الثلاثية المكونة من مصر والسودان وإثيوبيا أن السد يضر بمصر.. هل سيتم استكماله؟
- إثيوبيا بوابة الخير لمصر، وأقول للمصريين كفى هذه الشكوك حول سد النهضة، لأننى متأكد بنسبة مائة بالمائة بأنه سيعود بالنفع الكبير على إثيوبيا والسودان ومصر، ولا أتوقع أن يسبب أى خسائر لمصر.
■ كيف ترى وفاة البابا باولوص فى الأسبوع الذى توفى فيه زيناوى؟
- إثيوبيا خسرت شخصيتين عظيمتين، لهما مكانة كبيرة، ليس فقط فى إثيوبيا، إنما فى عموم أفريقيا، الأب باولوص لم يكن مجرد رجل دين يقوم بالوعظ، إنما كان يتواصل مع الناس جميعاً، باختلاف أعمارهم مما جعل الأثيوبيين، مسيحيين ومسلمين، يرتبطون به ويعتبرونه رمزاً لإثيوبيا، كان رمزاً للسماحة والسلام، وكل من كان يزور إثيوبيا، من الشخصيات الكبرى، كان يحرص على زيارة الأب باولوص.
فعندما كنت وزيراً للثقافة والسياحة كانت تربطنى علاقات شخصية به، وحين زار البابا باولوص مصر، مؤخراً، حرص على لقاء شيخ الأزهر، وكان اللقاء حميمياً للغاية، وكأنهما يعرفان بعضهما البعض منذ سنوات، وكان الحوار عن السلام والحب بين الديانات السماوية.
■ لماذا رشحك زيناوى سفيراً بالقاهرة فى هذه الفترة الحرجة من تاريخها؟
- علاقتى قوية بالجميع هنا، أثناء الثورة الديمقراطية الإثيوبية لجأت لمصر عام 1990، أحمى نفسى من النظام القمعى الذى كان يحكم أديس أبابا.. وأنا متابع جيد للحياة فى مصر، قرأت أدبها، خاصة روايات نجيب محفوظ، وأنا الآن أترجم رواية «حب تحت المطر» للغة الأمهرية، لكى يتعرف الإثيوبيون على الأدب المصرى وعلى أديبها العالمى نجيب محفوظ.