x

«التراويح».. قلوب الملايين تصلى «الجماعة» بفتوى عمر بن الخطاب

السبت 04-08-2012 15:03 | كتب: أسامة الشاذلي |
تصوير : محمد معروف

صفوف طويلة متراصة وخاشعة.. رجال ونساء.. أطفال وشباب وعجائز يتحاملون على أنفسهم للذهاب إلى التراويح، ليضيئوا القلوب الصائمة بنور التبتل لرب العباد. ربما لا يدرك الكثيرون أن هذه الصلاة تحديداً كانت جزءاً من باب اجتهاد فتحه بجسارة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ثانى الخلفاء الراشدين، فهو الخليفة الفقيه، والصحابى الجليل الذى أرسى معالم الدولة الإسلامية، وفتح الباب ليجتهد الناس فى أمور دينهم فيما بينهم، ليصلحوا بشرع رب العباد الدنيا الواسعة التى وهبها إياهم.

يقول «البخارى» فى صحيحه، و«مالك» فى «الموطأ»، وغيرهما عن عبدالرحمن بن عبدالقارى أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه ليلة فى رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلى الرجل لنفسه، ويصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهط، فقال عمر: إنى أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبى بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتى ينامون عنها أفضل من التى يقومون، يريد آخر الليل.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «له أن يصلى عشرين ركعة، كما هو مشهور من مذهب أحمد والشافعى.. وله أن يصلى ستا وثلاثين، كما هو مذهب مالك، وله أن يصلى إحدى عشرة ركعة، وثلاث عشرة ركعة»، خلال ليالى رمضان والتى تنتهى بحلول ليلة عيد الفطر. منذ الفتح العربى لمصر عرف المصريون التراويح فى رمضان مع الصلاة، فصلوها خلف الفاتح العربى عمرو بن العاص منذ رمضان الأول بعد الفتح، حتى عام 362 هجرياً الموافق 973 ميلادياً حتى استتب الحكم فى مصر للسلطان الفاطمى المعز أول سلاطين الدولة الفاطمية فى مصر، فمنع صلاتها، وأضاف القنوت فى صلاة الجمعة قبل الركوع، على مذاهب الشيعة، ثم غيّر فى أذان الفجر.

بقيت مصر أكثر من 200 سنة دون أن تقام فيها صلاة تراويح واحدة حتى جاءت دولة الأيوبيين السنية عام 567 هجرياً الموافق 1172 ميلادياً لتعود صلاة التراويح لتعمر المساجد التى ملأت بر وادى النيل حتى عصرنا هذا.

جاء «صلاح الدين» محملاً برفض عنيف لتراث الفاطميين فى مصر، ومنذ أيام حكمه الأولى قرر أن يتجه بالدولة نحو مذهب أهل السنة، فقرر إلغاء ما أضافه فقهاء الشيعة الفاطميون على العبادات، مثل الأذان، حيث أضافوا «حى على خير العمل»، بدلاً من «حى على الفلاح»، والجهر بالبسملة فى الصلاة، ومنع صلاة الضحى والتراويح، كما قام بمنع صلاة الجمعة فى الجامع الأزهر الذى أسسه جوهر الصقلى للحاكم بأمر الله الفاطمى ليكون مركزاً لنشر الفقه الشيعى فى مصر والمنطقة بشكل عام، خاصة بعد أن أصبحت مصر «دار الخلافة»، وكذلك منع الصلاة فى جامع الحاكم بأمر الله، واستمر هذا المنع 100 عام حتى أعاد الظاهر بيبرس فتح جامع الأزهر سنة 1266م.

وتعتبر صلاة التراويح المظهر الأكثر ارتباطاً بالدين فى مظاهر المصريين فى رمضان، والتى تشمل الفانوس والمسحراتى والكنافة والقطايف، وموائد الرحمن وغيرها، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين، خاصة فى الأيام العشرة الأواخر، وليلة ختم القرآن.

ومن الظواهر الجديدة فى هذا السياق، التى زادت فى السنوات الخمس عشرة الأخيرة، الإقبال على صلاة التهجد، التى تمتد من منتصف الليل حتى وقت السحور، كذلك يكثر الاعتكاف فى المساجد الكبرى، وتصل ذروة الفعاليات الرمضانية فى ليلة ختم القرآن، حيث يتوافد آلاف المصلين على المساجد الكبرى، بينما يلجأ البعض الذين لا يتحملون الإطالة فى الصلاة إلى مساجد صغيرة يصلى أئمتها بسور صغيرة وأرباع من القرآن.

وتكثر المساجد التى تقام فيها «التراويح» بأئمتها بسبب أصواتهم العذبة، مثل الشيخ رضا عبدالمحسن فى مسجد بلال بمدينة نصر، والشيخ أحمد رجب بمسجد الرحمن فى المعادى الجديدة، والشيخ محمد غرام بمسجد القاضى يحيى بالسيدة زينب، وهناك أيضا الشيخ محمود دعبس بمسجد التوحيد بشارع الجزائر، فضلا عن الشيخ عماد بسيونى بحدائق المعادى.

وفى حدائق القبة، هناك الشيخ عبدالرحمن الشحات، إمام الصلاة فى مسجد أهل السنة والجماعة، والشيخ أحمد عبدالتواب بمسجد النور فى دار السلام.

وفى الإسكندرية، يتوافد مئات الآلاف من المصلين ليملأوا مسجد القائد إبراهيم باشا الشهير، ليسمعوا من الشيخ حاتم فريد الواعر، ابن محافظة المنوفية، المعروف بصوته الشجى، ويتراص المصلون فى صفوف تملأ المكان والشوارع المحيطة ليؤمهم الشيخ الواعر.

وفى أسيوط يوجد الشيخ جمال علم، إمام المصلين بمسجد الصحابة، وفى مطروح يصلى الشيخ عبدالله كامل بمسجد الحلقة الشهير بالمدينة.

أما القارئ محمد جبريل، المعروف بصوته الندى، فيصلى من 15 إلى 18 رمضان بمسجد هايبر بالشيخ زايد، ومن 20 إلى 25 رمضان بالساحة الكبرى بالتجمع الخامس، وفى ليلة 27 رمضان يصلى الشيخ كعادته إماماً بالناس فى أول مسجد فى القاهرة، مسجد الصحابى الجليل عمرو بن العاص بمصر القديمة.

وفى جميع المحافظات، تبقى آذان المصلين وأفئدتهم فى ليلة استطلاع هلال العيد معلقة بفم المفتى، الذى ما إن يعلن أن الغد هو العيد حتى يهنئوا بعضهم البعض بعيد الفطر، وإذا أعلن أنه المتمم يهرعون إلى المساجد متزودين بآخر ليلة فى صحبة صلاة التراويح مع أطفالهم، ليعرفوا القلوب الصغيرة الطريق إلى بيوت الله.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية