ثلاثون يوماً تعتبرها الطرق الصوفية «كل البركة»، ففيها يعود لمصر وجهها الصوفى القديم، منذ ميلاد هلال الشهر وحتى «الختمة»، ليصبح رمضان «شهر النفحات» بحق.
فى شعبان من كل عام، تبدأ ماكينة العمل داخل المشيخة العامة للطرق الصوفية فى الترتيب لميلاد «الشهر المبارك»، فهو الأثر الأكثر بقاء على وجود صوفى قوى فى بر المحروسة، خاصة ليلة الرؤية ومواكبها، التى تشبه مواكب «تنصيب خليفة الأبدال» الصوفى الشهير، الذى لم يعد موجوداً بذات القوة والأثر منذ عقدين على الأقل.
على دقات الطبول الضخمة، ووسط الأناشيد الدينية بأشعار ابن الفارض «سلطان العاشقين» المصرى، وبأصوات منشدين من جميع أنحاء الجمهورية ينطلق موكب رؤية هلال رمضان، لكن «خط السير» وطريقة الاحتفال بالشهر المبارك اختلفا من الأسرة العلوية، وحتى عهد «الضباط الأحرار». يقول الشيخ على الخضيرى، شيخ الطريقة السعدية، رئيس لجنة الأضرحة بالمشيخة العامة للطرق الصوفية، إن «الموكب عادة حمل مسؤوليته الطرق الصوفية لتعريف المجتمع الإسلامى بنهاية شهر شعبان وأن اليوم الذى يلى المسيرة هو بداية شهر رمضان».
ويضيف شيخ السعدية: «الآلاف من مريدى ومحبى الطرق الصوفية يتجمعون فى ميدان الحسين والسيدة زينب حتى يصدر شيخ الأزهر - قديما - أو دار الإفتاء - حديثا - أن غدا شهر رمضان لينطلق الجميع فى مسيرة لإعلان المسلمين بنهاية شهر شعبان».
يشرح الشيخ اختلاف الموكب فى عهد أسرة محمد على باشا ثم الرؤساء جمال عبدالناصر والسادات، والرئيس المخلوع حسنى مبارك الذى يجلس الآن فى سجنه بمزرعة طرة.
يقول الخضيرى: «مسار الموكب اختلف من أسرة محمد على والرئيس جمال عبدالناصر عن عهدى السادات ومبارك حيث كان المتصوفة ينطلقون من مسجد السيدة زينب إلى مسجد الحسين، أى من الأخت إلى الأخ، إلا أن الزحام وزيادة الوافدين على القاهرة والكثافة السكنية خاصة جعلت الطرق الصوفية تتخذ قرارا تاريخياً لتقصير المسافة، فأصبح الموكب ينطلق من مسجد صالح الجعفرى، مؤسس الطريقة الجعفرية، إلى مسجد الحسين، وهى المسافة التى تستغرق ساعة ونصفاً سيراً على الأقدام، رغم أن المسافة لا تتعدى كيلو متراً يسير فيها المريديون وسط التواشيح الدينية على أغانى الطبول ويحضر المنشدون ودعاة الطرق لقراءة الأوراد احتفالاً بالشهر المبارك».
حسب رواية الشيخ، فقد حرص الملوك والرؤساء على حضور الموكب الصوفى منذ القدم، فأسرة محمد على الألبانية، كانت تحضر الموكب تقرباً من المصريين وعاداتهم.
المواكب الصوفية الثلاثة كانت كالتالى: الأول لاستطلاع رؤية هلال شهر رمضان المبارك، وتنطلق فى ليلة الرؤية لاستطلاع هلال الشهر بالعين المجردة، والثانى للاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى شهر ربيع الأول، والثالث احتفالا برأس السنة الهجرية.
يرصد الشيخ الخضيرى، تاريخ المواكب وحضورها فيقول: «كانت مواكب حافلة بحق.. عشرات الآلاف وربما مئات الألوف من الناس من كل مكان على أرض مصر، يتوافدون على المواكب، منهم المريد ومنهم صاحب الحاجة، ومنهم من جاء ليرى ويفهم ويتعلم من المشايخ، ومنهم من جاء مجاملاً لهذا العدد الهائل من المصريين الذى يتجمع فى مكان واحد، ومن أبرز من كانوا يواظبون على حضور المواكب، السلطان حسين كامل والملك أحمد فؤاد الأول والملك فاروق، أما فى العصر الجمهورى فقد حضر الرئيس جمال عبدالناصر والرئيس محمد أنور السادات فيما لم يحضر الرئيس مبارك منذ توليه رئاسة الجمهورية، رغم حضوره نيابة عن الرئيس السادات فى مواكب كثيرة».
قبل الموكب لهذا العام، أرسلت مشيخة الطرق الصوفية، دعوة لرئيس الجمهورية كى يحضر الموكب، وقال الشيخ مصطفى الصافى، عضو المكتب التنفيذى للطرق الصوفية، شيخ الطريقة الهاشمية، إن تلك الدعوة «عرف، حيث جرى العرف على دعوة الرئيس مع شيخ الأزهر ومفتى الجمهورية ووزير الأوقاف لاستقبال المسيرة والدخول معهم للاحتفال». لكن مرسى لم يحضر الموكب، الذى شاركت فيه غالبية الطرق الصوفية، وسط الآلاف من المريدين، فسر الشيخ الخضيرى موقف الرئيس محمد مرسى وقراره بعدم الحضور قائلا: «الرئيس يخشى من التيارات السلفية التى تحالفت معه ليصل إلى الرئاسة.. إنه يخشى من ردة فعلهم».