توالت ردود الأفعال العربية والإسلامية المنددة بنتائج الاستفتاء الذي أجري في سويسرا أمس الأول وأظهر أن نسبة كبيرة من الشعب السويسري يؤيدون حظر بناء مآذن المساجد في بلادهم، التي لا يتجاوز عدد المسلمين فيها 400 ألف مسلم، في الوقت الذي تعالت فيه أصوات بعض المتشددين في بعض الدول الأوروبية التي نادت باستفتاءات مماثلة لحظر بناء المآذن.
ففي القدس المحتلة انتقد الشيخ «محمد حسين» مفتى القدس والديار الفلسطينية نتيجة الاستفتاء وقال "إن هذا الاستفتاء يبث روح الكراهية والخلاف بين الأديان"، معتبرا أنه جاء مخالفا تماما لما نصت عليه الشرائع لسماوية، كما أنه مخالفا للقوانين والتنظيمات.
وأشار مفتي القدس إلى أن حرية الاعتقاد ومظاهر هذه المعتقدات كالمساجد والمأذن للمسلمين والكنائس للمسيحين يجب آلا يكون عليه استفتاء أو تدخل فى شئون العبادة والعقيدة، داعيا المجتمعات فى القرن الحادى والعشرين أن تمد جسور المحبة والاحترام والتى تمثل عقائد الآخرين.
وفي الأراضي المحتلة أيضا، أعتبر التجمع الوطنى المسيحى إن نتيجة الاستفتاء "خرق لمبادىء حرية المعتقدات".
وقارن «ديمترى دليانى» رئيس «التجمع الوطنى المسيحى»، ذلك بقرارات الاحتلال الإسرائيلى المشابهة فى مضمونها، مثل منع ظهور الصلبان المضيئة على أسطح الكنائس المطلة على مستوطنات يهودية فى ضواحى القدس المحتلة، ومنع الاحتلال رفع الأذان فى المناطق التى يستوطن بالقرب منها يهود متدينون، مشيدا في الوق نفسه بموقف الكنائس السويسرية؛ حيث عبر رجال الدين المسيحى عن استيائهم من منع بناء المآذن، ليؤكدوا أن هذا الإجحاف بحقوق المسلمين فى سويسرا مصدره عنصرى قومى سياسى وليس دينى، وخاصة أن حزبا يمينيا متطرفا غير متدين هو الذى فرض الاستفتاء ونظم الحملة الإعلانية المعادية للإسلام والمسلمين التى سبقته.
وفي لبنان، حذر العلامة الشيعي اللبناني «محمد حسين فضل الله» من أن التحريض المتواصل الهادف إلى إيجاد حالة من العنصرية في الغرب ضد المسلمين، من شأنه أن يعود بالضرر على غير المسلمين.
ورأى «فضل الله» - في تصريح له اليوم الثلاثاء - أن الحملة الدعائية التي استهدفت إثارة الرأي العام السويسري تهدف إلى تقديم صورة مشوهة ومخيفة عن الإسلام والمسلمين، داعيا الغربيين إلى القيام بدراسات اجتماعية ميدانية للتعرف أكثر على المسلمين.
واعتبر أن هذا الاستفتاء شأنه أن يقسم المجتمع، مشيرا إلى أن انقسام أي مجتمع يهدد الوئام الذي يعتبر هو القاعدة الرئيسية لإدارة حركة التطور والتقدم والإزدهار، محذرا من وجود عمل منتظم منذ أحداث 11 سبتمبر لايجاد هوة مصطنعة بين المسلمين ومواطنيهم في البلدان الغربية.
من جهته، قال «عبد العزيز بن عثمان التويجري» مدير عام المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الايسيسكو» إنه حزين جدا لتصويت الناخبين في سويسرا على قرار منع بناء المآذن، معتبرا أن هذا القرار "روح ضيقة وغير متسامحة ونحن نعيش في مجتمع يمارس حرية الشعائر الدينية".
وأضاف التويجري الموجود بتونس للمشاركة في أعمال ندوة حول اقتصاد المعرفة "لقد صدمنا بهذا القرار خاصة وأن سويسرا من الدول المحايدة والمعروفة بتفتحها".
وفي مؤشر خطير على الانعكاسات السلبية المحتملة لهذا الاستفتاء على أوضاع المسلمين في بقية الدول الأوروبية، طالب اليمينيون الدنماركيون بإجراء استفتاء مماثل في دولتهم، التي لا يوجد بالفعل مآذن في مساجدها.
وفي باريس، استبعد المتحدث باسم الحكومة الفرنسية «لوك شاتيل» إجراء فرنسا لنقاش بشأن حظر بناء المآذن في البلاد مثلما حدث في سويسرا، مشيرا إلى أن الدستور الفرنسى ينص على العلمانية ولكنه أيضا ينص على التعبير عن حق العبادة والحرية الدينية.
وقال شاتيل، خلال حديثه لراديو «ال سى اى» إن فرنسا بعيدة تماما عن الوضع الحالى في سويسرا التي صوتت لصالح حظر بناء المآذن، موضحا أن فرنسا جمهورية اختارت أن تكون علمانية ولكنها تحترم في نفس الوقت ديانة كل مواطن.
وأضاف أن النقاش الحالى في فرنسا بشأن حظر ارتداء النقاب لا يقارن بمسألة حظر بناء المآذن، لان النقاب يتعدى مسألة التعبير الدينى فهو ينطوى على اعتداء على حرية المرأة وعلى حرية التعبير.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت أمس أنها بصدد دراسة مدى شرعية الحظر على بناء مآذن جديدة في سويسرا. وقال متحدث باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف إن خبراء من المنظمة سيدرسون ما إذا كان الحظر يتوافق مع القانون الدولي.
وأوضح «نيجل رودلي» الخبير بالأمم المتحدة، أن المجلس الاتحادي الحاكم في سويسرا أقر بأن الاستفتاء لا يمثل فقط انتهاكا للدستور السويسري، بل أيضا لاتفاقات الأمم المتحدة، ورغم ذلك سُمح بإجراء الاستفتاء.
ويقيم في سويسرا وفقا للمكتب الفدرالي للإحصاء 340.000 مسلما ينحدرون من أكثر من 100 دولة، وتذهب التقديرات إلى أن عدد المسلمين في سويسرا سنة 2010 سوف يصل إلى 400.000 نسمة، ولا يزيد عدد المساجد على أربعة، إلا أن هناك نحو 120 مصلى في مختلف أرجاء البلاد، ونحو 100 مصلى غير رسمي، وقد رفض مجلس مدينة «برن» عام 2007 خطط بناء أحد أكبر المراكز الثقافية الإسلامية في المدينة.