كلما كانت هناك انتخابات رياضية.. يبدأ الحديث عن حياد الإعلام الرياضى وضرورته وعدم انحيازه أو تأييده لمرشح دون آخر.. ورغم احترامى لكل من ينادون بهذا الحياد ويطالبون به، إلا أننى لا أؤمن أو أقتنع به.. فالحياة كلها لا تعرف مثل هذا الحياد.. وكل إنسان منا يعيش حياته على هذه الأرض وهو يحب ويكره ويقبل ويرفض ويؤيد ويعارض ولا يعرف مثل هذا الحياد مع بشر يتعامل معهم أو كل الأشياء حوله من طرقات وثياب وطعام وألوان وفنون.. ولا يمكن تخيل أن هناك إعلاميا يعيش وسط أحداث الرياضة وشواغلها وهمومها ووقائعها وليس له رأى فى كل شىء أو أحكام ومشاعر تكونت يوما بعد يوم وحكاية بعد أخرى.. وليست جريمة أو فضيحة أن يختار هذا الإعلامى مرشحا رياضيا يؤيده احتراما له واقتناعا بأنه الأصلح والأنسب..
إنما الجريمة أو الفضيحة هى أن يعلن الإعلامى أو أى شخص آخر حياده ثم نجده لا يمارس هذا الحياد مطلقا طول الوقت فيما يفعله أو يقوله.. أو ينحاز أى أحد لأى مرشح ثم فجأة يثور ويصرخ وينتفض غضبا ضد كل من ينحاز لمرشح آخر لا يؤيده ويطالبه بالحياد.. أو يؤكد أى أحد حياده ظاهريا دون أن يمنعه ذلك من ترويج أكاذيب وشائعات ضد من لا يؤيده.. أو ينحاز أى أحد لأى مرشح ويرى ذلك حقا طبيعيا له ثم يتهم كل من ينحاز لمرشحين آخرين بالفساد والبحث عن مصالح ومكاسب ومطامع..
وهكذا يتحول هذا الحياد إلى مجرد ستار يختبئ وراءه كل من لا يعرفون هذا الحياد ولا يريدونه أو يطيقونه.. صحيح هناك من يعلنون الحياد ويطالبون به ويمارسونه ويلتزمون بكل قواعده.. لكنهم قليلون جدا، وغالبا يخفت صوتهم ولا يلتفت إليهم أحد فى كل انتخابات رياضية فى بلادنا تتحول بسرعة ومنذ اللحظة الأولى إلى حرب تغيب عنها الضمائر والأخلاق ويجوز فيها استخدام كل الأسلحة والوسائل القبيحة وغير المشروعة..
تماما مثلما هناك من يرفضون الحياد ويعلنون انحيازهم دون أن يدفعهم ذلك لأى ممارسات غير مشروعة أو يطاردون الآخرين المنافسين بأى أكاذيب لتشويه الصورة والسيرة.. انحياز هؤلاء لا يدفعهم إلى اتهام وإهانة من يؤيدون آخرين ولا يجعلهم يتخيلون أن من ليسوا معهم هم مجرد مأجورين أو يبيعون ضمائرهم وأصواتهم لمن يدفع الثمن.. فالحياة فى أبسط حقائقها وصورها هى حق الاختيار.. حقك فى اختيار من تؤيده وتتمنى نجاحه دون أن يصبح هذا الحق هو عارك وخطيئتك التى تستوجب قذفك بالطوب أو غرس الأشواك فى اسمك وعقلك وقلبك.. وإذا كان هناك من كانوا قديما يطالبون الإعلام الرياضى بالحياد ضمانا لنزاهة الانتخابات وعدم التأثير على الناس واختياراتهم.. فهؤلاء لا يعرفون أن هذا التأثير لم يعد له وجود وسط غابة إعلامية وإلكترونية لا أول لها أو آخر.. كما أن الناس من فرط ما عاشوه من أحداث وصدمات وتقلبات باتوا أكثر حكمة وأقوى من أن يفرض أى أحد عليهم فكرة ورأياً أو شخصاً واختياراً.