أعرف أن الكلام سلباً عن إسرائيل يزعج الكثير من المتأسرلين والمتأمركين فى مصر وما أكثرهم!، لذا سوف أحاول أن أكون إيجابياً فى الحديث عن إسرائيل، ولن أقول العدو الصهيونى، ذلك أن هذا التعبير يزعجهم أيضاً، رغم أن إسرائيل نفسها قد اعتادته، إلا أن أنصارها اعتادوا أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، كما يبدو من سلوكهم فى المزايدة تجاه الأوضاع الداخلية، ولأنهم نافذون مسيطرون فلا نريد الدخول فى مهاترات من أى نوع، فقط سوف نحاول تهنئة إسرائيل، علَّنا نمتص غضب الجماعة إياهم تجاه ما نكتب وما نقول.
على ماذا نهنئ إسرائيل؟ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أعلن أمس الأول أن (التعاون الحالى بين تل أبيب والدول العربية شهد تطوراً غير مسبوق، مؤكداً أن ذلك التعاون أصبح أكبر مما كان عليه حين وقّعت إسرائيل معاهدات سلام مع مصر والأردن)، صحيفة «جيروزاليم بوست» نقلت عن نتنياهو قوله: (من الناحية العملية، هناك تعاون بطرق مختلفة وعلى مستويات مختلفة مع الدول العربية، ورغم أنها ليست علنية، إلا أنها أكبر بكثير من أى فترة أخرى فى تاريخ إسرائيل، وهذا تغيير كبير نمُرّ به).
فى اليوم نفسه الذى صدر فيه تصريح نتنياهو، نشرت صحيفة «هاآرتس» أن إسرائيل لاتزال مستمرة فى بيع السلاح للجيش النظامى فى دولة ميانمار، وأن وزارة الدفاع ترفض تجميد صفقات السلاح معها، رغم استخدامه فى قتل المسلمين «الروهينجا» هناك، مشيرة إلى أن الجنرال فى جيش ميانمار «مين أونج هلينج» قام بزيارة إلى إسرائيل عام ٢٠١٥، التقى خلالها عددا من المسؤولين، وقام بتوقيع عقود لصفقات سلاح، وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل كانت تبيع السلاح طوال السنوات الماضية إلى ما وصفته بـ«الديكتاتورية العسكرية فى بورما».
تهنئة إسرائيل هنا ليست على علاقاتها المتنامية مع العرب فقط، وإنما على تنامى هذه العلاقات بالتزامن مع استهداف المسلمين حتى خارج الجغرافيا العربية، لم يعد شعار من النيل إلى الفرات كافياً، لم يعد الأمر يتوقف على احتلال دولة بكاملها اسمها فلسطين، أو احتلال الجولان السورى، أو القصف شبه اليومى للأراضى السورية، أو الوجود المخابراتى المكثف فى العراق وعمليات الاغتيال المنظمة لعلماء العراق خلال السنوات الماضية، أو الدعم العسكرى لأكراد العراق وتحفيزهم على الانفصال، أو دعم المعارضة السورية بالمال والسلاح واستضافة الجرحى للعلاج بالمستشفيات الإسرائيلية.
وسط كل هذا الزخم من العداء الإسرائيلى للعرب والمسلمين بصفة عامة، حتى وصل الأمر إلى مسلمى بورما، يخرج نتنياهو مشيداً بتنامى العلاقات العربية الإسرائيلية على مستويات مختلفة، على حد قوله، وسط أنباء عن لقاءات قادة خليجيين بساسة إسرائيليين، وأنباء أخرى عن تعاون استخباراتى وتنسيق وتدريب عسكرى، وكان الكشف عن كل هذه الممارسات مصدره وسائل الإعلام الإسرائيلية فى الوقت الذى تراه مناسباً، وسط صمت تام من الأطراف الأخرى المعنية، التى ترى فى إسرائيل درعاً واقية من أطماع الدول الشقيقة والصديقة!
وسط كل هذه التطورات أصبحت القضية الفلسطينية فى خبر كان، بعد أن كانت قضية العرب الأولى، أصبحت المقاومة الفلسطينية إرهاباً، طبقاً للتعريفات العربية فى المرحلة الراهنة، كما أصبحت المفاوضات حول أى تسوية من الماضى هى الأخرى، بعد أن اختفى كل ما من شأنه إجبار الطرف المحتل على الجلوس على مائدة مفاوضات، الاستسلام الرسمى العربى أصبح أمراً واقعاً فى ظل أنظمة هشة، كما أن التغييب الشعبى أصبح أمراً طبيعياً فى ظل التوترات الداخلية فى كل الأقطار دون استثناء، وفى ظل دور إعلامى لا يقل أهمية، آلى على نفسه الانبطاح، ومناهج تعليمية سارت على الطريق نفسه، وهو الأمر الذى يوجب علينا أيضاً تهنئة إسرائيل.
إسرائيل، أيها السادة، سوف تظل الشوكة المسمومة فى الخاصرة العربية والإسلامية، ليس من المحيط إلى الخليج فقط كما كنا نرى فى السابق، وإنما فى كل مكان بالعالم، السلاح الإسرائيلى فى سوريا، كما فى العراق، كما فى المناطق الكردية، كما فى اليمن، كما فى بورما، كما فى كشمير، كما فى أفريقيا الوسطى، الهيمنة الإسرائيلية لم تعد من خلال الصهيونية العالمية فى الغرب أو الولايات المتحدة، بعد أن امتدت إلى القارتين الآسيوية والأفريقية، وما دور إسرائيل فى دول حوض النيل وسد النهضة الإثيوبى تحديداً إلا أكبر دليل، لذا يبدو فى المنظور القريب على الأقل أننا سوف نظل نهنئ إسرائيل كثيراً وطويلاً، إلى أن يكشف الله عنّا الوباء والبلاء والغباء والعملاء.