x

عبد الناصر سلامة معاش الحياة والموت عبد الناصر سلامة الأربعاء 06-09-2017 21:40


فى كل الدول المتحضرة يمكن أن يتزايد دخل المواطن بمجرد خروجه إلى المعاش، قد يحدث ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر، قد يحصل على مميزات لم تكن من حقه حين كان فى الخدمة، كل الجهات الرسمية وغير الرسمية تتبارى فى تقديم المنح والخدمات، شركات الطيران تمنح المتقاعدين تذاكر سفر مجانية لمساعدتهم وتحفيزهم على السياحة والتجوال، شركات النقل العام تمنحهم بطاقات ركوب مجانية، فنادق الخمسة نجوم تمنحهم تخفيضات كبيرة، المتاحف والمسارح والملاهى ودور السينما أيضاً، عن الخدمات الصحية حدث ولا حرج، باختصار يمكن القول إن المواطن فى أوروبا وكندا والولايات المتحدة على سبيل المثال سوف يشعر بقيمته فى الحياة بمجرد أن يبلغ سن التقاعد عن العمل.

فى بلادنا أو فى بر المحروسة تحديداً، يمكن، بلا مبالغة، اعتبار الخروج إلى المعاش نوعا من الإعدام أو الوفاة، وذلك بعد خدمة فى موقع العمل دامت عشرات السنين، فى الوقت الذى مازال يستطيع فيه العطاء، وليست هذه هى المشكلة، ذلك أن المشكلة الأهم تكمن فى مقدار المعاش الذى سوف يتقاضاه هذا الموظف أو ذلك العامل حال خروجه إلى التقاعد، أو الذى سوف تحصل عليه أسرته حال وفاته، والذى يصل أو يزيد بالكاد على ١٠٠٠ جنيه- أُكرر ألف جنيه- فى ظل هذه الظروف بالغة السوء والغلاء التى تمر بها البلاد، نحن هنا نتحدث عن كل طوائف الشعب، باستثناء طائفتى الجيش والقضاء وبعض المواقع القيادية، ليس من خلال قوانين نظمت ذلك عن طريق حوار مجتمعى واضح، وإنما من خلال امتيازات فى غفلة من الزمن.

هذه الطريقة فى التعامل مع موظفى الدولة أشبه بالتعامل مع خيل الحكومة، الذى سوف يتم إطلاق الرصاص عليه بمجرد العجَز، ذلك أننا لن نستفيد منه فى الوقت الذى سوف يحتاج فيه إلى نفقات، على الرغم من المتغيرات الكثيرة التى شهدها المجتمع خلال العقود الأخيرة، والتى لم توضع فى الاعتبار خلال سن أى قوانين جديدة، ومن بينها ارتفاع معدلات الأعمار مقارنة بالقرون السابقة ما جعل سن الخروج إلى المعاش أيضاً فى حاجة إلى إعادة نظر، أضف إلى ذلك ارتفاع سن الزواج خلال العقود الأخيرة بسبب الأزمات الاجتماعية المختلفة، والتى جعلت نسبة ليست قليلة من المحالين إلى المعاش مازالوا فى طور تربية أطفال والإنفاق على مراحل تعليم مختلفة، ناهيك عن أن عملية التأمين الصحى لدينا لا تفى بالغرض تجاه أى مواطن، إلى غير ذلك مما يجعلنا أمام عملية قاسية شكلاً ومضموناً، تعانى منها ملايين الأُسر والأفراد.

لم يكن غريباً إذن أن نشاهد من خرجوا إلى المعاش، ممن هم فى سن الستين أو السبعين، أو ما هو أكثر، وهم يعملون فى مهن متدنية شاقة، فى محاولة للحصول على أقل القليل مما يساعدهم على مواجهة متطلبات الحياة، هذا إذا وضعنا فى الاعتبار أن ظروفهم الصحية تساعدهم على ذلك، أما من يمر منهم بظروف صحية غير مستقرة، فقد يكون التسول أو التشرد مصيره، فى ضوء ما يشهده المجتمع من شظف فى العيش، لم يعد يستطيع معه الابن مساعدة أبيه أو حتى أمه أو شقيقته، وأيضاً فى ضوء المتغيرات الأخلاقية التى أصبح فيها التكافل المجتمعى من الماضى.

فى الماضى كنا ننشأ على عقيدة مؤداها أن كبار السن هم البركة التى نعيش من خلالها، الآن توارت هذه العقيدة فى عصر الماديات والعقوق، فى الماضى أيضاً كان هناك الكثير من الوظائف بانتظار المُحال إلى المعاش باعتباره خبيراً نادراً وجوده فى المجتمع، الآن لم يعد الأمر كذلك مع وفرة الخريجين الذين لا يجدون عملاً، فى الماضى أيضاً كان توقير الكبير أمراً طبيعياً، فى الشارع، كما فى وسائل المواصلات، كما فى الزحام، كما فى أى موقع، الآن لم يعد الأمر كذلك فى ظل تربية مدرسية ومنزلية غاية فى السوء.

بالفعل، أمر أصحاب المعاشات ككل فى حاجة إلى إعادة نظر، سواء ما تعلق منه بدور الدولة ممثلاً فى مقدار المعاش، أو ما تعلق بدور الأسرة، أو ما تعلق بدور الشارع، أو ما تعلق بدور الجهات المختلفة، والتى كان يجب عليها أن تقدم ما تستطيع من عون وتسهيلات وتخفيضات لأصحاب المعاشات، كل فى مجاله، إلا أن مقدار المعاش والحصول على خدمة طبية متميزة سوف يظلان القضيتين الأبرز فى حياة هذه الطائفة من البشر، الذين هم فى نهاية الأمر أجدادنا وأباؤنا وأمهاتنا وأشقاؤنا وشقيقاتنا، ثم بعد ذلك نَحْنُ فى المستقبل القريب أو البعيد، بمعنى أنها قضية المجتمع ككل، وليست فئة بعينها.

لم يعد مقبولاً بأى شكل من الأشكال رؤية مثل هذه التظاهرات أو الاحتجاجات التى يقوم بها أصحاب المعاشات للمطالبة بحقوقهم، أو المطالبة بسرعة سداد معاشاتهم الزهيدة، أو حتى مجرد النزول إلى الشارع لمثل هذا الغرض أو ذاك، كما ليس مقبولاً أيضاً استغلالهم سياسياً لسبب أو لآخر بدعوتهم إلى التظاهر والاحتجاج معظم الوقت، نحن أمام الفئة التى يجب أن تحصل على أعلى تكريم فى المجتمع، أياً كانت الوظيفة السابقة، أو أياً كانوا بلا وظيفة فى يوم من الأيام، ففى الحديث الشريف: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيِرَنَا)، ثم بعد ذلك نسأل عن سبب ما نحن فيه من بلاء وشقاء!!.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية