الأضاحى تراجعت هذا العام بنسبة تراوحت بين ٢٥٪ فى بعض المحافظات و٦٠٪ فى محافظات أخرى، ارتفاع سعر الأضحية كان سبباً مباشراً، شعبة أصحاب المدابغ والجلود بغرفة القاهرة التجارية توقعت تراجع كمية جلود الأضاحى هذا العام إلى ٨ أو ٩ ملايين قطعة، مقارنة بنحو ١٠ إلى ١٣ مليونا العام الماضى، وهو ما سوف يتسبب فى ارتفاع أسعار منتجات الجلود على المدى القريب، بعض تجار المواشى تحدثوا عن تراجع تصل نسبته إلى ٦٠٪، بعض الاقتصاديين تحدثوا عن نحو ٣٥٪. الملاحظ أن البعض لجأ فى الأضحية إلى الخراف نظراً لانخفاض أسعارها مقارنة بالمواشى، البعض الآخر لجأ إلى الصكوك، البعض الثالث لجأ إلى أسلوب المشاركة، نسبة ليست قليلة أحجمت عن هذه وتلك.
خلال العقدين الأخيرين كانت الأضحية قد أصبحت بمثابة تقليد عام أكثر منها شعيرة دينية، كان التكافل الاجتماعى هو الرابح من هذا التقليد، الفقراء كانوا ينتظرون عيد الأضحى بشغف كبير، ربما هو المناسبة الوحيدة أو حتى الرئيسية التى يمكنهم من خلالها الحصول على اللحوم بعد أن ارتفعت أسعارها لأرقام خيالية، الآن لم يعد الفقراء فقط هم المعنيين بالأمر، الطبقة المتوسطة هى الأخرى دخلت على الخط، هى بحُكم الواقع لم تعد متوسطة، أصبحت أقل من ذلك بكثير، جاز لها أيضاً أن تنتظر نفحات الأضاحى، إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهى السفن.
فى السابق كان يمكن مشاهدة عدد كبير من الأضاحى فى العمارة الواحدة عقب صلاة العيد، المشهد هذا العام كان محزناً، فى القرية كان الوضع كذلك، هو دليل صارخ على ما حل بالأمة المصرية خلال العام الماضى تحديداً منذ تعويم الجنيه، أو بمعنى أدق منذ انهيار قيمة الجنيه، رأس البقر أو الجاموس التى كان يبلغ قيمتها عشرة آلاف جنيه، أصبح سعرها يزيد على العشرين ألفاً، منهم لله من كانوا سبباً، منهم لله من أفقروا الميسورين وحرموا المحرومين، وأشاعوا النكد بين خلق الله أجمعين.
النتيجة الطبيعية كانت اللاعيد، هو أقل وصف يمكن من خلاله التعبير عن الحالة، معظم الناس يتحدثون عن أنهم لم يشعروا بقدوم العيد هذا العام، لم تكن الأضاحى أو اللحوم فقط هى السبب، العوامل فى ذلك كثيرة، المحور الرئيسى هو الفاقة أو الفقر الذى حل بالمصريين إلا ما ندر، كل الإجراءات الاقتصادية الأخيرة لم يتضرر منها سوى الفقراء أو من هم على أعتاب الفقر، حتى التكافل الاجتماعى تضرر هو الآخر، التكافل الاجتماعى فى المناسبات الدينية، كما فى الزواج والمناسبات السارة عموماً، كما فى الوفاة والنكبات والكوارث أيضاً، كما فى الشارع مع التسول والتشرد.
الأمر أيها السادة حينما يتعلق بالغذاء لابد من وقفة، من حق الجميع أن يأكل، أغنياء كانوا أم فقراء، نسبة ليست قليلة من العامة أصبحت تحجم عن إرسال أبنائها للتعليم، حتى ما يسمى تعليماً إلزامياً، مرحلة التعليم الأولى، نسبة ليست قليلة لم تعد لديها استطاعة الحصول على الدواء، سلَّمت أمرها لله، ليس هناك ما يستحق الحياة، نسبة ليست قليلة أصبحت تحصل على ملابسها من الجمعيات الخيرية، جديدة أم بالية لم يعد الأمر مهماً، نسبة ليست قليلة أصبح مأواهم الشارع ومهنتهم التسول.
إذن، لم نكن أبداً فى حاجة إلى زيادة الفقير فقراً، أو زيادة نسبة الفقراء بضم قطاعات جديدة إليهم من خلال إجراءات يدافع عنها البعض باعتبارها ملاذ نهضة الأمة!!، فى الوقت الذى يتم إنفاق مليارات الجنيهات على مشروعات قد لا نكون فى حاجة إليها، لا فى هذه المرحلة ولا فى مراحل مقبلة، كان من المفترض أن تكون المهمة الأساسية للحكومة- أى حكومة- هى كيفية القضاء على الفقر، أو كيفية الحد من نسبة الفقراء، أو كيفية الارتقاء بمستوى الأسرة المصرية عموماً، أما وقد ارتفعت نسبة من هم دون خط الفقر من ٢٣٪ إلى ٣٣٪ دون أن يُحرّك ذلك ساكناً لدى المسؤولين، فنحن أمام أزمة ضمير بالدرجة الأولى.
سوف تظل أضحية ٢٠١٧ ميلادية، أو ١٤٣٨ هجرية دليلاً دامغاً على الحالة المزرية التى وصلت إليها الأمة المصرية فى ظل هذه السياسات العقيمة، فى الوقت الذى يتواتر فيه الحديث عن تراجع أسعار الأضاحى واللحوم بصفة عامة فى العالمين العربى والإسلامى، على اعتبار أن التكافل الاجتماعى، من خلال الزكاة والصدقات، يصب فى نهاية الأمر فى مصلحة الدولة الرسمية، ذلك أنه يرفع عن كاهلها مسؤولية كبيرة تتعلق بغذاء الفقراء على الأقل، والذى يقع على عاتق الدولة بالدرجة الأولى قبل أن يكون مهمة الأفراد أو حتى الجمعيات، وهو ما لم ينتبه إليه بعض المشرعين، الذين ينظرون طوال الوقت إلى الميسورين على أنهم لا يستحقون ذلك.
على أى حال، كل ما نأمله حين الحصول على الآلاف من رؤوس الماشية من بعض البلدان الأكثر إنتاجاً فى هذا المجال، مثل السودان والصومال وإثيوبيا وأستراليا، أن تصل للمستهلك بأسعارها الحقيقية التى جاءت بها، وحين الحصول على كمية كبيرة من لحوم أضاحى الحجاج أن تصل للفقراء بالطريقة التى جاءت بها أيضاً، أى دون مقابل، لأن ما دون ذلك هو استنطاع يصل إلى حد الفساد والإفساد، ولا نريد توصيفه بأكثر من ذلك.