x

مي عزام الزمن ..ابنة 18 فى مواجهة سيدة الأربعين (2) مي عزام الثلاثاء 09-08-2016 21:29


(1) محمود درويش أول شاعر عربى يتغزل فى امرأة اربعينية ، فى قصيدته الشهيرة "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" يصفها وصفا بديعا: "سيدة تترك الأربعين بكامل مشمشها" مزهرة ومثمرة وخلابة ، تذكرت هذا البيت الفريد فى شعر الغزل العربى، وأنا أتابع جولييت بينوش فى فيلمها "سحب سيلس ماريا "فهى تترك الخمسين بكامل مشمشها فى هذا الفيلم، إنتاج (2014) مستواه الفنى عادى، لكن مخرجه الفرنسى أوليفييه أسايس الذى كتبه أيضا،عن فكرة لجولييت بينوش، أخفق فى ان يجعل منه فيلما دراميا قويا تتصاعد أحداثه دون خلخلة تفسد تماسكه رغم قوة الفكرة. الممثلون نقطة القوة فى الفيلم ،أجادت جولييت بينوش فى دور النجمة السينمائية الاربعينة ماريا انديريس وبرعت كريستين ستيوارت فى دور" فال "مساعدتها الشخصية (حازت عن دورها على جائزة سيزار أحسن دور ثانوى)، لكن بعيدا عن فنيات الفيلم ، فالموضوع ثرى ومكمل للمقال السابق ، فهو يدور على علاقتنا بالزمن وإحساسنا بتقدم العمر ومدى تقبلنا لذلك .

(ماريا تتألق كنجمة فى بداية الفيلم )

(2) الفيلم قصة داخل قصة، وكلتاهما مرآة للأخرى وانعكاس لها، القصة الأولى تدور حول مسرحية "ثعبان مالوى" لكاتب سويسرى يدعى فى الفيلم ويليام ميلكيور، الذى حولها لفيلم مثلت فيه ماريا من 20 عاما دور سيجريد الفتاة الشابة الطموحة ذات العشرين ربيعا التى تقع مديرتها الأربعينية هيلين فى غرامها، ولكن سيجريد تستغلها فى البداية ثم تنبذها بقسوة لتختفى هيلين من الحياة ولا أحد يعرف هل انتحرت أم سافرت بعيدا، بعد مرور 20 عاما على هذا الدور يعرض عليها مخرجا مشهورا "كلاوس" أن تمثل نفس المسرحية ولكن هذه المرة أن تجسد دور هيلينا، تقبل فى البداية اكراما لمؤلف المسرحية وصانع الفيلم الذى انتحر قبل ايام من تكريمه، وكانت تكن له تقديرا خاصا فهو الذى اكتشفها واعطاها فرصتها السينمائية الأولى وظلت علاقتها به وبزوجته قوية، واختارها لتتسلم نيابة عنه جائزة تقدير خاصة فى زيورخ التى سافرت إليها من باريس بالقطار بصحبة مساعدتها الشخصية فال. علاقة ماريا بفال انعكاس للمسرحية وكأنها الجانب الآخر من المرآة، فهى فى الأربعين من عمرها نجمة سينمائية شهيرة وثرية حياتها الزوجية انتهت وهى فى خضم قضية طلاق رفعتها على زوجها ، سيدة تملك الكثير ولكنها تشعر بوطأة الزمن وهشاشة صورتها الذاتية. حالة من التجاذب والتنافر بين ماريا وفال بسبب انتماء كل منهما لجيل مختلف، اهتماماتهما ورؤيتهما للأمور مختلفة، فرغم محاولة ماريا السخرية من آراء فال عن التمثيل والسينما وتسفيهها فهى تحتاجها وتطلب منها البقاء حين تعرض عليها فال الاستقالة من الوظيفة بما أن آراءها لا تنفعها . فى الفيلم مشهد يفسر ارتباك مارى الذى عاشته هيلين من قبل، لقطة تظهر ماريا وهى تسترق النظر إلى فال وهى نائمة على فراشها فى حجرتها بملابسها الداخلية وعلى وجهها تبدو نظرة حائرة ربما مزيج من الحسرة والإعجاب، ليس فيها شهوة أو رغبة، وهى نفس المشاعر التى كانت تكنها قبل 20 عاما لمكتشفها كاتب مسرحية "ثعبان مالوى" كما اعترفت لفال .



( ماريا فى حوار مع مساعدتها فال)

(3) تستعد ماريا لدور هيلين بقصة شعر مثل الرجال، لتتحول إلى شخصية المرأة التى تضع قناع الجدية الذكورى لتخفى وراءه العواطف الجياشة والرومانسية، وتبدأ فى التدريب على الدور فى منزل الكاتب فى سيلس ماريا وهى منطقة جبلية نائية تطل على ممر مالوى، الذى تتجمع فيه السحب الآتية من البحيرات الايطالية لتسبح فوقه وتبدو وكأنها ثعبان يتلوى ومن هنا جاءت تسمية المسرحية بثعبان مالوى، تترك لها زوجته روز المنزل لتحقق لماريا العزلة التى تحتاجها وهى تستعد نفسيا لتقمص دور هيلينا الذى تكرهه، فهو يمثل لها الضعف وقلة الحيلة والانهزام أمام شباب سيجريد العاصف القاسى والأنانى، وهى تعترف لفال انها سيجريد مازالت تعيش بداخلها، فهى تمثل لها الإيجابية فى حين تمثل هيلين لها السلبية.

(4) أختار مخرج المسرحية "كلاوس "ممثلة هوليوودية شابة لدور سيجريد وهى "جوان " لها الكثير من الفضائح والعلاقات الغرامية الصاخبة ، تجدها فال موهوبة وذكية وهى ممثلتها المفضلة لانها غير مصطنعة على عكس نجمات هوليوود ،لكن ماريا تجدها نزقة سطحية بعدما شاهدت أحد افلامها ويدور فى الفضاء ، لكن جوان استطاعت أن تحوذ على اعجاب ماريا بعد أن ابدت لها الاعجاب وقالت لها انها السبب فى رغبتها فى ان تكون ممثلة ،كان هذا الاطراء هو الطعم الذى التقطته ماريا ،وسرعان ما غيرت رأيها فى جوان ، التى بدت فى لقطة أخرى بعيدة كل البعد عن الكياسة فى معاملتها لماريا حين تقابلا مع المخرج فى مطعم حيث تجاهلت وجودها تماما وكأنها ليست موجودة وهو نفس الموقف الذى تفعله سيجريد مع هيلينا فى المسرحية .

(5) تحاول ماريا ان تلغى عقدها مع المخرج وتستشير محاميها ولكن تجد ان ذلك سيكلفها الكثير ، فترضخ للأمر فى النهاية وتحاول ان تتكيف مع الواقع ، وتنجح فى تقبل الأمر ولكن وهى مهزومة والمرارة تطفو على وجهها ، وثقتها فى النفس مهتزة ، فى آخر مشاهد الفيلم ، تقابل مخرج واعد يعرض عليها دور البطولة فى فيلم يحضر له وتجرى أحداثه فى المستقبل ، وهى نوعية كانت ماريا تسخر منها، ولكن رفضها هذه المرة كان نتيجة عدم ثقتها فى نفسها ، فهى ترى ان الدور يحتاج لإمرأة شابة وترشح له جوان ، فهى موهوبة وذكية وهى أقرب منها لجيله، ولكن المخرج يرد قائلا: انا لست معجبا بجوان ولا منتميا لجيلى، فهو ليس اختيارى، وشخصيتك فى الفيلم خارج الزمن إنها يمكن أن تكون فى عمر أين منا، أنا أو أنت.


( أخر لقطة فى الفيلم ماريا تجسد هيلين والزمن يرسم همومه على وجهها )

(6) الفيلم مواجهة بين الشباب ممثل فى سيجريد وجوان، والكهولة ممثلة فى هيلين وماريا، ليس هناك نهاية حاسمة ولا انتصار واضح ولكن مجرد وجهات نظر، فلا يمكن للحياة أن تصبح شبابا دائما، ولايمكن تخيل الحياة دون خبرة الكهولة.. لكنه خداع الزمن من يتحرر من قبضته يمكنه أن يستمتع بحياته حقا وليس كما أدعت النجمة الكبيرة سنا وموهبة وفعلت مثلها ماريا فى الفيلم.. أنه حديث طويل ممتد يمكن أن نعود إليه دوما ودائما.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية