x

مي عزام  العمر.. لماذا نتعلق بمرحلة الشباب؟ (1) مي عزام الإثنين 08-08-2016 20:33


(1) ابتسمت وأنا أتابع إحدى نجماتنا الكبار سنا وموهبة، وهى تتحدث في برنامج مذاع على إحدى الفضائيات العربية عن عدم خوفها من تقدمها في العمر، لأن كل مرحلة عمرية لها جمالها، وهى سعيدة بدور الأم لشباب جامعى، والذى جسدته في عملها الأخير، كما كانت سعيدة من قبل بأدوار الشابة المرحة المنطلقة، سبب ابتسامتى أننى شعرت أن النجمة التي باتت على أعتاب الستين من عمرها جاهدت كثيرا في إخفاء آثار الزمن الذي ادعت أنها لا تهابه، فهى أخفت تجعيدات الجبهة التي ينحتها الزمن وكذلك الكسرات تحت العين، آثار عملية التجميل كانت واضحة بالإضافة إلى ماكياج متقن بدت فيه وكأنها مازالت في الثلاثين من عمرها، استكملت صورتها الشبابية بجسد رشيق حصلت عليه بعد عمليات مرهقة لإزالة الدهون ونحت الجسم، وكانت حريصة على أناقتها.. هذه المرأة الجميلة اقتربت بالفعل من الستين ولكنها تبدو شابة!!.

(2) ماهو الشباب؟ هل هو المرحلة العمرية التي حددتها الأمم المتحدة من 15 إلى 24 سنة ؟هل يمكن أن يكون ذلك معيارنا؟ إننا نعيش زمن التنمية المستدامة للإنسان، فابن الثلاثين شاب في عرفنا وحتى أوائل العقد الرابع، الخمسين أصبح بداية الكهولة بعد أن كان بداية الشيخوخة.. ماذا حدث في العالم غير إحساسنا بالعمر؟ منذ عدة سنوات أصدر اثنان من أساتذة الفلسفة الفرنسيين بجامعة السوربون: «إيريك دوشافان» و«بيير هنرى تافايو» كتابا شيقا بعوان «معنى العمر»، تحدثا فيه عن أن المجتمعات الحديثة شهدت تحولا ديموجرافيا كبيرا نتيجة تغير متوسط الأعمار، كان متوسط العمر في فرنسا عام 1900 «43 عاما» فقط، أصبح 79 عاما عام 2000، في السابق كانت الطفولة تمثل حجرة انتظار الحياة، والشيخوخة حجرة انتظار الموت، أما الآن فلم يعد الأمر كذلك، لقد تغيرت مفاهيم العمر مع تغير العصر. مرحلة الشباب المحددة سلفا لم تعد مرحلة الحرية والانطلاق وعدم المسؤولية بل بالعكس فالحياة العصرية في البلدان الغربية تجبر الشاب من عمر 16 أو 18 على أن يبدأ الاعتماد على نفسه والبحث عن عمل والانتقال من منزل الأسرة ليعيش مستقلا ويبدأ المعاناة مبكرا. لكن بالرغم من ذلك فإن مرحلة الشباب في عصرنا هي المرحلة الأكثر جاذبية وقوة وتسلطا، كما أصبحت الطفولة المرحلة الذهبية، لا يمكن أن نفكر في المرحلتين بمعزل عن النظام الاقتصادى العالمى وثورة الاتصالات، الإنتاج الوفير يبحث عن عملاء دائمين لاستهلاكه، الأطفال والشباب هما الأعلى في معدلات الاستهلاك واللهاث وراء كل جديد لاقتنائه، والطبيعى أن يغازل المسوقون الشباب والأطفال للترويج لسلعهم ويتم الربط بين منتجاتهم وهذه المراحل العمرية.

(3) الكهولة كانت مرحلة عمرية تحظى بالاحترام والجاذبية من جانب المجتمع، نجوم السينما المصرية والعالمية في بدايات القرن الماضى وحتى منتصفه كانوا رجالا كهلة وليسوا شبابا، وكان المفهوم السائد أن المرأة الشابة الجميلة تحتاج لرجل كهل يكبرها سنا، لأنه قادر على حمايتها ولأنه حكيم ذو خبرة، قادر على تحمل المسؤولية مقارنة بالشباب الطائش، مثال عماد حمدى في السينما المصرية، وكلارك جيبل وهمفرى بوجارت في هوليوود، في ذلك الزمن لم تكن المرأة تبحث عن شريك تستمتع معه ولكن عن أب يحميها ويوفر لها ما تحتاجه، الآن حدث تغير جذرى في هذا المفهوم، فمن غير المستساغ أن تحب شابة رجلا يكبرها في العمر دون وجود مصلحة أو توافق عاطفى استثنائى، السائد الآن مفهوم التوافق العمرى بعد أن خرجت المرأة للعمل وشاركت في الحياة العامة ولم تعد عالة على المجتمع، فهى لا تسعى الآن وراء زوج يعولها لكن شريكا يسعدها.

(4) التغيير لم يمس الحياة الشخصية فقط ولكنه انتقل للحياة العامة، كان يتم اختيار المسؤولين من الكهول والشيوخ، كانوا يمثلون الخبرة والثقة والحكمة، أما الآن فلقد تم استبدال الخبرة بالإبداع، وأصبحت مقولة التفكير خارج الصندوق مصاحبة لنهج الشباب الذي يكسر التقاليد والأفكار المحنطة ويأتى بأفكار جديدة طازجة تؤدى إلى ثورة في مجال العمل، الديناميكية الشبابية أصبحت مفضلة عن استاتيكية الحكماء، المغامرة تفوقت على التأمل، وساهم في تقدير الشباب وإعطائهم فرص تولى مسؤوليات جسام في الدول المتقدمة، أنهم الأكثر استيعابا لثورة التكنولوجيا والاتصالات التي أصبح الاعتماد عليها كبيرا والتطور فيها مذهلا.

(5) ماذا يفعل الكهول والشيوخ في عالم الشباب بعد أن انحسرت عنهم الأضواء وباتوا متخلفين عن هذا الزمن الذي تتسارع خطواته إلى حد الجنون، العلم يحاول أن يجد لهم حلولا، مزيد من التجارب العلمية للحفاظ على شباب الخلية وعدم تأكسدها الذي يؤدى إلى الشيخوخة، توسع غير مسبوق في صناعة الجمال والحفاظ على الرشاقة التي أصبحت البضاعة الأكثر رواجا وربحا، لم يعد الأمر قاصرا على الأثرياء، الزبائن من جميع فئات المجتمع، الكل يريد الجمال والشباب، فهما سلاح نافذ في عصر الاستعراض والسماوات المفتوحة، الجميع يلهث وراء صورة دوريان جراى.

ويبقى التساؤل الفلسفى حول الانسجام بين الجسد والروح، الظاهر والباطن، يمكن لأى شخص يمتلك مقدرة مالية أن يصبح جميلا وشابا لأطول فترة زمنية تسمح بها عمليات التجميل ومنتجات العناية بالبشرة والمكملات الغذائية، ولكن الروح.. النفس.. العقل كيف يمكن للكهل والشيخ أن يشترى دهشة الشباب واندفاعه غير المحسوب العواقب وهى الجزء الأجمل فيه.. هي أشياء لا تشترى.. عن الصراع بين الشباب والكهولة تدور أحداث فيلم «سحب سيلس ماريا» لمعشوقتى جولييت بينوش.. الفيلم من الناحية الفنية ليس ممتازا لكن موضوعه متمم لما بدأناه، الفيلم يدور حول المواجهة بين روعة الشباب وخبرة الكهولة.. وللحديث بقية.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية