x

مي عزام السعودية «أمينة الجفري»... والاغتراب العربي مي عزام السبت 06-08-2016 21:49


(1) يسعد العربى (ينطبق الأمر على المصري بالطبع) كثيرا حينما تأتيه فرصة للسفر للخارج في بعثة تعليمية، فمثل هذه البعثة تفتح له آفاقا واسعة في الترقى العلمى وأيضا الوظيفى في بلده بعد عودته، كما أنه يعتبر نفسه من المحظوظين لو أنجب في أوروبا أو أمريكا، حيث يدرس حتى يحصل أولاده على جنسية من الدرجة الأولى تنفعهم مستقبلا وتفتح أمامهم أبواب كثيرة موصدة أمام أقرانهم في البلد الأم.

(2) العرب في الخارج يعيشون وفق 3 أساليب للحياة: الأول أنهم ضيوف في هذا البلد مهما طالت الإقامة، يعيشون حياة اجتماعية مغلقة (جيتو)، غير مسموح بالاختلاط مع الأغراب ويربون أبناءهم طبقا للعادات والتقاليد المتوارثة، الأسلوب الثانى، هجين، فهناك انفتاح جزئى على المجتمع، مسموح بالاختلاط على شرط عدم التقليد، خاصة من جانب الإناث، فثقافة التفرقة بين البنات والبنين تسرى على حياتهم هناك، الأسلوب الثالث الانقطاع المعرفى، وفيه يتم نسيان الماضى بكل تفاصيله واستبدال القيم الغربية الحداثية بالقيم العربية التقليدية وتطبيقها في حياتهم اليومية، وهنا لا توجد مشكلة عكس الطريقة الأولى والثانية.

(3) في الحالتين الأولتين كثيرا ما يكون هناك معوقات، وتأتى بسبب سلوك الأبناء الذي يتعارض مع أفكار الآباء، خاصة حينما تطول الإقامة، فالطفل مثل الإسفنجة يمتص كل ما حوله ويصبح مستقرا في أعماقه، وحتى لو استخدم الأهل أسلوب العصر (الزجر والنهى، الثواب والعقاب، القدوة)، يبقى دائما ولو قليل مما امتصوه مختلطا بعقلهم اللاواعى، ويصبح سلوكهم مشوش، فلاهم عرب ولاهم غريبون.. حالة إنسانية مرتبكة يلازمها شعور بالاغتراب وعدم الانتماء لكلتا الثقافتين.

(4) وأنا أكتب الآن أتذكر صديقة عزيزة هاجرت مع زوجها لأمريكا منذ ربع قرن، حدثتنى ذات مرة عن أب مصرى كان صديقا لزوجها وكيف قرر العودة لمصر بعد 18 عاما قضاها في أمريكا مهاجرا، بسبب ابنه المراهق الذي كان يتعاطى الماريجوانا وفى مرة احتدم النقاش بينهما وانتهى بصفعة غاضبة من الوالد على خد الابن، أسرع الأخير بترك المنزل منفعلا وذهب للشرطة لتدفع عنه عنف والده، وانتهى الأمر بوعد مكتوب من الأب أن لا يكرر فعلته وإلا ستبحث السلطات المحلية عن أسرة بديلة للولد وتأخذه من الأب.. كانت لحظة فارقة في حياة الأب، قرر بعدها العودة بابنه لمصر. احتال على الولد وأقنعه أنهما ذاهبان في رحلة سياحية لمصر التي لم يزرها من قبل، لمدة أسبوع. بعد وصولهما لمصر، وفى غرفتهما بالفندق، صارح الأب ابنه بالحقيقة وصفعه على وجهه وهو يصرخ بالمصرى: «ملعون أبوالبلد اللى معرفش أربى فيها ابنى» واتصل فورا بزوج صديقتى ليخبره، وبالطبع انتهى الأمر بسفر الابن إلى أمريكا من جديد وقطع علاقته تماما مع أبيه.

(5) تذكرت قصة الأب المصرى حينما قرأت قصة الأب السعودى مع ابنته البريطانية الجنسية، والتى اهتمت بقصتها عدد من الصحف البريطانية.

الأربعاء الماضى كان موعد الحكم في قضيتها التي أفردت لها الصحافة مساحة متابعة، الأب السعودى هو الأكاديمى محمد الجفرى الأستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة (62 سنة)، رجل ذو خلفية علمية واجتماعية مرموقة، حصل على دراسته العليا من بريطانيا، التي اتخذها وعلى مدى 17 عاما موطنا ثانيا، حيث عاش مع زوجته سوانزي في ويلز، أنجب أبناءه هناك وعاشوا طفولتهم وصباهم وشبابهم المبكر كبريطانيين.

(6) أمينة ابنته هي المشكلة، وسبب وقوف محاميه أمام المحكمة العليا في لندن مدافعا عنه لينفى التهم التي رددتها عن والدها، فهى دون أشقائها تمردت على كل التقاليد وكسرت كل القواعد، فكانت تتعاطى المخدرات في سن صغيرة وتصاحب من يكبرونها سنا من أهل السوء، ولا تستمع لنصح أبيها أو أي فرد من أفراد أسرتها.

فقرر والدها إخراجها من مدرستها، وفى عام 2012 وكان عمرها 16 سنة سافر بها إلى جدة، لتعيش في مجتمع محافظ، لعلها تنسى حياتها السابقة، ولكن على ما يبدو فأمينة عاشت بعقلية ويلز في جدة، فأقدمت على سلوك متهور بعد سنوات من عودتها، دون أن تقيم للعواقب وزنا، فعانقت طالبا أمريكيا يدرس في إحدى الجامعات السعودية وقبلته جهرا، وتسبب ذلك في توقيفه ثم ترحيله عن السعودية، بعدها قرر الأب حبسها في المنزل وحتى لا تهرب منه قام بتأمين حجرتها بحواجز عبارة عن قضبان حديدية، حرصا على صورته وصورة أسرته في المجتمع السعودى المحافظ.

استطاعت أمينة أن تتواصل مع زميلاتها السابقات في بريطانيا واشتكت من تصرفات أبيها وأرسلت لهم صورا لها ويظهر في الخلفية قضبان حديد، واتهمت والدها بأنه يسجنها في قفص ويضربها بعنف ويمنع عنها الموبايل وخدمة الإنترنت، كما قص شعرها وأخيرا ادعت أنه يجبرها على الزواج على غير رغبتها وكلها اتهامات يعاقب عليها القانون البريطانى في حالة إثباتها، ولقد حاول عدد من أصدقائها البريطانيين التواصل مع وزارة الخارجية البريطانية لإنقاذها.

كما نجحت أمينة في الاتصال بالسفارة البريطانية لعلها تجد لها وسيلة للخروج من البلاد، وتواصلت مع محامية بريطانية تدعى آن مارى هاتشينسون ­­لترفع لها دعوى ضد أبيها أمام المحاكم البريطانية، ونقلت المحامية عن أمينة قولها: «إنهم يريدونني أن أموت هذه المرة أو ربما يجدوا وسيلة لحبسى في سجن للنساء، أو احتجازى في مصحة للمصابين بالأمراض العقلية، وبلغت المحامية أنها تريد الخروج والسفر إلى بريطانيا فهى في النهاية بريطانية الجنسية.

يوم الأربعاء الماضى كان حكم المحكمة العليا في لندن في هذه القضية المثيرة للجدل، لم يحضر الأب ولا ابنته المحاكمة، فند محامى الوالد «ماركوس سكوت كاندرسون» مزاعم أمينة ونفى تماما أن يكون والدها أجبرها على الزواج، بعكس رغبتها، وقدم للمحكمة ما يفيد بأن موكله محمد الجفري حرك دعوى قضائية ضد ابنته في جده في إبريل الماضى للمطالبة بالحق في السيطرة على تصرفاتها غير المسؤولة بهدف رعايتها والإشراف عليها.

وأظهرت الوثائق القانونية التي قدمها محامي الأب أن أمينة وأباها اتفقا على التصالح، ودافع عن موقف موكله بأن لا يسمح لها بالسفر إلى بريطانيا حتى لا تعود للحياة المسمومة التي كانت تحياها، وأن استقرارها في جدة هدفه الحفاظ على حياتها آمنة وكذلك مستقبلها، فما يفعله نابع من خوفه على مصلحتها.

بعد استماع القاضي البريطانى هولمان إلى الشهود ودفاع الطرفين قال معقبا إنه قد يكون له سلطة توجيه أمر إلى السيد محمد الجفري لتسهيل عودة ابنته إلى المملكة المتحدة، ولكن هناك صعوبة في تطبيق هذا فعليا، فاختصاص المحاكم البريطانية في هذه القضية ليس واضحا، بسبب أن أمينة الجفرى مزدوجة الجنسية (سعودية بريطانية) وتعيش الآن في السعودية وتطبق عليها القوانين هناك، وأضاف القاضى أن علينا أن نكون حذرين بشأن تأكيد سيادة المعايير الثقافية لدينا على غيرها من الثقافات.

(8) أثار القاضى هولمان نقطة في غاية الاهتمام، وهى توخى الحذر في التعامل بتعالٍ مع الثقافات الأخرى، ولسان حاله يقول: إن أرادت أمينة العيش في سلام في بلدها فعليها أن تلتزم بعاداته وتحترم تقاليده.

في بريطانيا بالطبع التعليقات على موضوع أمينة كانت في صفها، المجتمعات الغربية يمجد الفرد وحريته على حساب الجماعة، ويجد ما يفعله والدها جريمة، وتصرفاته غير مبررة، فمن أعطاه الحق في التسلط على حياة ابنته وحرمانها من أن تعيشها كما يحلو لها حتى لو اقترفت أخطاء أو جرائم، فهى حرة وبالغة سن الرشد، أما في السعودية فهناك انقسام، فهناك من يؤيد أمينة وحقها في الاختيار الحياة التي تناسبها، وهن فتيات الجيل الجديد اللاتى يجدن في تقاليد السعودية المتشددة عقبة أمام حصولهن على حريتهن وحقوقهن حتى البسيط منها مثل قيادة السيارة، في حين يجد المحافظون أن أمينة ابنة ضالة، وأن أبيها رجل فاضل له كل الحق في أن يبسط نفوذه عليها لمصلحتها ومصلحة الأسرة كلها فهى مصدر مشاكل، فضائحية وتستحق كسر رقبتها... وبين هؤلاء وأولئك مساحة واسعة من الاختلاف.. عزيزى القارئ... إنت رأيك إيه؟

EKTEBLY @HOTMAIL.COM

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية