x

مراد وهبة نحو رشدية عربية (6) مراد وهبة السبت 06-08-2016 21:48


إثر موافقة فضيلة الإمام شيخ الأزهر الدكتور عبدالرحمن بيصار على عقد المؤتمر الفلسفى الدولى الأول بالقاهرة تحت عنوان «الإسلام والحضارة»، التقيت وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور بطرس بطرس غالى لأطلب منه الموافقة السياسية مع التمويل. لم تكن المرة الأولى التى أطلب فيها مثل هذا الطلب، إذ سبق أن عقدت مؤتمراً فلسفياً دولياً بالقاهرة فى عام 1978 تحت عنوان «الفلسفة والحضارة». ومن هنا قال الوزير: أظن أنك تريد تمويلاً لمؤتمر. قلت: نعم. قال: ما هو؟ قلت: «الإسلام والحضارة». قال: يعنى إيه؟ مش فاهم. بتقول إيه؟ بطرس غالى يوافق لمراد وهبة على عقد مؤتمر عن الإسلام ويموله من خزينة الوزارة. هذا أمر مرفوض. قلت: ممكن أشرح. قال: اتفضل. سردت المسار ابتداء من رئيس جامعة عين شمس إلى فضيلة الإمام شيخ الأزهر الذى أعلن موافقته على عقد المؤتمر. فقال بلا تردد: إذا كانت المسألة هكذا فالموافقة لازمة ومعها التمويل. ثم استدعى أحد السفراء وطلب منه التعاون معى، وقد كان. وبعد ذلك أبدت مؤسسة أديناور الألمانية استعدادها للمشاركة فى تمويل المؤتمر، وقد كان. وبعد ذلك انعقد المؤتمر فى الفترة من 19 إلى 22 نوفمبر من عام 1979. وفى الجلسة الافتتاحية قال السكرتير العام للاتحاد الدولى للجمعيات الفلسفية أندريه مرسييه، وهو من علماء الفيزياء النووية: «إن عقد مؤتمر عن الفلسفة الإسلامية فى مجال الفلسفة فى القرن العشرين ظاهرة جديدة للغاية. والجدير بالتنويه أننى قد شاركت فى عام 1978 فى مؤتمر فلسفى دولى كان قد عقده أيضا البروفيسور مراد وهبة وزملاؤه فى القاهرة تحت عنوان (الفلسفة والحضارة)، وكان أيضاً موضوعاً يثار لأول مرة على مستوى دولى فى إطار المشكلات الناشئة من العلاقة المتداخلة بين الفلسفة والحضارة. وفى النهاية، أظن أن مؤتمر (الإسلام والحضارة) له غايتان: الغاية الأولى كامنة فى إتاحة الفرصة لمن هم خارج العالم الإسلامى فى عرض وجهة نظرهم. والغاية الثانية كامنة فى إنصات هؤلاء لعرض وجهة نظر المنتمين إلى العالم الإسلامى».

وفى الجلسة الافتتاحية أيضاً، قال السكرتير الدائم للأكاديمية الملكية البلجيكية للعلوم فربيكه، وهو متخصص فى الفلسفة الإسلامية: إن حضورى إلى القاهرة يذكرنى بفيلسوف مشهور وُلد فى مصر فى بداية القرن الثالث الميلادى: اسمه أفلوطين. ارتحل إلى الإسكندرية وكان عمره ستة وثلاثين عاماً باحثاً عن الحكمة. ومازلت قارئاً لمؤلفاته لأنها ملهمة لتفكيرنا الفلسفى.

أما أنا فقد نوهت بأن الحضارة الإسلامية كانت ملهمة للبشرية إلى الحد الذى فيه يمكن أن يقال إنه بدون الحضارة الإسلامية لم يكن أمام الحضارة الأوروبية إلا الانهيار. والذى منعها نشأة الرشدية اللاتينية. وقد آن الأوان لكى تشارك الحضارة الإسلامية مرة أخرى فى دفع الحضارة إلى غايتها القصوى وهى تحرير الإنسان. ومن هنا جاء عنوان بحثى فى المؤتمر «مفارقة ابن رشد»، وموجزه أن ابن رشد الفيلسوف الإسلامى ميت فى العالم الإسلامى، ولكنه حى فى العالم الغربى، إذ كان السبب فى انتقال أوروبا من العصور الوسطى المعتمة إلى عصر النهضة، حيث نشأ الإصلاح الدينى الذى يستند إلى مبدأ «الفحص الحر للإنجيل»، بمعنى تحرير العقل من السلطة الدينية، ثم نشأ عصر التنوير الذى يستند إلى مبدأ تحرير العقل من كل سلطان ما عدا سلطان العقل. ولم يكن هذا الانتقال ممكناً من غير الرشدية اللاتينية. إلا أن هذا الانتقال لم يكن بالأمر الميسور.

والسؤال إذاً:

لماذا كان ذلك كذلك؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية