x

عبد الناصر سلامة الأزهر ينهض من كبوته عبد الناصر سلامة الأحد 31-07-2016 21:48


قد يغفو الأسد، إلا أنه لا يستغرق فى النوم، هذه حقيقة، قد يصبر الجمل، إلا أنه سوف ينتفض، هكذا رأيناه، قد يتمهل الحليم، إلا أنه سوف يغضب، هكذا تعودنا، أيضاً قد يستكين الأزهر، نتيجة هذا الظرف أو ذاك، إلا أنه يظل الأزهر، منارة العلم، كلمة الحق، شعاع المعرفة، ينطق كلمة الحق أمام كل جائر، هكذا يجب أن نكون على ثقة ويقين، وإلا ما قال أمير الشعراء، أحمد شوقى:

قُم فى فم الدنيا وحيى الأزهرا.. وانثر على سمع الزمان الجوهرا

ربما طالت استكانة الأزهر بعض الوقت، وهو ما جعل البعض يعتبرها خضوعاً، يراها تنازلاً، يراها تراجعاً، إلا أن ما غاب عن هؤلاء وأولئك، أن الأزهر لا يجوز له أن يخضع، ولا يحق له أن يتنازل، ولا يملك أن يتراجع، هو ليس مِلكاً لنفسه، ولا من أملاك الوطن، ولا حتى من أملاك الناس، العلاقة مباشرة بين الأزهر وشرع الله، لا وسيط فيها، بين الأزهر وكتاب الله، لا تدليس فيها، بين الأزهر والسماء، أو هكذا يجب أن تكون، لذا ليس هناك أبداً ما يجعل الأزهر جامعاً وجامعة، يمكن أن يتبنى موقفاً ما، لغير وجه الله، وإن حدث - لا قدر الله - فعليه الاستتابة، والإنابة، والرجوع إلى الحق فوراً، قبل أن تطلع الشمس من مغربها.

راودنى هذا التأكيد على هامش قرار هيئة كبار علماء الأزهر، برئاسة الشيخ أحمد الطيب، رفض تطبيق قرار وزير الأوقاف بإلقاء خطبة الجمعة مكتوبة من الورقة، وهو ما اعتبرته الهيئة تجميداً للخطاب الدينى، مما سيؤدى بعد فترة، ليست كبيرة، إلى تسطيح فكر الخطيب وعدم قدرته على مناقشة الأفكار المنحرفة، حسبما جاء بالبيان الصادر فى ختام اجتماعها، وفى هذا الإطار، طالبت هيئة كبار العلماء بتدريب جاد وتثقيف لأئمة المساجد وتزويدهم بالكتب والمكتبات، حتى يستطيعوا مواجهة الأفكار المتطرفة بالعلم والفكر الصحيح، حتى لا يتكئ الخطيب على الورقة المكتوبة وحدها.

ما نأمل فيه الآن هو ألا تستمر استكانة الأزهر أكثر من ذلك، نعلم أن المخطط كان كبيراً خلال الفترة الماضية، وهو ما جعل الأزهر فى موقف المدافع عن نفسه طوال الوقت، كان ذلك هو الهدف، ألا تكون هناك فرصة لالتقاط الأنفاس، ألا يشارك الأزهر، ولو بالرأى، فى أى كبيرة أو صغيرة، مما جعل الخطاب الدينى مشاعاً بين أدعياء من هنا، ومرتزقة من هناك، ظن البعض أن قراءة كتابين من الكتب الصفراء تعد مؤهِلاً للفتوى وربما التشريع، أن التعامل مع الأحاديث الضعيفة، كحجة على الإسلام والمسلمين هو مبرر كاف للتشكيك فى أى شىء وكل شىء، حتى دخل على الخط من ليسوا من أهل الديانات أصلاً، متخفيين خلف بطاقة الرقم القومى التى تشير إلى غير ذلك.

ربما كان هذا الموقف من هيئة كبار العلماء هو بمثابة تأكيد على أهمية ما ذكرناه سابقاً، من أن الشأن الدينى بصفة عامة يجب أن يكون اختصاصا أصيلا للأزهر دون غيره، بحكم ما نص عليه الدستور، من أن «الأزهر هو المرجعية الوحيدة فيما يخص الشؤون الإسلامية»، على أن يقتصر دور وزارة الأوقاف على الشأن الإدارى والمالى للأئمة، وإدارة شؤون الوقف من أموال وأراض وعقارات وشركات ومصانع، ذلك أن أمر هذه وتلك معا لا ينسجم أبداً، ناهيك عن هذا اللغط الحاصل الآن، فيما يتعلق بالخطاب الدينى وما علق به من قضايا التشدد والتطرف وخلافه، وهو الأمر الذى كان يستدعينا مبكراً أن نفطن إلى أهمية هذه الرؤية.

إلا أن دور الأزهر يجب ألا يتوقف عند هذا الحد، فى الوقت الذى أصبح فيه المجتمع يئن من قضايا عديدة، من بينها ظاهرة الإلحاد المشار إليها، والكثير من البدع التى دخلت على المعاملات الإسلامية عموماً، وترك الساحة لكل من هب ودب، يدلى بدلوه فى الشأن الدينى، أحياناً من خلال الفتوى، وأحياناً أخرى من خلال المناهج الدراسية، إلى غير ذلك من أمور نتجت أساساً عن ابتعاد الأزهر عن الساحة، ليس بسبب نقص الإمكانيات، أو ندرة العلماء، أو أى شىء من هذا القبيل، وإنما نتيجة قصور يجب أن يعترف به الأزهر ذاته.

سوف نستمر فى التأكيد على أن الأزهر ليس شأناً داخلياً مصرياً، الأزهر أيها السادة هو شأن عالمى، يخص المسلمين فى كل بقاع الأرض، هو جامع وجامعة لكل أُمّة التوحيد دون استثناء، الكل ينهلون من علمه، لا يجب أبداً أن يكون تابعاً لحكومة ما، لا يجب أن ينحاز لموقف سياسى على حساب آخر، هو أداة للتوفيق والتوافق، وليس لإثارة النعرات الطائفية، من هنا كان له شأنه الكبير فى كل العواصم الإسلامية وغير الإسلامية، وهو ما لا يدركه أحياناً البعض ممن يعيشون فى وطن الأزهر.

على أى حال، الكُرة الآن فى ملعب الأزهر، إما أن يحمل الراية عن ثقة وثبات ويقين بدعم السماء، وسوف يجد الدعم على الأرض من كل حدب وصوب، وإما أن يهملها فتسقط، وحين ذلك لن يجد التقدير، لا من الداخل ولا من الخارج، فيصبح لقمة سائغة، ينقضُّ عليها كلُّ مَن سولت لهم أنفسهم النيل من شرع الله، وحصره فى ورقة على المنبر، تحمل من المديح والثناء لهذا المسؤول أو ذاك أكثر مما تتحدث فى شؤون الدنيا والآخرة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية