هناك مسرحية من مسرحيات شكسبير الترجمة الحرفية لعنوانها «ضجة كبيرة عن لا شىء»، وهناك من ترجم هذا العنوان «ضجة فارغة»، أو «ضجة بلا طحن»، بمعنى أن ماكينة الطحن تصدر أصواتاً عالية، ولكن من دون وجود ما تطحنه!
تذكرت هذا المعنى عندما قرأت تقرير الزميلتين ريهام جودة وهالة نور فى «المصرى اليوم»، عدد يوم الخميس الماضى عن «المعركة» بين الرقابة والمخرج محمد دياب حول فيلمه «اشتباك» الذى بدأ عرضه الأربعاء فى مصر، وكان عرضه الأول فى افتتاح مسابقة «نظرة خاصة» فى مهرجان «كان» فى مايو الماضى.
حسب التقرير فإن الرقابة اشترطت للتصريح بعرض الفيلم كتابة العبارة التالية فى البداية مع العناوين «بعد ثورة 30 يونيو قامت جماعة الإخوان باشتباكات دامية لمنع الانتقال السلمى للسلطة»، وأن المخرج لم يوافق، ولكن المنتج محمد حفظى يقول إنه لم يكن شرطاً، وتم الأمر بالتوافق، وقال المخرج فى نفس التقرير إن الفيلم يتعرض للخنق منذ بدء تصويره، ورغم أنه قال دائماً إنه فيلم إنسانى وليس سياسيا!
هذه ضجة فارغة تسببت فيها الرقابة، وكان عليها عدم فرض وضع هذه اللافتة لأن الفيلم يعبر عن المظاهرات التى أعقبت ثورة 30 يونيو ضد حكم الإخوان ما بين المؤيدين والمعارضين، ولا ينحاز إلى أى من الطرفين، وإنما يدين العنف الذى يدفع ثمنه الجميع عندما تنقلب بهم سيارة الترحيلات فى النهاية، وهذه اللافتة تعنى أن الرقابة اتبعت مبدأ من ليس معنا فهو ضدنا، واعتبرت الفيلم ضد 30 يونيو، وهو ليس كذلك، «انظر رسالة (المصرى اليوم) من مهرجان كان عدد 14 مايو 2016»، وجعلت المخرج «ضحية» من ضحايا الرقابة رغم أنه صور فيلمه كما يريد تماماً، ويعرض كما صنعه تماماً من دون حذف ولا ثانية!
ثورة 30 يونيو كانت امتداداً لثورة 25 يناير، وكان هدف الثورتين الحرية، والحرية تعنى الوقوف ضد أعداء الحرية، وليس ضد من يعارضون أو لا ينحازون بمبدأ من ليس معنا فهو ضدنا، وإنما من ليس ضدنا ليس عدواً، ويمكن اعتباره معنا، بل إن عرض الفيلم كاملاً تعبير عن قدر من الحرية شوهه فرض هذه اللافتة، ثم من قال إن المتفرج سوف يتذكر هذه العبارة طوال الفيلم، أو سينتبه إليها أصلاً، وهى عبارة تقريرية وتحصيل حاصل وحتى الإخوان لا ينكرون وإنما يفاخرون باستخدام العنف لتحقيق أغراضهم!
اللافتة المذكورة من وسائل الرقابة العتيقة التى طالما استخدمت فى مصر ودول عديدة فى عهود مختلفة، كأن يكتب أن الأحداث لا تدور فى الحاضر، أو وقائع هذا الفيلم خيالية، وأذكر كيف كانت الصالة تضج بالضحك فى مهرجان «كان» ما إن تظهر مثل هذه اللافتات فى أفلام شرق أوروبا أثناء الحكم الشيوعى!
ولست مع المخرج الفنان محمد دياب فى قوله إن الفيلم إنسانى وليس سياسياً! فليس هناك تعارض بين أن يكون الفيلم سياسياً وإنسانياً فى نفس الوقت، وإذا لم يكن فيلم عن الصراع بين المؤيدين والمعارضين لحكم الإخوان بعد أن أسقطته ثورة 30 يونيو فيلماً سياسياً، فماذا يكون الفيلم السياسى!