x

عبد الناصر سلامة ذهبُ الأقصر.. وملابس قنا عبد الناصر سلامة السبت 30-07-2016 21:48


قرأت خبرين متناقضين فى توقيت واحد، أحدهما من محافظة الأقصر، والآخر من محافظة قنا، أثارا اهتمامى إلى حد كبير، ذلك أن الأول يحمل من الإيجابيات الكثير، بينما يحمل الثانى من السلبيات، ما يسىء إلى كل مواطن فى بر مصر، على الرغم من أننا نتحدث عن محافظتين كانتا حتى وقت كبير محافظة واحدة، أى أنهما، فى كل الأحوال، تنتميان إلى إقليم واحد، جغرافياً، وتاريخياً، وقبلياً، بما يحمل ذلك من عادات وتقاليد واحدة.

الأول منهما عبارة عن مبادرة قام بها شباب بعض قرى محافظة الأقصر بالدعوة إلى الحد من الإسراف فى المهور، والاستغناء عن الشبكة، بعد الارتفاع الكبير فى أسعار الذهب، وذلك تسهيلاً لإتمام الزواج، بعد ارتفاع نسبة العزوبية على الجانبين. المبادرة انضم إليها شباب قرى مركزى القرنة، وأرمنت، ومنطقة الكرنك، من خلال إقناع كبار العائلات بالموافقة، ومن خلال صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» حملت عنوان «الغوا الذهب عشان الشباب يتجوز».

جاءت المبادرة بعد أن انتشرت فى محافظة الأقصر، خصوصاً فى البر الغربى، ظاهرة زواج الشباب من عجائز أوروبا، ما دام الأمر لا يتطلب تكلفة مادية، وهو ما جعل العديد من الجمعيات الأهلية هناك تدعم جهود الشباب، التى تهدف إلى الحد من تكاليف الزواج عموماً، وذلك برفع شعارات فى هذا الاتجاه، والاستعانة بالمثقفين ورجال الدين لعقد ندوات تثقيفية، حققت نسبة كبيرة من الهدف.

الخبر الثانى هو ما أعلنه مدير إدارة التضامن الاجتماعى بمركز نجع حمادى، بمحافظة قنا، عن وصول شحنة ملابس مستعملة بميناء دمياط، تزن ١٧٧ طناً، قادمة من بلجيكا، لتوزيعها على المواطنين الأكثر فقراً، بالمحافظة، وأنه تم إخطار الإدارات من قبل المديرية، بضرورة إبلاغ الجمعيات، وحصر كشوف الحالات الأكثر احتياجاً، وأن الملابس سوف يتم توزيعها على جميع مدن المحافظة فور وصولها، وذلك عن طريق مديرية التضامن الاجتماعى.

لاحظ هنا أننا نتحدث عن أن الدولة، ممثلة فى وزارة التضامن الاجتماعى، هى التى تعلن، أى أن الدولة هى التى تستورد، أى أن أحد التجار لم يقم باستيراد الملابس المستعملة، كما جرت العادة، وهو الأمر الذى كان يجب أن يجد مقاومة أيضاً، أما أن الدولة قد وافقت على ذلك للتجار واستمرأته، فكان من الطبيعى أن تنحو نحوهم، فى إجراء غير مسبوق، يشير إلى أن هناك فى السلطة الأشخاص الخطأ من كل الوجوه، الذين لا يعيرون للدولة المصرية قدرها.

إذا توقفنا أمام الخبر الأول فسوف نجد أننا بصدد مجموعات من الشباب، أعملت العقل والمنطق، بعد أن تجاوز سعر جرام الذهب ٤٥٠ جنيهاً، نتيجة ارتفاع سعر الدولار، فى مواجهة الجنيه، فى الوقت الذى ارتفعت فيه الأسعار أيضاً بشكل عام، خلال الآونة الأخيرة، بما جعل نسبة كبيرة من الشباب تنأى بهذا العبء المفترض أن تحمله على عاتقها، حين التفكير فى الزواج، مما ساهم فى ارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات إلى الحد الذى لم يعد مقبولاً.

أما الخبر الآخر، والذى أراه كارثياً، فهو الاتجاه الرسمى للدولة، ممثلة فى وزارة التضامن الاجتماعى، إلى مثل هذه الممارسات من التسول، التى أرجو أن يصدر بيان فورى بتكذيبها، أو استقالة فورية للمسؤولين عنها، لأسباب عديدة أهمها أننا لو أعلنا فى مصر عن فتح باب التبرع بالملابس غير المستعملة، لدى كل فرد، لاستطعنا جمع ملابس تكفى شعباً بأكمله فى دولة تعدادها عشرة ملايين نسمة على الأقل.

أعتقد أنه، أسوة بالتبرع مالياً لصندوق «تحيا مصر»، كان بالإمكان إنشاء صندوق للتبرع بالملابس، وبصفة خاصة بعد أن أغلقت الدولة العديد من الجمعيات الخيرية، التى كانت تقوم بهذه المهمة، ولم يعد المواطن يجد مساراً لمثل هذه الملابس، أما أن تلجأ الدولة، من خلال الحكومة، لهذه الأساليب من خلال دول أخرى، وشعوب أخرى، فإننا سوف نلعن ذلك اليوم الذى رأينا فيه هذه الحكومة، التى أساءت لـ١٠٠ مليون مصرى، كان يجب أن ينتحروا بشكل جماعى قبل أن يشهدوا ذلك اليوم الذى فشلت فيه أنظمتهم إلى حد تسول الملابس المستعملة، وليس المال فقط.

بصراحة، أنا لا أدرى فى التاريخ المصرى القديم، أو الحديث، ما إذا كان الأمر قد وصل، يوماً ما، إلى ما وصل إليه بهذا الشكل أم لا، هل تسولت المملكة المصرية أو الجمهورية ملابس بالية، ذات يوم أم لا؟ هل يمكن أن تكون دولة ذات سيادة، تلك التى تتسول كل شىء، حتى الملابس المستعملة؟ هل يمكن أن يعيش شعب بكرامة، ذلك الذى يرتدى ملابس شعب آخر بعد استعمالها؟ الأسئلة كثيرة أيها السادة إلا أن الدم شحيح، كما هو واضح.

المعلومات المتوافرة تؤكد أن شعب محافظة قنا شعب حُر، أبدى استياءً شديداً من هذا الخبر، رفضهُ جملة وتفصيلاً، آمل أن ينتفض نواب قنا فى البرلمان أيضاً لرفضه، آمل أن ترفض الجمعيات الأهلية هناك مثل هذه الممارسات. أدعو شباب محافظة قنا إلى أن يحذوا حذو أشقائهم فى محافظة الأقصر، بالبحث عن طرق غير تقليدية لمواجهة حالة الفقر والضنك التى يمر بها المجتمع المصرى عموماً، فى هذه الآونة، إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية