x

عبد الناصر سلامة الأموال المهاجرة عبد الناصر سلامة الجمعة 29-07-2016 21:36


أتمنى أن لو اهتمت أي جهة، تنفيذية كانت أو رقابية، بحصر، أو محاولة حصر، مشتريات المصريين العقارية بالخارج، خلال السنوات الخمس الماضية، محاولة حصر أموال المصريين التي سافرت إلى الخارج خلال تلك السنوات، محاولة حصر أموال المصريين التي أودعت «تحت البلاطة» بالداخل.. كل هذه وتلك سوف نكتشف أنها جاءت تحت عنوان واحد فقط، هو «الخوف»، أو «عدم الشعور بالأمان».

تقرير لجنة الأملاك في إمارة دبى بدولة الإمارات العربية المتحدة أكد أن مشتريات المصريين العقارية، خلال ستة أشهر فقط، بلغت 1.4 مليار درهم، (نحو أربعة مليارات جنيه) سددها 710 مواطنين، أعلم أن مشتريات المصريين في تركيا لا تقل كثيراً، في أوروبا عموماً تزيد كثيراً، كل هذه الأموال لم تُسدد بالجنيه المصرى بالتأكيد، تم تحويلها إلى الدولار أو اليورو، ربما الآن نقف على أحد أسباب اختفاء العملات الأجنبية من الأسواق، بالتالى ذلك الانهيار الحاصل للجنيه.

الغريب في الأمر هو أن ما تحت البلاطة تم تحويل معظمه إلى الدولار أيضاً، نتيجة فقدان الثقة في العملة المحلية، المؤشرات تؤكد أن ما تحت البلاطة يزيد كثيراً على الأرقام السالف ذكرها، حتى العمالة المصرية بالخارج أحجمت- في قطاع عريض منها- عن إرسال تحويلاتها الشهرية لأسباب متفاوتة، منها ما يتعلق بعدم الثقة، ومنها ما يتعلق بمواقف سياسية، ومنها مَن ينتظر ويترقب التغيرات في هذه أو تلك، دون جدوى.

كل هذه السلوكيات تؤكد أن الدولة الرسمية تعيش في وادٍ مختلف تماماً عن الواقع، حديث رئيس البنك المركزى يتجه إلى بيع أصول الدولة، ظناً منه أن هذا هو الحل، حديث آخر غريب يرى أن أمر الدولار- على حد قوله- لا يستحق كل هذا الاهتمام، أحاديث المسؤولين عموماً لا تبحث، ولا تهتم بأمر الأموال المهاجرة، ولا الأموال المخبأة، المواطنون من جهتهم فقدوا الأمل وفقدوا الثقة في آن واحد، حتى رسالة «صبّح على مصر» لم تعد تجد تجاوباً، التبرعات عموماً لم تعد تجد آذاناً صاغية.

أعتقد أن ظاهرة شراء عقارات الخارج تحديداً يجب أن نتعامل معها من كل الزوايا، بمعنى أن الأمر هنا لا يتعلق باستثمارات، قدر تعلقه بالبحث عن «الوطن البديل»، هذه الظاهرة التي بدأها الشعب الكويتى، كل الشعب الكويتى، في أعقاب الغزو العراقى لبلادهم، عام 1990، نتيجة عدم الشعور بالأمان، حتى بعد انتهاء الغزو والعودة إلى أرض الوطن لم تتوقف هذه الظاهرة، التي انتشرت بعد ذلك كالنار في الهشيم، بين الخليجيين عموماً، ثم انتقلت إلى العراقيين الذين اكتظت بهم مدينة السادس من أكتوبر على سبيل المثال، ثم الليبيين في الإسكندرية، أو السوريين بالقاهرة، إلى غير ذلك من النماذج.

بالتأكيد الوضع بالنسبة لمصر والمصريين كان يجب أن يختلف كثيراً، فلا الاقتصاد لدينا يمكن أن يتحمل مثل هذا التوجه، وهو ما أسفر عن ذلك الانهيار الحاصل للعملة المحلية، ولا المواطن المصرى كانت هذه نزعته، أو كان هذا سلوكه يوماً ما، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن هذا الاتجاه لا يلجأ إليه المواطن الفقير، أو حتى متوسط الدخل، نتيجة عدم استطاعته ذلك، إنما هي ممارسات أصحاب رؤوس الأموال الذين رددوا يوماً ما: «تسلم الأيادى»، بما يشير إلى أن الخوف وعدم الثقة لا علاقة لهما بالمواقف السياسية، ناهيك عن أن أصحاب المواقف السياسية المناوئة كانت هذه توجهاتهم مبكراً، نتيجة الخوف والمصادرة وخلافه.

كل المؤشرات إذن تؤكد أننا أمام مأزق خطير، كان يجب التعامل معه مبكراً، من وجوه عديدة، أهمها طمأنة أصحاب رؤوس الأموال، بعد أن كان التوجس واضحاً منذ اليوم الأول للحوار معهم، طمأنة الشعب بكل فئاته على المستقبل من خلال إجراءات تُبرهن على ذلك، على أرض الواقع، وليس مجرد شعارات فقط: «هانبقى أد الدنيا»، و«هاتشوفوا مصر» وما شابه ذلك، لأن هذه الأمور تحديداً لا هي بالتمنى ولا هي بالعافية.

يجب أن نكون أكثر وضوحاً أيها السادة في التعامل مع قضايانا المصيرية، قضايا الأمن القومى، مستقبل الأبناء والأحفاد والذُرية، لم تعد هناك ثقة في استمرار توافر مياه الشرب، في ظل تلك الإجراءات الإثيوبية- الإسرائيلية على النيل، لم تعد هناك ثقة في مستقبل أفضل نتيجة ذلك التدهور الحاصل للاقتصاد والانهيار الحاصل للعملة المحلية، لم تعد هناك ثقة في العدالة الاجتماعية، نتيجة ذلك الفساد الذي ينخر في أوصال المجتمع، دون مواجهة حقيقية، وتلك المحسوبية وانعدام الشفافية في أي شىء وكل شىء تقريباً.

بالتالى من الطبيعى أن تكون الهجرة هي الحل، هجرة الأموال مقدماً، هجرة الأفراد فيما بعد، ممثلة في الأغنياء الذين لديهم القدرة على ذلك، هجرة الطبقة المتوسطة بعد ذلك، التي سوف ترى في بيع ما تملك حلاً لا بديل عنه، بينما هجرة الفقراء أساساً لم تتوقف يوماً ما، في إطار البحث عن فرصة عمل هنا أو هناك، وهو الأمر الذي يجعل من عدم الاستقرار الاجتماعى والاقتصادى أمراً طبيعياً، عواقبه معلومة سلفاً، ليطرح السؤال نفسه: لماذا الإصرار على استمرار هذه السياسات الطاردة، ولصالح مَن؟!.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية