x

عبد الناصر سلامة الحُسين مظلوماً.. حياً وميتاً عبد الناصر سلامة الخميس 28-07-2016 21:25


الأمويون قتلوا سيدنا الحسين، حفيد رسول الله، العراقيون لم يستطيعوا حمايته، ذرياتهم من بعدهم يُعاقبون أنفسهم بالضرب المبرح حتى إسالة الدماء، علَّهُ يسامحهم، وعلّ الله يغفر لهم، المصريون من بعدهم استضافوا رأسه بالدفن، كرَّموه فى البداية ببناء ذلك المسجد العتيق «مسجد مولانا الإمام الحسين»، أقاموا له مولداً سنوياً، أنشأوا له صندوقاً لجمع النذور، تربّحوا من ورائه، حتى وزارة السياحة تربّحت، وزارة المالية أيضاً، وزارة الأوقاف كذلك، الدولة المصرية عموماً تتربح من رأس الحسين.

مئات المحال السياحية حول مسجد الحسين تُدر من المكاسب على أصحابها الكثير، تستقطب من العمالة الكثير، تسدد للضرائب الكثير والكثير، السياح عرباً وأجانب، عن المصريين حدث ولا حرج، اقتصاد كبير فى المنطقة، لاشك فى ذلك، محوره رأس الحسين، الكل مستفيدون، أفراداً، جماعات، وزارات، مشايخ، علماء، مجاذيب، متسولين، باعة جائلين، نصابين، كومسيونجية، مطاعم، فنادق، مقاهى، مكتبات، صاغة، آثارا مقلدة وأحياناً حقيقية، باختصار: دولة مصغرة، الجميع مستفيدون.

الوحيد المفترَى عليه فى كل هذا النشاط، الدينى والثقافى والاجتماعى والاقتصادى والصناعى، وحتى السياسى، هو سيدنا الحسين، رضى الله عنه وأرضاه، لو كان الرجل حياً لما قبِل بهذه المساخر، لو كان له رأى لما قَبِل التواجد فى هذا المكان، لو كان بإمكاننا سماعه الآن لوجدناه يصب لعناته على وزارة الأوقاف، المسؤول الأول عن مسجد سيدنا الحسين، المستفيد الأول من وجوده، تحديداً من صندوق نذوره، وما أدراك ما صناديق النذور!، لها حديث آخر.

لا يعقل أبداً ولا يجوز بأى حال أن تكون رائحة مقام سيدنا الحسين مُنفّرة، لا يعقل أبداً ولا يجوز بأى حال أن يكون مسجد سيدنا الحسين مهملاً، إذا استخدمنا أقل التعبيرات حِدَّة، سوف نقول إنه غير نظيف، السجاد متسخ، كما التهوية ليست على المستوى، كما الجو العام لا يُطاق، كما الزحام دون مبرر، نتيجة غياب النظام، نحن حتى الآن نتحدث عن داخل الضريح، وداخل المسجد، لا نستطيع بأى حال وصف الموقف خارجه، هو أكثر بشاعة، اللصوص، المتسولون، المتشردون، المتسكعون، الأشرار من كل نوع ولون.

هل يُعقل هذا أيها السادة؟ نحن نتحدث عن مزار دينى، فى الوقت نفسه منطقة سياحية، فى الوقت نفسه نحن أمام عائد اقتصادى ومالى يدر دخلاً يومياً على الأفراد والجماعات والدولة الرسمية، ندر وجوده فى بر المحروسة، كيف وصلت الأمور هناك إلى هذا الحد، كيف يمكن القبول بذلك؟ لا أدرى إلى من أتوجه بالنداء كى يذهب بنفسه إلى موقع ومسجد وضريح الإمام الحسين ليقف على حقيقة الأمر.

أعتقد أننا الآن فقط يجب أن نصارح أنفسنا، نعترف بأننا لا نستطيع إدارة أدق خصوصياتنا، التى تعد بمثابة البقرة الحلوب، تغدق علينا خيراتها ليلاً ونهاراً، ماذا إذا اعترفنا بضآلة قدراتنا على المستوى الرسمى، نعلن تأجير هذه المنطقة للقطاع الخاص، قد يكون القطاع الخاص هنا مستثمرا مصريا، وقد يكون غير ذلك، قد يكون ينتمى للمذهب السنى، وقد يكون غير ذلك، يجب أن نتأهب لكل الاحتمالات إذا أردنا تحقيق الهدف، وهو الخدمة الجيدة والعائد المجزى، لا أكثر ولا أقل، التعامل مع المزارات الدينية عموما، يجب أن يكون كما التعامل مع برج القاهرة، سواء بسواء، هى ليست أبداً لوكاندات للنوم، ولا حدائق عامة للاستمتاع بالوقت، ولا مجالس للسمر، كما هو الوضع حالياً، المساجد للعبادة وفقط، والمزارات للزيارة وفقط.

البديل الآخر هو إقصاء ذلك المسؤول الذى لم يعرف قدر الحسين ولا غيره من الأضرحة، لا على المستوى الدينى، ولا على المستوى الاقتصادى، سواء كان هذا المسؤول وزير الأوقاف، أم محافظ الإقليم، أم مدير الأمن، أم وزير السياحة، أم جميعهم، ذلك أن الذى يجرى هناك داخل هذه المساجد وخارجها يجب ألا يمر هكذا مثل أى إهمال آخر فى المجتمع، دون ثواب وعقاب، نحن أمام مجموعة مشروعات متداخلة من كل الوجوه، تفتح آلاف البيوت، ناهيك عن أنها تصب أيضاً فى ميزانية الدولة، بالتالى كان يجب أن تكون لها إدارة مستقلة، الأمر المؤكد الآن هو أن كل ضريح من هذه الأضرحة فى حاجة إلى إدارة خاصة، ليست حكومية أبداً، فى القاهرة، أو فى طنطا، أو الإسكندرية، أو قنا، أو أى موقع آخر.

على أى حال، فى ضوء ما تشهده البلاد الآن من أزمات، ربما تأتى مثل هذه القضايا فى مؤخرة أولويات حكومتنا الرشيدة، على الرغم من أنها تبحث عن أموال فى كل مكان وزمان، وعلى الرغم من أننا لا ندرى ما هى أولويات المرحلة، إلا أننا سوف نعيش على الأمل، ليس بالضرورة الاعتماد هنا على التنفيذيين، قد يتبنى الفكرة برلمانيون، وقد يضغط الاقتصاديون من أجل تنفيذها، وقد ينتفض المسؤولون ببدء صفحة جديدة من الإصلاحات، وإن لم تكن هذه ولا تلك فليس أمامنا سوى كنس عتبة الحسين، والسيدة زينب، وأبوالعباس المرسى، والسيد البدوى، وعبدالرحيم القنائى، ثم نبتهل بالدعاء على الظالمين، رغماً عن توجيهات الأوقاف بتجنب الدعاء عليهم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية