x

نصار عبد الله أحمد كامل (1ـ 2) نصار عبد الله السبت 06-08-2016 21:42


مثلما اندثر نموذج عمر بن الخطاب بين الحكام... كذلك اندثر نموذج أحمد كامل بين المحافظين!!...

الذين عاصروه فى منتصف الستينات من القرن الماضى محافظا لأسيوط، يستطيعون أن يقولوا لأنفسهم وهم مطمئنون: إنه بالفعل عُمـَر القرن العشرين.. كلما رأيت موكبا معاصرا من مواكب السادة الكبار، التى توقف الحركة وتعطل المصالح وتقطع الأرزاق.. فضلا عما تكلفه من الأعباء على خزينة دولة، مثقلة أصلا بالديون!!...

تذكرت على الفور أحمد كامل، شأنى فى ذلك شأن كل من عاصروه من أبناء أسيوط، وشاهدوه وهو يسير على قدميه فى الشوارع والحارات يوما على الأقل فى كل أسبوع.. يصل هو بنفسه إلى الناس بدلا من أن يكلفهم عناء محاولة الوصول إليه.. يمشى بدون حراسة ( لماذا يحتاج مثل هذا الرجل إلى حراسة؟) لا يرافقه سوى مدير مكتبه يحمل دوسيها يودع فيه الطلبات التى كان يتقدم بها أصحابها، وأجندة يدون فيها اقتراحات المواطنين وشكاواهم واعدا إياهم بالعمل على حلها، ودائما ما كان يفى بوعده طالما كان هذا فى استطاعته، ولقد أتاحت لى المصادفة الخالصة ـ بعد رحيل أحمد كامل عن عالمنا ـ أن ألتقى فى أحد مقاهى أسيوط بالطاهى السابق لاستراحة المحافظ التى ما زالت إلى الآن فى نفس موقعها على الضفة الغربية للنيل.. قال لى عم إبراهيم (أظن أن هذا اسمه): أحمد باشا كامل ما لهوش مثيل.. كان يكره إنى أناديه يا باشا.. وأنا كنت أقول له: حاضر يا باشا، فيضحك ويقول: من أولها كسرت الكلام !!..

وفى يوم من الأيام، البيت ما كانشى فيه رز، قلت له علشان يتصرف.. قال: منين؟.. إنت عارف إن فيه أزمة رز على مستوى البلد كلها، فأنا استعجبت وقلت له: «الكلام ده ما يمشيش على المحافظ» قال: يمشى عليه ونص.. المحافظ هو آخر واحد مفروض يكون فى بيته رز.. لما يتوفر الرز لكل الناس، يبقى المحافظ ساعتها يجيب لنفسه.. فأنا كنت أقول: «يبقى حضرتك مش ناوى تجيب رز خالص» فكان رحمة الله عليه يموت على نفسه من الضحك.. إننى الآن أروى هذه السطور عن أحمد كامل الذى لم تتح لى الظروف أن أراه أو أن ألتقى به سوى مرة واحدة، وكان لقاء فريدا من نوعه، ففى عام 1966 تخرجت فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وعدت إلى مدينتى: أسيوط، حيث دعانى أحد الأصدقاء: «الأستاذ رفعت المليجى»، إلى حضور معسكر تعقده منظمة الشباب الاشتراكى ينطوى على دورة تثقيفية تؤهل للانضمام للمنظمة، ولما كان الصديق المليجى يعلم كراهيتى لسائر التنظيمات السياسية الحكومية وغير الحكومية، فقد حرص على أن يوضح لى أن حضور المعسكر لا يعنى الانضمام إلى المنظمة بالضرورة، وأن من حقى أن أكتفى بحضور المعسكر باعتباره نوعا من الندوة الفكرية المتصلة الممتدة على مدى أيام عديدة، وعلى هذا الأساس قبلت.. كان من بين بنود المعسكر لقاء مع المحافظ الذى حضر بالفعل وراح يتحاور معنا فى عدد من القضايا الفكرية.. ولقد بهرتنى جدا يومذاك ثقافته الواسعة التى لم أكن أتصور قط أن واحدا من العسكريين المصريين يمكن أن يتمتع بها!!..

أذكر أنى يومها دخلت معه فى جدال عنيف حول إمكانية الجمع بين مطلب الاشتراكية والحرية الفردية.. على الأقل فى مجال حرية الرأى والتعبير.. أما الحرية الاقتصادية فإن الجمع بينها وبين الاشتراكية هو بداهة جمع بين النقيضين.. كان مقررا أن تدوم الزيارة مدة ساعة.. لكن الحوار الذى دار بينى وبينه دام ثلاث ساعات متصلة!!.. وكان من الممكن أن يمتد إلى أكثر من ذلك لولا أنه انتهى نهاية مأساوية مفاجئة لم يكن يتوقعها أحد، وللحديث بقية.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية