ربما كان من أغرب الوقائع التى شهدها شهر أكتوبر على مدى التاريخ كله هو ما حدث يوم الخميس الرابع من أكتوبر عام 1582، ففى ذلك اليوم هجع الناس فى أوروبا إلى فراشهم لكى يستيقظوا فى اليوم التالى فيجدوا أنفسهم فى يوم يحمل تاريخا لا أظن أن الكثيرين من القراء يتوقعونه، بل إنه لا يمكن أن يخطر ببال أى إنسان تعود على أن اليوم الرابع من أى شهر سوف يعقبه بالضرورة اليوم الخامس من الشهر ذاته، لكن الذى حدث فى ذلك العام بالذات كان أمرا مختلفا تماما، فالرابع من أكتوبر لم يعقبه الخامس منه بل أعقبه الخامس عشر!!
والذى حدث أنه قد تم إسقاط عشرة أيام كاملة من التقويم طبقا لتوجيهات البابا جريجوريوس الثالث عشر، بابا الكنيسة الكاثوليكية!، ما الذى دفع قداسته إلى هذه التوجيهات التى جعلت الكثيرين من الأوروبيين فى ذلك الوقت، بل مازال الكثيرون إلى يومنا هذا يقعون فى حيرة شديدة عندما يعرفون تفاصيل تلك الواقعة؟.. السبب ببساطة هو أن قداسته قد اكتشف وجود خطأ فى التقويم المعمول به إذ ذاك، وهو التقويم اليوليانى (نسبة إلى يوليو، أو بالأحرى يوليوس قيصر)، فقد لاحظ قداسته أن يوم الاعتدال الربيعى قد وقع فى 11 مارس بدلاً من 21 مارس، بفارق عشرة أيام عن اليوم الذى كان يتعين أن يقع فيه، عندئذ قام بتكليف الراهب إليسيوس ليليوس بأن يقوم بتعديل التقويم. وكان التعديل الذى اقترحه ليليوس وأقره البابا يتمثل فى حذف ثلاثة أيام كل 400 سنة، وطبقا لذلك أمكن تلافى فارق الأيام العشرة، بحيث أصبح اليوم التالى ليوم الخميس الرابع من أكتوبر 1582 هو يوم الجمعة الخامس عشر من أكتوبر 1582!!
وبهذا عاد يوم الاعتدال الربيعى بعد ذلك إلى موعده الطبيعى، وهو 21 مارس، وقد عُرف التقويم الجديد الذى أقره البابا جريجوريوس بـ«التقويم الجريجورى».. ومن الجدير بالذكر هنا أن نشير إلى أن التقويم الذى كان معمولا به فى أوروبا طيلة العصور الوسطى، وقبلها أيضا، لم يكن يبدأ بولادة السيد المسيح، ولكنه كان يبدأ بإنشاء روما (753 ق. م)، وقد ظل الوضع كذلك إلى أن قام الراهب الرومانى ديونيسيوس اكسيجونوس بالدعوة إلى اعتبار سنة الميلاد هى بداية التقويم، وهى الدعوة التى كُللت بالنجاح اعتبارا من عام 532م..
السؤال الآن: من أين جاء فارق الأيام العشرة التى تلافاها التقويم الجريجورى؟ والجواب ببساطة هو أن التقويم اليوليانى تأسس بناء على فرضية مؤداها أن السنة طولها 365.25 يوم، فى حين أن طولها الحقيقى هو: 365.2425 يوم (وهى المدة التى تكمل فيها الأرض دورة كاملة حول الشمس)، ولعل من أطرف طرائف التقويم اليوليانى هو جعله الأشهر الفردية واحدا وثلاثين يوما والأشهر الزوجية ثلاثين يوما فيما عدا شهر فبراير، وهكذا فقد كان من المقرر طبقا للتقويم اليوليانى أن يكون شهر أغسطس ثلاثين يوما، غير أن الإمبراطور الرومانى أغسطس رفض أن يكون الشهر الذى يحمل اسمه أقصر من الشهر الذى يحمل اسم يوليوس!!
وهكذا أصبح هذان الشهران كلاهما من الشهور ذات الواحد والثلاثين يوما، وهو ما استتبع تعديل أطوال باقى الشهور حتى لا تتعاقب ثلاثة شهور متوالية من ذوات الواحد والثلاثين!!.
يبقى فى النهاية أن نقول إنه رغم انتصار التقويم الجريجورى وانتشاره، فإن القيادات الدينية فى الكنائس الشرقية مازالت ترفضه إلى الآن، ولعل هذا هو السبب الذى يجعلها تحتفل بميلاد السيد المسيح يوم 7 يناير، بينما تحتفل به الكنائس الغربية يوم 25 ديسمبر.