في واقعة ضرب الكابتن حسام حسن المدير الفني للنادي المصري، ﻷحد المصورين وإسقاطه أرضا، وتحطيمه الكاميرا الخاصة به، وبعد تحويله للنيابة العامة، قال: كنت أظنه مواطنا عاديا ولم أكن أعرف أنه من الشرطة!
وفي واقعة اتهام أحد الضباط بالإعتداء على نائبة بمجلس النواب، قال الضابط: كنت أظنها مواطنة عادية ولم أكن أعرف أن معها حصانة!
إننا إذاً أمام مصطلح يظهر جليا على السطح بلا خجل أو مواربة، بعد أن كان خفيا وطي الكتمان، وهو مصطلح «المواطن العادي» والذي تعامله الدولة على أنه بلا قيمة ولا ضهر، وهذا إما لفقره وإما لأنه ليس واحدا من مثلث السلطة في مصر.
يذكرني هذا وذاك، بأحد أفلام الجميل أحمد حلمي، وهو فيلم«عسل أسود»، والذي كان يجسد واقعا مريرا، حيث صدمت سيارة ملاكي سوداء ميكروباص سائق غلبان من الخلف، جاء الضابط مسرعا واطلع على رخصة صاحب السيارة الخاصة ليقول له: اتفضل ياباشا.
ينزل أحمد حلمي ليسأل الضابط كيف سمحت له بالإنصراف رغم خطئه؟
هنا يسأله الضابط من أنت؟
يقول: مصري.
قال الضابط وايه يعني مصري؟ مصري وضابط، مصري ووكيل نيابة!
نفس المعنى عالجه المرحوم بإذن الله الفنان خالد صالح في فيلم «فبراير الأسود»والذي أعلن أن مصر لاقيمة فيها ﻷستاذ جامعي ولا طبيب ولا مهندس أو معلم أوغيرهم...فقط لضابط بجهة سيادية أو قاضي معه حصانة أو مواطن معه جنسية دولة تحترم مواطنيها كالمملكة المتحدة أو أمريكا أو إيطاليا.
لعل هذا يدفعنا للحديث عن واقعة ريجيني المواطن الإيطالي، حيث لم تفهم الحكومة المصرية لماذا غضبت إيطاليا كل هذا الغضب من أجل مواطن..مجرد مواطن؟
مواطن عُثرت على جثته لاتخلو من موضع تعذيب بالسجائر أو الضرب والحرق، للحد الذي قالت عنه الصحف الإيطالية: ريجيني تعرض لهجوم وحش مفترس!
كان يمكن للحكومة المصرية أن تبادر بإعلان أسفها وإعتذارها وأن تتعهد بإيجاد الفاعل الذي بات معروفا لدى الكثير، بدلا من الحيل القديمة التي تنطلي فقط على المواطن المصري «العادي».
في الدستور المصري نصت المادة 51 على أن الكرامة حق لكل إنسان، ولايجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها. وفي المادة 52 نصت على أن التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم. وفي المادة 53 نصت على أن المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء.
وفي المادة 54 نصت على أن الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق.
أظن وبعض الظن خير، أن لدينا الضوء الأخضر من أعلى سلطة في الدولة، الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية والذي قال في أكثر من مناسبة: إنه لايوجد أحد فوق القانون، ولن نسكت على فساد أحد مهما كان ومهما كانت الجهة التي ينتمي اليها، وأولها رئاسة الجمهورية، بقي لنا أن تطبق تلك الجهات، كلام الرئيس وما أظنها تفعل.
في الدول المحترمة، تعد كرامة الإنسان خط أحمر لايمكن تجاوزها، يعلم الضابط والقاضي وكل مسؤول أنه مجرد موظف في الدولة، يؤدي دوره المنوط به وله حقوق وعليه واجبات، وكذا يعرفون أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وهذا لعمرك عين الدواء.
وأخيرا، قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان حينذاك أميرا للمؤمنين: اتق الله يا عمر، فدمعت عيناه وقال: لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فيَّ إذا لم أقبلها.