x

مصباح قطب تركيا: خية الانتصار على رقبة أردوغان! مصباح قطب السبت 16-07-2016 21:54


رئيس الوزراء الروسى «ميد يفيدف» قال، صباح السبت، إن هناك انقسامات عميقة داخل الجيش والمجتمع في تركيا. إلى أي حد يمكن أن يكون ذلك صحيحا؟ وهل يتعمق الانقسام أم تقل حدته بعد إحباط محاولة الانقلاب «الشبابية»، أي التي قام بها شباب من العسكريين الأتراك؟.

في اعتقادي أولا أنه ليس من مصلحة مصر ولا العرب (باستثناء قطر وحماس ) ولا الإسلام، استمرار أردوغان في الحكم، وبنفس اليقين فإن عدم استقرار تركيا يضر بشدة بالعرب وبالمنطقة. من هذا المنظور، يمكنني أن أورد الملاحظات العشرة التالية، على الانقلاب والانتصار وما بعدهما:

1- لوحظ أن جميع البيانات التي صدرت من دول كبيرة ومتوسطة بعد العلم ببدء الانقلاب لم تقم بإدانة مباشرة للفعل، وركزت كلها على مسائل ضبط النفس وحماية الأرواح، ومعني ذلك أن هناك شعورا مكتوما بالضيق من أردوغان وجنوحاته لدى تلك الدول حتى لو لم توافق على إزاحته بانقلاب.

2- البيان الروسي الأمريكي المشترك (لافروف – كيرى) كان واضحا للغاية في عدم الإدانة وترك الأمور للتفاعل الداخلى، بل انطوى برأيي على إشارة تقول إن العد التنازلي لأردوغان قد بدأ بغض النظر عن نجاح أو عدم نجاح الانقلابيين، وفي تقديري أن القوتين العظميين أصبح لديهما شبه توافق على أهمية إقامة كيان مستقل للأكراد رغم أنف أردوغان، وبما ان الأخير سيبقى مهيض الجناح مهما احتفل بالنصر أو زين له حلفاؤه الإخوانجية الاحتفال (إذن أين جيشه الذي سيواجه المقاتلين الأكراد) فسيسهل تنفيذ ذلك في المستقبل القريب.

.3- كون الانقلابيين من الشباب يمثل معضلة كبري وهو في أقل حد يعني أن الجيل الجديد من العسكريين لن يقبل أدلجة التدين التركي وتمويه المطامع الاستعمارية العثمانية تحت ستار إسلامي، والملاحظ أن مثل هذا الغضب بين العسكريين الشباب لم يكن ظاهرا في السنوات التي ركز فيها أردوغان على التنمية بالداخل، لكن الفوران بدأ يحتدم في الجيش وخارج الجيش، بعد ان وصل جنون السلطان العثماني إلى مدى بات يشكل خطرا على تركيا العلمانية والمتدينة معا.

4- اتهام أردوغان آلافا من العسكريين بالخيانة والإرهاب يضع علامة استفهام كبرى على مستقبل الاستقرار في تركيا، ولكم أن تتصورا جيشا لبلد كبير مثل تركيا يتهم فيه آلاف من القادة والضباط والجنود بتلك الاتهامات.. وسيتفاقم هذا الأثر إذا نفذ أردوغان وعيده بإعدام أعداد كبيرة منهم ومواصلة إهانة مَن لن يتم إعدامه.

5- الحيل التي لجأ إليها أردوغان وصحبه لإفشال الانقلاب هي صناعة قطرية بمعظمها (لمسات الجزيرة) فأكثر بلد في العالم حرصا على فشل الانقلاب كان قطر وتابعيها الإخوانجية وجانبا من السلطة السعودية. ومع ذلك فالقطريون أصيبوا بالمغص من جراء عدم تصدى القوي الدولية المختلفة للانقلاب، إذ معنى ذلك أن الكل ضاق ذرعا بأردوغان، ويتمنى الخلاص منه، وإن هذا الضيق سيمتد مستقبلا بالتأكيد إلى أهم شركائه في علف وتغذية الإرهاب: قطر.

6- دون تقليل من إردة الشعوب، فإن من التبسيط الشديد القول بأن الجماهير أفشلت الانقلاب.. وبعد متابعة الموقف بدقة فإن من تصدى للعسكريين في الشوارع هم رجال شرطة أقرب إلى نمط الحرس الثورى الإيرانى (كل نظم الحكم التي تسمى نفسها إسلامية تستخدم مثل هذه الفرق.. والشاطر نفسه كان يسعى لبنائها في مصر)، وهذه أيضا معضلة كبرى: كيف يستقر بلد تتصادم شرطته مع جيشه، ويسقط عشرات الضحايا من الجانبين؟ وقد يعجب المرء من تهليل قوى فاشية كالقرضاوية بأنواعهم بنزول آلاف من المواطنين في كافة المدن التركية، في الوقت الذي لا تريد هذه القوة احترام إرادة عشرات ملايين المصريين الذين نزلوا في 30 يونيو و3 يوليو؟

7- إن شبابا من 6 إبريل حذروا الشعب التركي– حسب سى .إن. إن – بالقول: لا تصدقوا أكاذيب الانقلابيين (يقصدون عن الدستور والحريات وحقوق الإنسان... إلخ )... حسنا فهل يصدق الإبريليون هؤلاء أكاذيب أردوغان في أنه رجل ديمقراطي ولا ينام الليل من أجل الديمقراطية في مصر أو اليمن أو سوريا أو ليبيا؟

وهل لديهم تفسير لقيام أردوغان في أول رد فعل بإقالة 2745 قاضيا فضلا عن خمسة من قضاة المحكمة العليا؟ لقد رأت «واشنطن تايمز» اليوم أنه تم النفخ في حادث الانقلاب الجنينى حتى يتسنى لأردوغان أن يزيد من هيمنته على السلطة وإقصاء كل من لا يفكرون بعقله. يبدو أن في ذلك قدرا من الصحة.

8- أميل إلى تسمية ما حدث بأنه حركة احتجاج عسكرية بسبب التطرف في تديين السياسة أكثر منه محاولة انقلاب أو بحث عن أتاتوركية جديدة، وكما قال المحلل الأمريكي فريد زكريا إن فشل الانقلاب كان واضحا منذ البداية، حيث لم يستهدف الانقلابيون رئيس الدولة بشكل جاد وهى الخطوة الأولي في أي انقلاب يقوم به محترفون برأيه. أكثر من ذلك فإن الطابع الشبابي للحركة كان واضحا تماما حيث حدث الانتشار بحيوية الشباب وبسرعته لكن لم يتم التعامل بعقل سياسي محنك مع أي خطوة أخرى بعد ذلك، وكان من الواضح أن اكتفاء القوى الدولية الكبري بحث مواطنيهم في تركيا على لزوم منازلهم فقط دون أي ترتيبات إخلاء.. أانهم كانوا يعرفون حدود تلك الحركة الشبابية لكن سيبقي أن البيان الذي صدر عن الانقلابيين كان يوصف بدقة السوءات البالغة للحكم الأردوغاني.

9- الانقسام في تركيا ليس بين العسكريين وبعضهم فقط ولا بينهم وبين الشرطة، ولكنه أوضح ما يكون أيضا بين الأكراد والقوميين الأتراك المتطرفين، وبين القوى الليبرالية «العلمانية» وبين أردوغان وزمرته، كما أنه أيضا صارخ بين القوي الصوفية الروحية التي يتزعمها عبدالله غولن المقيم بأمريكا حاليا وبين قوي الإسلام السياسي الأردوغاني.

ومن الواضح أن أردوغان وصحبه كانوا يخشون أكثر ما يخشون نزول أنصار غولن، وهم بالملايين إلى الشارع، ولذلك وجه الأردوغانيون إدانتهم منذ اللحظة الأولى صوب غولن ولاحقا قالوا إنهم سيطلبون تسليمه رغم أن الرجل لم يحرك أحدا، بل أدان الانقلاب بعد وقوعه بنحو بساعات، لكنه سيبقى- كما هو واضح- مناوئا شديد البأس للأردوغانية.

10- ربما لا تكون مصادفة وقوع محاولة الانقلاب بعد يومين فقط من تعيين رئيسة وزراء جديدة لبريطانيا ووزير خارجية يعتقدان بأهمية تحسين علاقة بريطانيا، بل الاتحاد الاوروبى كله بروسيا، وإنهاء الحرب في سوريا، ومعني ذلك أن قادة الانقلاب ربما بكروا بالحركة انتهازا لهذه اللحظة التي تتباعد فيها بريطانيا – صانعة الإخوان وأهم حليف غربى وملهم لتركيا – عن النهج الأردوغانى.

وبعد أن تحدث أردوغان عما سماه جيش محمد التركى، فالاعتقاد أنه سيقصى وبفجاجة على كل من هو «علمانى» التوجه في الجيش وخارجه وربما يستبدل بالجيش الميليشيا كلية حتى يصل إلى ما يتصوره دولة «إسلامية» «بيور» وفق هواه السلطانى، فمن سيرتضى ذلك في عالم مجاور أصيب بأفدح الأضرار من الدولة الدينية «النقية» هذه في العصور الوسطى والآن؟

أخشى أن الخية تحيط عنق المنتصر وهو لا يدرى.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية