x

مصباح قطب حضر «بيكيتى» فغاب رجال الأعمال مصباح قطب السبت 04-06-2016 21:51


لا «بيكيتى» الملائكة ولا رجال الأعمال الشياطين. إنها فقط مجرد ملاحظة. فى المحاضرة التى ألقاها الاقتصادى الفرنسى الأشهر فى العالم حاليا «توماس بيكيتى»، بجامعة القاهرة، الخميس، لفت النظر الغياب التام لرجال الأعمال المعروفين. الاستثناء كان هانى توفيق الذى لم يعتبره أى منا يوماً رجل أعمال بقدر ما هو خبير مالى مهموم «بحرقة» بوضع اقتصاد مصر. كنت سأتلو البسملة والحوقلة لو حضر نجيب ساويرس أو أبوهشيمة أو محمد الأمين... إلخ. كنت سأقول كغيرى: «اللهم اجعله خير».

«بيكيتى» الذى سجل كتابه الاقتصادى (رأس المال فى القرن الحادى والعشرين) مبيعات بنحو 2.5 مليون نسخة، فى سابقة لا نظير لها فى التاريخ، لم يهز ركود علم الاقتصاد فحسب، ولكنه أشعل نقاشاً لم يهدأ حتى اللحظة حول التفاوت الاجتماعى والثروة ومصادرها فى أوروبا وأمريكا وبعض بلدان أخرى، وفحص سجلات الملكية فيها، تاريخياً وحتى 2013. هوجم الرجل (45 سنة) بضراوة من ممثلى مؤسسات المال والأعمال الكبيرة ومن تابعيهم فى «وول ستريت جورنال»، و«فاينانشيال تايمز»، و«نيويورك تايمز» وغيرها. تم تكفيره على طريقتنا، واستبيح شرفه العلمى، وربما دمه، باعتباره شيوعياً، ما اضطره أن يحلف بأغلظ الأيمان أنه ليس كذلك. كل هذا لأنه لاحظ أن معدل زيادة ثروة الأغنياء يفوق طوال الوقت معدل النمو فى الاقتصاد، وأن الثروة تتركز يوماً بعد يوم فى أيد أقل، ما يهدد الليبرالية والديمقراطية نفسيهما.

لم يبشر بنظام اقتصاد جديد، كل ما طالب به هو فرض ضرائب تصاعدية، وأخرى على الثروة، وثالثة على التركات أو الورث، وإتاحة التعليم على أوسع نطاق للمواطنين، دون إرهاقهم بمصاريف.. وأخيراً: أن يكف الأغنياء عن تقديم أسباب غبية- بتعبيره- لتبرير التفاوت الرهيب.

ما يشرح القلب أن عدداً ليس بالقليل من طلبة وطالبات كلية الاقتصاد، حضر وشارك بفاعلية، ولم يحتج أى منهم سماعات للترجمة، وتحدث من تحدث منهم بلغة أجنبية سليمة وطرح أسئلة فصيحة.

«بيكيتى» نفسه فوجئ بمستوى النقاش والحميمية التى عُومل بها. فاته أن يجيب عن بعض الأسئلة، منها سؤال مهم للغاية طرحته الدكتورة شيرين الشواربى، أستاذة الاقتصاد بالكلية، يقول: إذا كان التفاوت قد وصل إلى هذا الحد فى الولايات المتحدة فلماذا لايزال الحلم الأمريكى يجذب المزيد من البشر من أرجاء المعمورة؟

«بيكيتى» يعتقد أنه لا يوجد نظام عدم إنصاف كفء، بمعنى لا يوجد نظام تتفجر فيه الفوارق الاجتماعية، ويتمتع بالكفاءة، حتى لو كان متقدماً، لأن العدالة الأكثر تعنى أنه كان يمكن أن يكون أكثر كفاءة. لكنه لم يجب عن السؤال صراحة.

الدكتورة شيرين قالت لى إن ما قد يفسر الأمر أن التفاوت عند مستوى تنمية مرتفع قد لا يجد مقاومة حادة، ولا أقول يمكن أن يلقى درجة من القبول، وهذا هو حال أمريكا، لكن ما يجعل الأمر فظاً فى بلد كمصر أن النمو ضعيف، والتفاوت شاسع، والفقر محتدم.

لاتزال كلية الاقتصاد بخير. لا يكفى أن تكون كلية واحدة كذلك. يتعين أن تكون مصر- فجر الضمير كما نقول- رائدة الفكر الاقتصادى المتجاوز للاقتصادى الببغائى، والذى يفسر كل ما فى الكون بالعرض والطلب. شكراً للعميدة د. هالة السعيد، ولمترجمى كتاب «بيكيتى» إلى العربية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية