x

مصباح قطب الجمهورية الأمربريطانية مصباح قطب الثلاثاء 28-06-2016 22:53


لا يمكن لعامل وحيد أن يفسر قرار الشعب البريطاني الخروج من الاتحاد الأوروبى. لا الخوف من المهاجرين على وجوده، ولا تلاعب ميردوخ إمبراطور الإعلام بالعقول رغم محاولاته، ولا عنصرية ترامب على الضفة الأخرى من الأطلسى رغم ترعرع جذورها مجددا في التكوين البريطاني، ولا الخشية من أسلمة أوروبا ومعها بريطانيا، رغم أن ذلك أصبح محل تهاجسات معلنة في الغرب كله. ولا حتى خباثة واندفاعة كاميرون التي ظن معها بموافقته على إجراء الاستفتاء أنه سيوجه ضربة إلى خصومه. لا موقف واحد يبرر النتيجة بل ولا حتى مجموع هذه المواقف كاف.

اتفق مع عبدالرحمن الراشد في أن هناك كتلة بريطانية واعية ومثقفة تؤيد الخروج بل تدعو إلى التعجيل به، لأنها ترى أن أوروبا أصبحت قارة بلا مستقبل. عقيمة سياسيا وبيروقراطيا، عديمة الهيبة عسكريا ودبلوماسيا ومخابراتيا رغم قوتها الاقتصادية، وضائعة وجوديا.

لم تفلح أوروبا في معالجة ملف واحد أقحمت نفسها فيه أو كان يجب أن تقحم نفسها فيه. فلا أوقفت حماقات السلطان أردوغان في سوريا أو ليبيا رغم أنها أول من دفع الثمن، وقد ظهر عجزها الفاضح وتشتتها في قضية استيعاب المهاجرين. ولا استطاعت عبر عقود أن تزحزح القضية الفلسطينية سنتيمتر واحد إلى الأمام. ولا تمكنت من بناء علاقة حيوية مع روسيا، بل انصاعت إلى التسخين البريطانى الأمريكي ضد بوتين، ثم ها هي تتهاوى تحت مفاجأة الاستفتاء وهروب بريطانيا من مسؤولياتها إزاء الاتحاد (ألمانيا تشعر أنها مطعونة بسكين). الخ.

الشاطر إذن من يفر منها إلى حلفاء للغد: أمريكا والصين ومن لف لفهما. من أجل ذلك اعتقد أن النخبة المثقفة التي أشرت إليها ومع المطابخ البريطانية الوعرة، ستدير وجهها بسرعة البرق إلى الولايات المتحدة، لتتجاوز نتيجة الاستفتاء، وتقفز بالشراكة بين الاثنين إلى مستوى غير مسبوق.

بريطانيا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية ذيل أمريكا، ولكن أيضا عقل سياساتها وموجة شرها في نفس الوقت. وهناك ما يمكن أن يكون أبعد في العلاقات بينهما. قال أوباما إنه لايزال حريصا على إنهاء مفاوضات التجارة الحرة عبر الأطلسى قبل نهاية ولايته. المفاوضات التي بدأت 2013 بين أمريكا والاتحاد الأوروبي مازالت تتعثر. هناك عوائق ومقاومات من الجمهور والساسة وحماة البيئة والمناخ والمستهلكين في أوروبا للاتفاق، ومقاومة فرنسا مكتومة وفيها مسحة ياس. الآن بوسعى أن أرى أن الكتلة البريطانية المكونة من إنجلترا وويلز وأسكوتلندا وأيرلندا الشمالية ستتوجه – بهندسة من المطابخ التي أشرت إليها- صوب توقيع اتفاق تجارة حرة شامل مع أمريكا، وقد تسبق الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي.

أتوقع ذلك رغم أن أوباما قال إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى سيجعلها في نهاية صف مفاوضات الأطلسى. المناخ الذي يهيئه ترامب في الأوساط الأمريكية – حتى ولو لم يفز في الانتخابات – سيخلق أرضية مرحبة بالاتحاد الأمربريطانى. ستستطيع بريطانيا بذلك الحفاظ على تماسك كتلتها، وتستطيع أمريكا أن تضغط أكثر على الاتحاد الأوروبي ليقدم تنازلات في الاتفاق المزمع. إنه انقلاب في الترتيبات الكوكبية.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية